ليبيا تنتخب رئيسها لأول مرة.. والقذافي يتصدر المشهد
رغم ملابسات المشهد الليبي، والتوقعات المتضاربة حول الانتخابات الرئاسية وتقبل نتائجها، ومع الترقب الحذر لدور الميليشيات في إفساد المشهد الانتخابي (الرئاسي والبرلماني)، فإن ليبيا أصبحت على موعد مع التاريخ بإجراء أول انتخابات رئاسية في تاريخها، فلأول مرة ينتخب الليبيون رئيسهم.
ليبيا لم تنتخب مَن يحكمها منذ تاريخ تأسيسها، فالملك الراحل محمد إدريس السنوسي، أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء، تولى الحكم في 24 ديسمبر/ كانون الأول 1951بالتوافق بين القبائل والنخب ولم ينتخب، والعقيد الراحل معمر القذافي تولى السلطة عقب ثورة الفاتح 1969، واليوم يتنافس على كرسي الرئيس العشرات من الشخصيات بمختلف تنوعهم السياسي والقبلي.
لمصلحة «الإخوان» ظل منصب رئيس ليبيا مغيبا
عشر سنوات عجاف ظل منصب الرئيس في ليبيا مغيباً، بذرائع شتى، جميعها كانت تصب في مصلحة «تنظيم الإخوان» الفاقد لشعبية تؤهله لضمان شخصية تتبعه يمكن أن تكون الرئيس الضامن لمصلحة وسياسة التنظيم حتى لو كان من خارج التنظيم، ولكن ليس خارج صفة محب أو صديق للتنظيم، الآلية المعتادة للتنظيم في اختيار مَن يضمن ولاءه له.
التلاعب بتغييب منصب الرئيس
التلاعب بتغييب منصب الرئيس، بحسب تعبير الباحث الليبي الدكتور جبريل العبيدي، يهم أطرافاً مستفيدة كثيرة، ففي بداية فبراير/شباط 2011 أصبح رأس السلطة (الهجينة) المجلس الانتقالي (سلطة الأمر الواقع في فبراير غير المنتخبة) التي لم يُعرف تصنيف وظيفي واضح لها، وأصبح معها رئيس المجلس الانتقالي في حينها ينتحل صفة رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش، بالإضافة لصفة رئيس المجلس، وظائف وسلطات ثلاث في منصب واحد، وتكرر المشهد عند وريثه المؤتمر الوطني العام، ثم البرلمان.
ليبيا اليوم في حاجة لانتخاب رئيس يعبر عن إرادة الشعب الحقيقية وليست المزورة والمغيبة، ولا يمكن أن يكون هذا إلا من خلال انتخاب مباشر عن طريق الاقتراع الشعبي، وبحيث يكون كل مواطن ليبي وطنياً بالولادة من أبوين وطنيين ويقيم في ليبيا.
وأياً كانت نبرة صوت المهددين والمعرقلين، فإن الشعب الليبي اختار الانتخابات لاختيار أول رئيس منتخب له لأول مرة في تاريخ البلاد منذ تأسيسها وسيكون له ذلك
هل تشهد الانتخابات الرئاسية جولة ثانية؟
المعضلة الحقيقية التي ستواجه بعض الأطراف، كما يرى الباحث الليبي العبيدي، هي تشتت الأصوات في الفريق الواحد، وبالتالي ستكون الخسارة نصيب الجميع، الأمر الذي ستكون نتائجه كارثية إذا لم يتنازل أصحاب التوجه الواحد لأحدهم لتحقيق النسبة المطمئنة للفوز في الجولة الأولى، وإلا يكون التوجه للجولة الثانية حتى قبل معرفة نتائج الجولة الأولى، والسبب تشتت الأصوات وعدد المترشحين الكبير.
القذافي يتصدر المشهد
رغم كثرة المترشحين للانتخابات الرئاسية الليبية، وخطورة تشتت الأصوات، إلا أن المراقبين والمحللين يدفعون بتوقعات لصالح المرشح سيف الإسلام القذافي، وتقول كلوديا جازيني، كبيرة الباحثين والمحللين في مجموعة الأزمات الدولية، إن هناك شريحة كبيرة من الشباب الساخط سيصوتون لسيف الإسلام باعتباره لم يكن طرفا في فوضى السنوات العشر الماضية في ليبيا.
وتضيف جازيني، وفق تقرير لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إن هؤلاء الشباب ربما يرون أن تحذيرات سيف الإسلام القذافي حول انقسام ليبيا وتحذيره من الحرب الأهلية عام 2011 تحذيرات أثبتت صحتها، فضلا عن وجود قاعدة جماهيرية واسعة له وسط القبائل الموجودة في مناطق وسط وجنوب ليبيا.
ومن هذا المنطلق، يرى محللون وسياسيون عرب، أن حظوظ سيف الإسلام في الوصول إلى السلطة،كبيرة، فالبعض ينظر لنجل القذافي كـ«بديل قادر على توحيد الليبيين وتخليصهم من الإملاءات الخارجية».
وترى صحيفة رأي اليوم اللندنية، أن السلاح الأقوى الذي يملكه نجل العقيد معمر القذافي ولا يملكه أيّ مرشح آخر من منافسيه هو خيبة أمل الشارع الليبي في معظم، إن لم يكن كل رموز العهد الحالي.
ويؤكد الباحث الليبي، علي مفتاح، أن الظروف الراهنة تصب في صالح فوز سيف الإسلام القذافي، خاصة وأن الليبيين يعانون من غياب الأمن والاستقرار، واستفحال الانقسام السياسي والمناطقي والعشائري في ربوع البلاد، وانتشار الفساد، ونهب أكثر من 300 مليار دولار من ثروات البلاد، وتشرّد ما يقرب من نصف الشعب الليبي في المنافي المجاورة، والغياب شبه الكامل للخدمات العامة، وارتفاع منسوب الفقر في دولة تعتبر واحدة من أغنى عشر دول في العالم بسبب ثرواتها النفطية وصغر عدد سكانها.
مزاعم التلويح بالمحكمة الجنائية
وفي مواجهة ما يتردد بشأن ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية لسيف الإسلام، فإن وزارة العدل بالحكومة الليبية المؤقتة، كشفت أنها طالبت في رسالة موقعة من الوزير المكلف منير عصر محكمة الجنايات الدولية بإيقاف الملاحقات والمتابعات الصادرة بحق سيف الإسلام القذافي.
الوزارة أرجعت في رسالة رسمية وجهتها إلى رئيس الدائرة التمهيدية بمحكمة الجنايات الدولية، أسباب هذه المطالبة إلى أن سيف الإسلام القذافي سبق وأن حوكم أمام القضاء الليبي عن ذات الأفعال المطلوب بشأنها أمام المحكمة الدولية.
وأوضحت الوزارة في ختام رسالتها للمحكمة الجنايات الدولية، أنه لا يجوز أن يحاكم الشخص عن ذات الفعل مرتين، معتبرةً ذلك مخالفاً للأعراف والمواثيق الدولية ونظام روما الأساسي.
