التساؤل الملحّ داخل الدوائر الاقتصادية والسياسية في بيروت: هل حل الأزمة الاقتصادية في لبنان غير ممكن بدون صندوق النقد الدولي؟ بينما أكد وزير خارجية فرنسا، جان – إيف لودريان، في زيارته للبنان، أنه «لا غنى عن صندوق النقد الدولي لإنقاذ بلد أصبح نصف سكانه تحت خط الفقر»..ويرى خبراء اقتصاد في بيروت، أن حاجة لبنان كبيرة جدا،ً ولذلك لا تستطيع دولة أو عدة دول إنقاذه لأنه غارق في الديون.
القروض بديلا للإصلاحات !!
وبدوره يتساءل الشارع اللبناني: هل القروض بديلا عن الإصلاحات؟! وأيهما أولا الإصلاحات أم القروض..أم الإثنين معا ؟! ويرى المحلل السياسي اللبناني، ذو الفقار قبيسي، أن حكومة حسان دياب، جاءت تحت عناوين وشعارات إصلاحية وإنقاذية، ولكن بدل أن تباشر الحكومة بإجراء الإصلاحات المطلوبة والموعودة في بيانها الوزاري الذي اعتبرت فيه أنها الإبن الشرعي للحراك الشعبي، ألقت الحكومة وراءها بسلة الاصلاحات واندفعت بكل ما لديها من طاقة وقدرات نحو القروض سواء من الصندوق الدولي أم من إعادة تفعيل مؤتمر «سيدر» أم من صناديق وبرامج عربية.
ويضيف «قبيسي»، إن الحكومة بدل أن تبتكر ـ بما لديها من علوم اقتصادية ومالية وتقنية ـ حلولا تمكنها من دفع ما على الدولة من استحقاقات، أعلنت بفخر شديد انها امتنعت عن دفع هذه الموجبات للدائنين اللبنانيين والأجانب. وكأن الامتناع عن الدفع بطولة تستحق المفاخرة. مع انها إساءة تضرب الثقة في الدولة محلياً وعربياً ودولياً، وبررت الحكومة عدم الدفع انها تريد استخدام الدولارات التي لم تدفع، في منع تأثيرات الأزمة الاقتصادية على اللبنانيين وإعادة الأمانات الى المودعين. فكانت النتيجة انه لا الأزمة تراجعت بل تفاقمت وازدادت تأثيراتها على اللبنانيين، ولا الأمانات أعيدت إلى المودعين!
سقوط لبنان القاسي نحو الجحيم
ونشرت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية، ملفا كاملا عن الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في لبنان، فبعد تسعة أشهر، وعلى الرغم من استقالة حكومة سعد الحريري في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تلاشى الأمل في التغيير بالنسبة لأغلبية اللبنانيين، وأصبح العيش بشكل مريح تحديًا، حيث تفاقمت الأزمة الاقتصادية. فيما يبقى السياسيون يتأرجحون في مفاوضاتهم للحصول على مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي، والتي تم تقديمها على أنها طريق النجاة الوحيد في وقت يغرق لبنان في البؤس.
وأوضحت صحيفة «لوفيجارو»، أن التضخم في لبنان بلغ 90٪. وفي الوقت نفسه، فقدت العملة المحلية أكثر من 80٪ من قيمتها في السوق السوداء منذ شهر سبتمبر/ ايلول 2019 بسبب نقص الدولار، مما يجعل الواردات صعبة حيث اختفت العديد من الادوية في الصيدليات والمنتجات الاستهلاكية اليومية، بينما ترتفع أسعار المنتجات الأخرى، مثل اللحوم أو الغسيل أو الحبوب.
وحذرت الصحيفة الفرنسية، من سقوط لبنان القاسي نحو الجحيم، ومواجهة الشعب اللبناني لأسوأ أزمة اقتصادية تضرب البنيان الاجتماعي والصحي للمجتمع.
لبنان على حافة الهاوية
دبلوماسياً، لاحظت مصادر سياسية بارزة أن التحذير الفرنسي، كرره، على نطاق أوضح وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، إذ قال أمس للصحفيين، قبل سفره من بيروت: «هذا البلد بات على حافة الهاوية في حال لم تسارع السلطات إلى اتخاذ إجراءات لإنقاذه».
وأضاف: «الجميع يعرف المسار الذي يجب اتخاذه، وهناك وسائل للإنعاش. وفرنسا جاهزة لمرافقتهم بشرط أن تتخذ السلطات السياسية القرارات» للسير في طريق الإصلاحات. وأكد «هذه طلبات فرنسا، واعتقد أنها سُمعت».
بدوره، أكد مسؤول فرنسي رفيع المستوى، أن « فرنسا لن تُقدم على أي إلتزام مالي ما لم يتم تطبيق إصلاحات»، محذرا من أنه لا يمكن الحصول على شيء من المجتمع الدولي في غياب الثقة.. وقال «بدأ يفوت الأوان».
طريقة «اللّهم إني قد بلّغت»
النقاشات اللبنانية – الفرنسية كانت تجري عند «حافة الهاوية» التي حذر منها وزير الخارجية الفرنسي الذي شدّد على البدء بالإصلاحات، في حين أن كبار المسؤولين، لا سيما في بعبدا، كانوا يُشدّدون، على أن لا إصلاح بلا محاربة الفساد أولاً..
وتقول الدوائر الإعلامية والسياسية في بيروت، إنه على طريقة «اللّهم إني قد بلّغت»، أنهى وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان، يومين حافلين من اللقاءات والتحركات والمواقف اللافتة التي خرق عبرها دوّامة العقم السياسي والرسمي والحكومي الذي يطبق على ادارة أسوأ وأخطر أزمة عرفها لبنان في تاريخه.. وبدا واضحاً ان «لودريان» تعمد إنهاء زيارته على صدى تحذيرات إضافية، فأعلن ان «لبنان بات على حافة الهاوية»، مكرراً دعوته لتنفيذ إصلاحات ضرورية لحصول لبنان على دعم مالي خارجي.
الإصلاحات «أولا»
وبدا لودريان حاسماً في تصريحاته خلال الزيارة التي تُعد الأولى لمسؤول رفيع المستوى للبنان منذ تشكيل الحكومة الحالية، وشدد على ضرورة عدم المماطلة والإسراع في الإصلاحات.وقال أمس: «الكلّ يعرف المسار الذي يجب اتخاذه، وهناك وسائل للإنعاش. وفرنسا جاهزة لمرافقتهم شرط أن تتخذ السلطات السياسية القرارات للسير في طريق الإصلاحات».
أي أن شروط ومطالب الجهات المانحة للقروض أو المساعدات والمنح تؤكد على أن الإصلاحات «أولا»، ثم يأتي الحديث عن القروض أو المنح والمساعدات.