دخل الفلسطينيون، أمس الجمعة، فى اعتصام مفتوح أمام المسجد الأقصى، الذى اقتحمته قوات الاحتلال بشكل مفاجئ، وأغلقت جميع أبواب المصلى القبلى، وحاصرت المصلين داخله، واعتدت عليهم بالرصاص الحى والمطاطى وقنابل الغاز، فيما أعلن مدير المسجد الأقصى،الصلوات على البوابات على غرار اعتصام العام الماضى حتى فتح المسجد.
وأكد مؤرخون مصريون للغد، أن دولة الاحتلالن ستكرر«يوميات» اقتحام الأقصى، لأن «العقيدة الصهيونية» تتربص بالأقصى، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، حين أعلن «تيودور هيرتزل»، أحد أبرز مؤسسي الحركة الصهيونية : «إذا حصلنا يوما على القدس، وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شئ ، فسوف أزيل كل شئ ليس مقدسا لدى اليهود فيها، وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون».. وأن قصة التهويد والتدميرـ في دراسة للمؤرخ المصري ـ د. يونان لبيب رزق ـ بدأت فصولها في أحضان العقيدة والأساطير، والتي تستند إليها أحلام ( 120) جماعة يهودية تشارك في مخطط التدمير المنظم للمسجد الأقصى.
ويشير المؤرخ د. ياسر الميري، أستاذ التاريخ الحديث، إلى أن ما يجري من محاولات سن تشريعات لفرض السيطرة الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وإطلاق العنان لغلاة المستوطنين وممثليهم في الحكومة و«الكنيست» لاستباحة الحرم القدسي، وإن جاء ترجمة لنوايا مبيتة للاستيلاء على الحرم القدسي أو تقسيمه، إلا أن ما يتعرض له المسجد الأقصى من استباحات سياسية وميدانية غير مسبوقة، هي حلقات متصلة من عملية التهويد المستمرة للقدس العربية، بينما يواصل الفلسطينيون نضالهم دفاعا عن الأقصى، وهم «مرابطون» في مواجهة «المخطط الصهيوني».
وأضاف للغد، أن خطوات «تدميرالأقصى»، راحت تتسارع بعد احتلال القدس الشرقية 1967 على مسار التهويد، وخلخلة بنيان المسجد، وفي نفس السياق جرت وقائع تسجل تسلسلا لمسار يوميات الاعتداء على المسجد الأقصى، واستباحة ساحاته، واختراق باطن الأرض وشق الأنفاق وتفكيك الصخور، وهي علامات ظاهرة على رغبة محمومة لتدمير الأقصى، تسجلها يوميات الاستباحة، ومنذ اليوم السابع من شهر يونيو/ حزيران 1967 بعد يومين فقط من «حرب النكسة»، حين دخل الجنرال موردخاي جور، في سيارة نصف مجنزرة، ليستولى على الحرم الشريف، وبعد أسبوع وفي 15 يونيو/ حزيران، قام الحاخام شلومو غورن «الحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي» وخمسون من أتباعه يإقامة صلاة دينية في ساحة الحرم الشريف وفي 19 ديسمبرم كانون الأول 1968 أدت جماعة من المتطرفين اليهود صلاة خاصة بعيد الأنوار في منطقة الحرم الشريف.
ومن جانبه، كشف المؤرخ والخبير في الدراسات الاستراتيجية، د. عاطف عبد المقصود، أن العام 2014 سجل معدلات اقتحام للأقصى غير مسبوقة، واعتداءات وانتهاكات استفزازية، شبه يومية، ولم يختلف المشهد في العام 2015 ، فقد توالت الأحداث التي تستهدف المسجد الأقصى، وبصورة مكررة ومعادة، لما حدث في السنة السابقة، تقريبا ،إلا أن الملاحظ، بحسب تقرير إحصائى، أن العام 2016 شهد تضاعفت أعداد المقتحمين الإسرائيليين للمسجد وأن عدد المقتحمين، للمسجد في شهر فبربر/ شباط، بلغ 1149 غالبيتهم من المستوطنين والجماعات اليهودية المتطرفة، ومن بين المقتحمين 58 عنصر مخابرات، و188 جنديا «بلباس» عسكرى، وفي تصعيد مبيّت لسلطات الاحتلال، وإمعانا فى استهداف المسجد الأقصى المبارك، رغم أن تكيثف الاقتحام كان يتم عادة فى شهرى مارس / آذار، وأبريل / نيسان، مع حلول موسم الأعياد اليهودية.
