اشتعلت شوارع لبنان بالغضب الشعبي، مع تحذيرات الدوائر السياسية في بيروت، بأن مستقبل الوطن أصبح على «حافة الهاوية».
وتوافد اللبنانيون منذ الصباح إلى ساحة الشهداء (وسط بيروت) لرفع الصوت ضد تدهور الأوضاع المعيشية مع تخطي الدولار عتبة الـ12 ألف ليرة.
ورأى المعتصمون، في بيان لهم، أنّه لا يمكن للسلطة الحاكمة الاستمرار في حكمها الفئوي والتسلّط على الشعب ومنع لقمة العيش عنه وعن الجيش.. مؤكدين أنّهم عادوا من جديد إلى الساحات ولن يتركوها.
لبنان في »قبضة» الغضب الشعبي
ومع تعقيدات الوضع المتأزم في لينان، تجدّدت التحركات الاحتجاجيّة أمس في مختلف المناطق اللبنانية، وبعد أن أخرج تدهور القيمة الشرائية لليرة واستمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية اللبنانيين إلى الشارع مجدداً أمس، حيث قطعوا الطرقات وأغلقوا ساحات وتظاهروا في الشوارع في الجنوب والشمال والعاصمة بيروت رفضاً للوضع الاجتماعي الضاغط والأزمات السياسية والاقتصادية والمالية التي أدت إلى تفاقم الوضع المعيشي.
وأصبح لبنان في «قبضة» الغضب الشعبي، ويرى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أن هناك مبررات قوية لـ «غضبة» الشعب، وقال في عظة قداس اليوم الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي: إن الشعب أ صبح رهينة صراعات أهل السلطة الذين أخذوا اللبنانيين رهائن ولا يطلقون سراحهم رغم كل الاستغاثات الشعبية والمناشدات الدولية. وكأنهم فقدوا الضمير الوطني والعاطفة.
وأشار إلى أن السلطة ترى شعبها في الفقر ولا تكفيه، وفي الجوع ولا تطعمه، وفي العتمة ولا تنيره، وفي الهجرة ولا تستعيده. وتراه صارخا في الشوارع ولا تلبي مطالبه، وفي حالة البطالة ولا تجد له عملا، وفي المحاكم ولا تضمن له عدالة، وفي الهاوية ولا تنتشله. وتراه في حالة الإفلاس ولا تعومه، وفي الذل ولا تعيد إليه كرامته.. ولسنا نفهم كيف أن السلطة تحول الدولة عدوة لشعبها!
الثائرون أمل الغد
واعتبر البطريرك الراعي، أن شباب لبنان الثائرين هم أمل الغد، ودعاهم إلى توحيد صفوفهم وتناغم مطالبهم واستقلالية تحركهم، فتكون ثورتهم واعدة وبناءة.
وقال: “لعلهم بذلك يستحثون الجماعة السياسية وأصحاب السلطة على تشكيل حكومة إستثنائية تتمتع بمواصفات القدرة على الإنقاذ وإجراء الإصلاحات، وتعمل في سبيل إنقاذ لبنان لا المصالح الشخصية والحزبية والفئوية. ما يقتضي اتخاذ القرارات الجريئة على أساس من الحقيقة والمصلحة العامة”.
إذا كان المسؤولون، بسبب إنعدام الثقة، عاجزين عن الجلوس معا لمعالجة النقاط الخلافية التي تراكمت حتى الإنفجار النهائي اليوم، فلا بد من اللجوء إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، لإجراء هذه المعالجة، مثلما جرى في ظروف سابقة.
الشعب المنتفض يستحق وطنه
كان واضحا مباركة البطريرك الراعي للغضب الشعبي في صورة ثورة الاحتجاجات الشعبيةن مؤكدا، أن شعب لبنان برهن، بشبابه وكباره، من كل المناطق والإنتماءات، عبر إنتفاضته، إنه شعب يستحق وطنه، داعياً إياه ليناضل من أجل أن يستعيد لبنان هويته الأصلية كمجتمع مدني، ومن أجل إفراز منظومة قيادية وطنية جديدة قادرة على تحمل مسؤولية هذا الوطن العريق وحكم دولته وقيادة شعبه نحو العلى والازدهار والاستقرار والحياد.
«بري» يدرس إعادة التحرك
وعلى مسار المساعي والاتصالات «المتعثرة» لحلحلة أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، كشفت مصادر سياسية واسعة الاطلاع، في بيروت، أن رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، يدرس الآن إعادة التحرك لعله يتمكن هذه المرة من تذليل العقبات التي لا تزال تؤخر ولادة الحكومة، قائلةً إن «بري» يربط تحرّكه بموافقة رئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، على أن تتشكل الحكومة من 18 وزيراً ويترك له إيجاد مخرج لتسوية الخلاف حول من يشغل وزارة الداخلية ولا يُعطى الثلث الضامن لأي فريق، وهذا يتوقف على تواصل «حزب الله» معهما وما إذا كان على استعداد لممارسة ضغطه بدلاً من الاكتفاء بالتمنّي عليهما للسير في مبادرة حليفه رئيس المجلس
«قلق» الإدارة الأمريكية
وعلى الصعيد الدولي، عبر الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، عن «قلق» إدارة الرئيس جو بايدن من «التقاعس الواضح» للزعماء اللبنانيين في التعامل مع الأزمات المتعددة التي تواجه بلدهم، مطالباً إياهم بالتخلي عن «سياسة حافة الهاوية» وتشكيل حكومة تنفذ الإصلاحات اللازمة «بشكل عاجل».
وقال برايس، إن اللبنانيين يستحقون حكومة تنفذ بشكل عاجل الإصلاحات اللازمة لإنقاذ الاقتصاد المتدهور في البلاد، ويحتاج الزعماء السياسيون اللبنانيون إلى التخلي عن سياسة حافة الهاوية الحزبية. ويجب عليهم أن يغيروا المسار. يجب عليهم أن يعملوا من أجل الخير العام والمصالح المشتركة للشعب اللبناني».
الوضع يزداد سوءاً في لبنان
ومن جهة اخرى، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق، ديفيد شينكر، في جلسة إلكترونية نظمها «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» : للأسف، من المرجح أن يزداد الوضع في لبنان سوءاً، لكن لا يمكن لواشنطن أن تخرج لبنان من أزمته من دون أن يقوم القادة اللبنانيون بذلك.
واعتبر المسؤول الأمريكي السابق، أن لبنان ليس تحت سيطرة حزب الله وحده، بل تحت سيطرة الزعماء كذلك، أما الحل في لبنان، «فلا يتعلّق فقط بتشكيل الحكومة».