يعيش لبنان مرحلة مفصلية، باتت أكثر غموضا وتعقيدا مع مأزق الثقة بين الشعب والسلطات الحاكمة، لتدخل ثورة الشعب اللبناني أسبوعها الرابع، واللبنانيون يفترشون الطرقات والدروب، ويتظاهرون أمام المؤسسات الرسمية ومنازل رموز السلطة. ويطرحون مطالبهم الواضحة والصريحة في وجه السلطة (ارحلوا جميعا)، وهناك يكشفون هزال السلطة وعزلتها وتلهيها في أمور الحكم، وتمترسها خلف حدود التقسيمات الطائفية، في الوقت الذي يتلاقى فيه اللبنانيون جميعا خارج حدود الطوائف، حتى لجأت السلطة أخيرا إلى ما وصفته الدوائر السياسية في بيروت بـ «مناورات استطلاع بالنار»، بطرح اسم محمد الصفدي رئيسا توافقيا للحكومة اللبنانية الجديدة، والتلميح بأن الترشيح جاء عبر اتصالات ومشاورات وتوافق بين بعبدا ـ بيت الوسط ـ حارة حريك ( قصر الرئاسة، وسعد الحريري، وحزب الله).
- الشارع اللبناني رفض واعترض.. ولا يزال يرى في «الصفدى» أحد وجوه النظام الذي لا بد أن يرحل.. وفي نفس الوقت نفى تيار سعد الحريري (تيار المستقبل) مشاركة الحريري في اختيار الصفدي.. ليظل المشهد قائما على قواعد مأزق فقدان الثقة.. ولتظل الأزمات المتلاحقة التي تهدم البيت اللبناني والنظام المؤسسي، ممثلة تحديدا في غياب الثقة بين الفرقاء والتردد والخوف، ووضع البلاد على عتبة المجهول، ومما يختصر بدقة العقلية التي يتعاطى في هديها معظم الطبقة السياسية، من مناورات استطلاع بالنار، وكذب في أحيان كثيرة، وصولا إلى «تخريب المخرج» من أساسه، بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني، أنطوان الأسمر !
غليان سياسي وتمرد شعبي
المشهد العام في لبنان يكشف عن غليان سياسي وشعبي، وتمرد على الطبقة السياسية، وأن الوضع زاد تعقيدا لاسيما بعد تبين أن موعد المشاورات لأجل تشكيل حكومة جديدة قد لا يزال بعيدا بسبب الخلاف حول طبيعة الحكومة، خاصة أن سعد الحريري وحلفاؤه يريدون حكومة تكنوقراط خالية من السياسيين تستجيب لمطالب المحتجين، بينما يريدها الرئيس عون ورئيس الوزراء نبيه بري وحزب الله وحركة أمل وحلفاؤهم يريدونها حكومة تكنوسياسية.. فيما بدا أيضا انقسام دولي حول طبيعة الحكومة اللبنانية، الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد التكنوقراط بينما روسيا تعارضها وتعتبرها غير واقعية.
شكوك حول التوافق بين «بعبدا- بيت الوسط- حارة حريك»
ويرى بعض السياسيين المستقلين في بيروت، أن تكليف رئيس الحكومة الجديد (الوزير السابق محمد الصفدي)، بات محسوماً، وهو قيد الاتصالات والمشاورات، ويرى كثيرون من المراقبين، أنّ ذلك اختياراً مشتركاً بين «بعبدا وبيت الوسط» أي بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المستقيل سعد الحري، ومن الطبيعي أنّ ذلك يقبل به رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في وقت أن حزب الله من أكثر المؤيدين لهذا الخيار، إذ لم يسبق أن حصل أي خلاف أو صدام سياسي بين الوزير السابق محمد الصفدي والحزب، ما يعني أن الأمور قطعت شوطاً متقدمًا من خلال الاتصالات المستمرة، وثمة لقاءات لاحقة تتوالى، كي تتبلور الصورة قبل انطلاق الاستشارات النيابية، وبعدها تبدأ عملية التكليف لتكون الحكومة سريعة في غضون أيام قليلة، ولكن في المقابل تبقى كل الاحتمالات واردة أمام صعوبة الأوضاع على الساحة الداخلية، ويبقى للشارع اللبناني موقفه، وكل ذلك سيتحدد في وقت ليس ببعيد.
- ومن المتوقع أن تكون الأيام المقبلة في منتهى الأهمية، بعدما بلغت التوترات في الشارع مداها وأخذت المخاوف تطاول الكثيرين بعد الصدامات التي جرت وسقوط دماء وشهيد وجرحى، وعلى هذه الخلفية في حال سارت عملية التكليف كما رُسم لها فالحكومة قد تكون جاهزة في وقت قريب.
صاعقة على رأس الشارع المنتفض
تطورات الأحداث ـ المشكوك في مصداقيتها ـ يراها المحلل السياسي د. عامر مشموشي، نزلت كالصاعقة على الشارع المنتفض على السلطة منذ أربعة أسابيع لإجبارها على الاستجابة للحد الأدنى لأهدافه، ألا وهي الإتيان بحكومة من أشخاص اختصاصيين يتمتعون بالخبرة والمصداقية والنزاهة ونظافة اليد، بما يُعيد الثقة المفقودة بين الشعب الثائر وبين هذه الطبقة التي أفقرته وأوصلته إلى حالة الثورة.. مشيرا إلى المعلومات التي ترددت عبر وسائل الإعلام عن التوصّل بين الرئيس سعد الحريري والثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر إلى تسوية تقضي بتكليف الوزير السابق محمد الصفدي تشكيل حكومة مختلطة من اختصاصيين وسياسيين تأخذ على عاتقها مسؤولية إخراج البلاد من الأزمة التي يتخبّط فيها، وأوردت الأنباء المتداولة معلومات مفادها أن الرئيس الحريري قَبِلَ بهذه التسوية وباركها، وأن رئيس الجمهورية سيبادر إلى تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لاستكمال إجراءات التكليف خلال الساعات القليلة المقبلة.
تيار الحريري ينفي منح موافقته على اسم «الصفدي»
هذه المعلومات نفتها أوساط رئيس الحكومة المستقيل، سعد الحريري، ونفت تماما أن يكون الحريري قد منح أي موافقة على إسم الصفدي أو حتى على مشاركة تيار «المستقبل» في الحكومة، مؤكدة أن «الحريري» كرر أمام ممثلي حزب الله وحركة «أمل» أنه مستعد حصرا لترؤس حكومة تكنوقراط، وأنه لن يغطي أو يشارك في أي حكومة خارج هذا السياق، وإلا فيتحمّل كل طرف مسؤولياته، وما قد يحصل في الشارع، وليتحمّل كذلك معارضة مستقبلية شرسة، وليقع على عاتقه إحتمال ردة فعل كل من خرج الى الشارع في 17 أكتوبر/ تشرين الأول يطالب بالتغيير الشامل.
- وهكذا .. لا يزال الغموض سيد الموقف .. ولا يزال موقف الشارع اللبناني متمردا على الطبقة السياسية، ورافضا للتصنيفات الطائفية والمذهبية. ولن يقبل بديلا عن حكومة تكنوقراط «غير ملوثة» سياسيا وطائفيا.
