ليبراسيون: الجفاف يضرب جنوب العراق

في تقرير حذّرت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية من مغبة أنّ سكان جنوب العراق يواجهون موجة جفاف غير مسبوقة أجبرت السكان على النزوح أو استنزاف نهري دجلة والفرات لإنقاذ الأرض والمواشي.

“ليبراسيون”، أوضحت أن السّكان هجروا تلك الأراضي مع حلول نهاية فصل الصيف ولم يتركوا خلفهم سوى الأراضي الجرداء وقطعان الأبقار التي تواجه الجفاف.

فقبل أشهر قليلة كان هناك الماء والمرعى، لكن في غضون أقل من ستة أشهر من الجفاف الماحق تغير وجه الحياة في مناطق ما بين النهرين جنوب العراق، على غرار ما حدث في بلدة إيشان الحلاب حيث جمع السكان أمتعتهم بسبب تدهور الأوضاع بوتيرة متسارعة.
في هذا الإطار، يقول جاسم السعدي -وهو مهندس يعمل في منظمة “الطبيعة” غير الحكومية العراقية ببلدة شيباييش – إن المناطق التي غمرتها مياه الأمطار تقلصت إلى النصف، إذ لا يذكر سكان هذه المنطقة جفافا أسوأ من الجفاف الحالي باستثناء الجفاف المتعمد الذي تسبب فيه نظام الرئيس السابق صدام حسين في التسعينات من القرن الماضي.

وتسبب الجفاف في انخفاض مستوى تدفق المياه عبر دجلة والفرات اللذين يغذيان المستنقعات، إذ تراجع مستوى المياه في نهر الفرات بمحاذاة بلدة شيبايش بأكثر من 80 سنتيمترا، حسب جاسم السعدي.

وأوضحت “ليبراسيون”، أن هناك ثلاثة عوامل يمكن أن تفسر هذا التراجع التاريخي في مستوى مياه النهرين وهي: وجود سدود في أعالي النهرين وخاصة في تركيا، وسوء تسيير الموارد المائية، وتغير المناخ. وعرف العام الحالي نقصا حادا في الأمطار وارتفاعا مفرطا لدرحات الحرارة حيث تجاوزت مطلع شهر أكتوبر الجاري 45 في النهار.

وعن هذا الموضوع، نقلت الصحيفة عن خبير الأرصاد ورئيس معهد بيير سيمون لابلاس؛ هيرفي لوتري، قوله إن المناطق المذكورة هشة في الأصل وحساسة جدا تجاه ارتفاع درجات الحرارة الذي يسرع جفاف المستنقعات وتبخر المياه السطحية. ويتحدث سيد حميد غازي وهو أحد السكان القلائل الذي بقوا في بلدة إيشان حلاب عن تغير مناخي غير طبيعي غابت فيه الأمطار عامين متتاليين ودفع أزيد من خمسين عائلة إلى مغادرة البلدة.

كما أشارت الصحيفة إلى أن الجفاف يؤثر كذلك على المزارع العراقية المحاذية لمصبي دجلة والفرات، حيث يضطر السكان إلى استنزاف مياه النهرين لتعويض غياب الأمطار الذي ترك ظروفا مأساوية تهدد السكان والمزارع والمواشي.

وبالفعل فقد نفقت عشرات الأبقار بسبب الجفاف، إذ لم تعد تجد مرعى أومياه صالحة للشرب وليس أمامها سوى شرب المياه المالحة التي تسربت لدجلة والفرات من الخليج. وتراجع عدد المواشي هذا العام بنحو 30% مقارنة مع العام الماضي، مع العلم أنها  (المواشي) تمثل رأس المال الأهم للسكان.

ويواجه المزارعون صعوبات كثيرة في الحصول على المياه حيث يجب عليهم السفر أكثر من ساعة ثلاث أو أربع مرات يوميا لشراء خزانات المياه وعليهم دفع أموال مقابل الخزانات ومقابل البنزين. حول هذا الموضوع، نقلت “ليبراسيون” عن  بيث ميدلتون-  وهي باحثة في معهد للدراسات الجيولوجية في الولايات المتحدة- اعتبارها أنه من السهل عودة الحياة لتلك المناطق بحكم طبيعة التربة لكن من أجل حدوث ذلك يجب أن يهطل المطر.

وعلى الرغم من أن هذه المناطق شهدت موجات جفاف حادة خلال عامي 2003 و 2015 إلا أن السكان يؤكدون أن الوضع مختلف حاليا. ويوضح  جاسم السعدي أنه  خلال الجفاف الأخير 2015 ، كانت  سدود تجميع المياه في الموصل حديثة  ممتلئة وسمحت الحكومة بتفريغها في نهري دجلة والفرات لزيادة مستوى المياه لكن هذه المرة ليس هناك حل.

ونتيجة لنقص الأمطار وكمية المياه في السدود التركية انخفض مستوى مياه دجلة والفرات ولم يتجاوز حجم امتلاء السدود العراقية 10% في شهر يوليو /تموز الماضي بحسب وكالة فرانس برس. ويأمل السكان أن تسمح تركيا بمرور المياه وأن يهطل المطر. ويؤكد خبير المناخ هيرفي لوتري أن التغير المناخي قادم وما هو حاصل الآن هو أحد مظاهر التغير الذي ستشهده هذه المنطقة.

وخلصت “ليبراسيون” إلى التحذير من مغبة أن السكان في البلدات المتضررة يخشون من حدوث الأسوأ حيث سيجدون أنفسهم مرغمين على مغادرة مناطقهم الآمنة نحو مناطق قد لا تكون كذلك. وقد تكون نتائج التغير المناخي نزوح الآلاف نحو بغداد والبصرة وهو أمر لا حاجة للعراق إليه.