ترى الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت، أن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة أصبح «في خبر كان»، ولا أحد يستطيع أن يتكهن بمصير البلاد، وبعد أن سقط لبنان في «بطن الحوت» وأصبح الإنقاذ مرتبطا بمعجزة من السماء، وبعد أن أحرقت المراكب على ضفتي الرئيس ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
مرحلة جديدة من الجمود
ويتفق المراقبون في بيروت على أن تشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، أصبح «في خبر كان»، بعد أن دخلت عملية تشكيل الحكومة في مرحلة جديدة من الجمود، لا أحد يعرف مدتها وكيفية انتهائها، وبعدما كشف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري «غيضٌّا من فيض» العراقيل والعقبات الرئاسية المتعمدة الموضوعة في طريقه لإعاقة تشكيل حكومة المهمة الإنقاذية، استناداً إلى المبادرة الفرنسية، إما لحمله على الانصياع لمطالب ورغبات الفريق الرئاسي التعجيزية، بحسب تعبير الباحث السياسي اللبناني معروف الداعوق، أو إرغامه في النهاية على الاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة.
إحراق المراكب
وينذر الاشتباك الحاصل بين قصر بعبدا الرئاسي و«بيت الوسط» مقر رئاسة الحكومة، والذي لم يشهد مثيلاً له لبنان الحديث، بدخول البلاد في أزمة سياسية مفتوحة غير معروفة المدى والنتائج، وما جرى في الساعات الماضية كان بمثابة إحراق المراكب على ضفتي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وقد قذف بعملية تأليف الحكومة إلى عالم الغيب، بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني حسين زلغوط، حيث بات يصعب التكهن الذي سيؤول إليه هذا الاستحقاق بعد شبه الطلاق «الخلعي» الذي حصل بين الطرفين، والتي اشارت مضامين الرسائل النارية التي أطلقت من الطرفين إلى عمق الأزمة وانعدام الثقة.
كل ذلك يحصل وسط أفق داخلي مسدود أمام سعاة الخير، وكذلك أمام أي تدخل خارجي بغض النظر عن الاهتمام الخجول الذي لا تزال تعيره الدولة الفرنسية للبنان.
باريس تتحرك
الجانب الفرنسي، وحرصاً على احتواء التدهور في العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ووضع حدّ لهذا الانحدار، الذي انتهي بحرق المراكب على ضفتي الجانبين، أجرت باريس سلسلة اتصالات بقيت بعيدة عن الأضواء، وشملت قصر بعبدا الرئاسي، والسرايا الحكومية «بيت الوسط»، بحسب معلومات صحيفة اللواء اللبنانية، ولم يعرف ما إذا كانت شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ تعرب أوساط «الثنائي الشيعي» عن استيائها لانحدار الخطاب، الذي من شأنه ان يجعل مهمة «سعاة الخير» – القدامى والجدد – ثقيلة أكثر من السابق
المف الحكومي «في خبر كان»
وتؤكد أوساط مراقبة في بيروت، أن الملف الحكومي أصبح «في خبر كان»، وهناك توقعات بأستمرار التراشق بين «عون والحريري» في المرحلة المقبلة، وأن كل المساعي معلقة إلى توقيت غير معلوم، وأن الواقع الحكومي بات مشلولا، ما يطرح علامة استفهام حول المشهد اللبناني في الأيام المقبلة!
«الخيبة من التأليف» باتت طاغية
ومع حالة الانسداد السياسي وإغلاق الطرق أمام تشكيل الحكومة، أكد المكتب السياسي «لحركة أمل»، أن مبادرة زعيم الحركة ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، ما زالت تشكل المخرج للجميع من أجل إخراج التشكيل الحكومي من العقد التي وصل اليها، وللإستفادة من مبادرات الدول الصديقة لمساعدة لبنان، خصوصاً وأن «الخيبة من التأليف» باتت هي الطاغية والسائدة، وصولاً إلى حالة اليأس من قيامة الوطن، بعد إنعدام الثقة بسبب تزاحم المصاعب والأزمات، وتفرعها تارةً تحت عنوان أمني من سرقات وإعتداءات جوالة ومتنقلة، وطوراً خشية من إنفلات الأمن الاجتماعي والأمن المالي، مضافاً إليهم التردي في الوضع الصحي.
الأزمة دخلت النفق الطويل
وبات واضحا أن أزمة تشكيل الحكومة الجديدة دخلت في نفق طويل من التعطيل، في حال بقيت مواقف الفريق الرئاسي (مجموعة الرئيس ميشال عون) على حالها من جهة، وتشبث الرئيس المكلف سعد الحريري، بعدم التراجع عن تمسكه بتشكيل حكومة المهمة ورفضه الاعتذار كما هو حاصل اليوم، بعدما أعلن ذلك صراحة منذ ثلاثة أيام من جهة ثانية، وإذا لم تتدخل أي جهة أو شخصية، سياسية أو دينية، لتقريب وجهات النظر وإعادة الثقة المفقودة أساساً بين الطرفين، تمهيداً لوضع مسار تشكيل الحكومة الجديدة على السكة من جديدز
وهو أمر ليس متوافراً، بعدما فشلت كل الوساطات وكل محاولات التهدئة في هذا الخصوص.
الخيارات المطروحة
لا يمكن لأي جهة أو مرجعية مسؤولة الإجابة عن هذا السؤال وغيره من التوقعات المرتقبة بهذا الشأن، بحسب تقديرات المحلل السياسي اللبناني، معروف الداعوق، لأن التصرفات غير المنطقية والسياسية الديماغوجية للفريق الرئاسي، لا تؤشر إلى إمكانية التوصّل إلى حلول وسط أو مخارج مقبولة لأزمة تشكيل الحكومة الجديدة في ضوء ما كشفه الرئيس المكلف بالوقائع والمستندات عن بعض أساليب العرقلة المفتعلة قصداً والمطالب التعجيزية الرئاسية لتعطيل تشكيل الحكومة المرتقبة.
الانزلاق نحو الانهيار
وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة، لا يمكن التهكن بما ستؤول إليه الأمور وكيف ستتجه إليه عملية تشكيل الحكومة الجديدة، في حال بقيت المواقف على حالها ولم تنجح محاولات ووساطات، إعادة تفعيل عملية التشكيل من جديد، لأن الخيار البديل عن تأليف الحكومة سيكون الانزلاق بسرعة قياسية نحو الانهيار الذي بات يسابق كل التحركات والجهود البطيئة لوضع عملية التشكيل علي السكة الصحيحة،
لبنان مقبل على أوضاع مأساوية إذا لم تنجح الجهود في تشكيل حكومة إنقاذية
