فيما لم يحدد بعد مصير الانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر الجاري، تشهد الساحة الليبية حالة من الغليان والاجتماعات المكثفة، على الساحتين الداخلية والخارجية، من أجل الخروج من المأزق الحالي قبل انفجار الأوضاع في البلاد والعودة إلى نقطة الصفر.
يأتي ذلك في وقت أفاد فيه مراسل الغد، بانتشار آليات مسلحة ودبابات في عدة مناطق في العاصمة طرابلس، بينما تم إغلاق بعض الطرق بسواتر ترابية، مع استمرار توافد الأرتال العسكرية للميليشيات الرافضة لإجراء الانتخابات ومنها ميليشيات الصمود بزعامة صلاح بادي الذي هدد بتعطيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة.
المنفي في القاهرة
في القاهرة، التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بقصر الاتحادية، محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، إذ أكد السيسي دعم مصـر الكامل لكل ما من شأنه أن يحقق المصلحة العليا للشقيقة ليبيا، ويفعّل الإرادة الحرة لشعبها، ويحافظ على وحدة وسيادة أراضيها.
من جانبه؛ ثمّن رئيس المجلس الرئاسي الليبي الدور المصري الحيوي وجهودها الحثيثة والصادقة لاستعادة الأمن الاستقرار في ليبيا وتوحيد مؤسسات الدولة، خاصةً المؤسسة العسكرية المتمثلة فى الجيش الوطني الليبي، وذلك بالتكامل مع جهود لجنة “5+5” المتعلقة بالمسار العسكري للأزمة الليبية.
وحرص “المنفي”، خلال اللقاء، على عرض مجمل الوضع السياسي الداخلي الحالي في ليبيا، وتم التوافق على تكثيف التشاور والتنسيق بين الجانبين خلال الفترة المقبلة لمتابعة مستجدات العملية السياسية والإجراءات الخاصة بإدارة المرحلة الانتقالية، بما يساعد على استعادة استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها، ولتكون للشعب الليبي السيطرة الكاملة على مقدرات بلاده.
مرشحون للرئاسة
تزامن ذلك مع عقد اجتماع بين قائد الجيش الليبي والمرشح الرئاسي خليفة حفتر في بنغازي مع أبرز منافسيه في الانتخابات الرئاسية، وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق.
واللقاء، الذي تم بأحد الفنادق في بنغازي، حضره عدد آخر من المرشحين للانتخابات الرئاسية من بينهم عارف النايض، وعبد المجيد سيف النصر، والشريف الوافي.
ويرى مراقبون أن هذا اللقاء سابقة مهمة وجيدة وتثير تساؤلات حول مدى إمكانية إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المقرر في 24 من ديسمبر الحالي، فيما رجح مراقبون أن يتم تأجيلها لموعد لاحق.
وأكد المراقبون أن الاجتماع يمثل حراكاً سياسياً يعد الأول من نوعه منذ العام 2014.
من جانبه، أعرب المرشح الرئاسي، فتحي باشاغا عن سعادته عقب وصوله إلى مدينة بنغازي، مشيرا إلى أنها أرض الثقافة والحضارة ومنارة أحداث ليبيا السياسية، لافتا إلى أن بنغازى مهمة لاستقرار ليبيا التى يطمح إليها الجميع.
ومن ناحيته، نشر المرشح الرئاسي، أحمد معيتيق صورًا للحظة وصوله إلى مطار بنينا في بنغازي مع عدد من المرشحين، موضحًا أن مدينة بنغازي ستكون الوجهة الأولى ضمن جولته للمنطقة الشرقية.
حالة من الذعر
وجاءت التحركات السياسية للقادة الليبيين، فيما سيطرت حالة من الذعر على سكان المناطق الجنوبية في العاصمة الليبية طرابلس، صباح اليوم، مع ظهور مسلحين بشكل مكثف في الشوارع، في تحرك جاء قبل أيام من الموعد المقرر لعقد الانتخابات الرئاسية.
وانتشرت سيارات للميليشيات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة في شوارع المنطقة، كما شوهدت دبابة تغلق مفترق الطرق، فيما ازدحم المواطنين أمام محطات الوقود بشكل مفاجئ.
وقررت جامعة طرابلس إلغاء المحاضرات، اليوم، داعية الطلاب إلى الإسراع في المغادرة بسبب الظروف الأمنية.
كما قررت شركة السهم للنقل العام وقف سير الحافلات على مسارات عين زارة والقصر والهضبة، للسبب نفسه.
ودفعت هذه التطورات عدة مدارس في عين زارة إلى تعليق الدراسة إلى حين إشعار آخر، خوفا على سلامة الطلاب.
وقبل أيام، تعهدت ميليشيات تعرف باسم “لواء الصمود”، وتنشط في العاصمة الليبية طرابلس، بوقف الاستحقاقَ الانتخابي، قائلة: “لن تكون هناك انتخابات، وسنغلق كل المؤسسات”.
كما تحركت أفراد تلك الميليشيات ومجموعات مسلحة متحالفة معها في الساعات الأولى من فجر الخميس الماضي، لمحاصرة مقر رئاسة الوزراء في طريق السكة بالعاصمة طرابلس.
وتجدر الإشارة إلى أن الثامن من الشهر الجاري، شهد قيام متظاهرين محسوبين على الميليشيات باقتحام مقر مفوضية العليا للانتخابات في العاصمة طرابلس.
ونشرت وسائل إعلام ليبيا مقاطع فيديو تظهر اقتحام عشرات الأشخاص مقر مفوضية الانتخابات بطرابلس.
وأكد المقتحمون أنهم يريدون نصب خيمة اعتصام في المقر، رفضا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.
وتظهر هذه الحادثة العقبات الكبيرة التي تعترض طريق تنظيم أول انتخابات رئاسية في ليبيا، والتي لم يبق على تنظيمها سوى 72 ساعة.
قلق أممي
ودفع ذلك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى الإعراب عن قلقها إزاء التطورات الأمنية في طرابلس، مؤكدة أن هذه التحركات تخلق للقوات التابعة لمجموعات مختلفة حالة من التوتر، وتعزز خطر الصدامات التي قد تتحول إلى صراع.
وشددت البعثة على ضرورة حل أي خلافات بشأن المسائل السياسية أو العسكرية عبر الحوار، لا سيما في هذه المرحلة، حيث تمر البلاد فيها بعملية انتخابية صعبة ومعقدة يرجى منها أن تؤدي إلى انتقال سلمي.
ولفتت البعثة الأممية إلى أن التطورات الراهنة في طرابلس لا تتمشى مع الجهود الجارية للحفاظ على الاستقرار وتهيئة الظروف الأمنية والسياسية المواتية لإجراء انتخابات سلمية وشاملة وحرة ونزيهة وذات مصداقية.
وتابعت: كما أن من شأنها أن تقوض المكاسب الأمنية التي حققتها ليبيا حتى الآن والتي أكسبت الثقة لكبار المسؤولين من جميع أنحاء العالم ومكّنت من حضورهم إلى طرابلس للمشاركة في مؤتمر دعم الاستقرار في ليبيا في أكتوبر الماضي والذي تكلل بالنجاح.
ودعت البعثة جميع الجهات الفاعلة الليبية إلى ممارسة ضبط النفس في هذه المرحلة الدقيقة والعمل معاً لتهيئة مناخ أمني وسياسي يحافظ على تقدم ليبيا ويمكِّن من إجراء انتخابات سلمية وعملية انتقال ناجحة، وتعمل المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا، ستيفاني وليامز، حاليًا مع الأطراف المعنية في البلاد في سبيل تحقيق هذا الهدف.
ويترقب الليبيون الانتخابات باعتبارها نقلة فاصلة على طريق خروج البلاد الغنية بالنفط من دوامة الفوضى التي غرقت بها منذ أكثر من عقد.
لكن الشكوك تزايدت خلال الأيام الأخيرة بشأن احتمال إجراء الانتخابات في الموعد المقرر، فيما يطالب المجتمع الدولي بإجرائها كخطوة هامة على طريق عودة الأمن والاستقرار إلى البلاد.