وقال د. عبد المقصود للغد : إن ما حدث في العام 2017 وما يجري حاليا، يأتي في إطار مخطط منظم و«ممنهج» للتربص بالمسحد الأقصى، فضلا عن أن الأوضاع في العالم العربي، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي، تساهم في انفلات حركة الاقتحامات والاعتداءات، ولا يقف في وجهها سوى الشعب رالفلسطيني وحده، مع غياب تام للعالم الإسلامي، المعني باهمية وقدسية المسجد الأقصى.
ويسجل المؤرخون المراحل العشر للحفريات الأثرية التي قام بها اليهود وفي إطار التدمير المنظم للمسجد :
- المرحلة الأولى : بدأت بعد حرب 1967 بهدم وإزالة حيّ المغاربة، وانتهت عام 1968 بالحفر على امتداد 70 مترا أسفل الحائط الجنوبي للحرم القدسي ، خلف قسم من جنوب المسجد الأقصى وأبنية جامع النساء والمتحف الإسلامي والمئذنة الفخرية الملاصقة له، ووصل عمقها إلى14 مترا بمزاعم كشف مدافن ملوك إسرائيل في مدينة « داود» .
- والمرحلة الثانية : بدأت في عام 1969 وكانت على امتداد 80 مترا أخرى من سور الحرم الشريف، ابتداء من نهاية المرحلة السابقة، ومتجها شمالا حتى أحد أبواب الحرم الشريف (باب المغاربة) مارا تحت مجموعة من الأبنية الإسلامية التابعة للزاوية الفخرية، وأسفرت عن تصدع 14 مبنى أزالتها الجرافات الإسرائيلية وأجلت سكانها بتاريخ 14 يونيو / حزيران 1969 وأقامت فوق أنقاضها المدارس اليهودية والفنادق .. وفي نفس العام تم حرق المسجد الأقصى ( 21 أغسطس/ آب 1969) .
- المرحلة الثالثة : من عام 1970 حتى 1972 وامتدت الحفريات من مكان يقع أسفل عمارة المحكمة الشرعية القديمة، وهي أقدم الأبنية التاريخية بالقدس، مرورا شمالا بأسفل خمسة أبواب للحرم الشريف وهي ( باب السلسلة ، المطهرة ، القطانين ، باب الناظر أو «باب علاء الدين البصيري» ، وباب الحديد ) وامتدت 180 مترا بعمق ما بين 10 و14 مترا ، وتسببت في هدم عدد من الآثار الإسلامية منها الجامع العثماني، ورباط الأكراد، والمدرسة الجوهرية.
.
- والمرحلة الرابعة : بدأت عام 1973 خلف الحائط الجنوبي الممتد من أسفل القسم الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصى وسور الحرم الشريف وممتدة 80 مترا إلى الشرق واخترقت الحائط الجنوبي للحرم القدسي ودخلت منه للأروقة السفلية للمسجد المبارك وللحرم في 4 مواقع أسفل محراب المسجد الأقصى وجامع عمر، وأصبحت تهدد السور والمسجد الأقصى بخطر الانهيار.
- المرحلة الخامسة : تضمنت توسيع الحفريات تحت الجدار الغربي عام 1974 .
- وبدأت المرحلة السادسة عام 1975 ـ 1976 بين باب السيدة مريم، والزاوية الشمالية الشرقية من سور المدينة، وأزالوا مقابر للمسلمين تضم رفات الصحابيين الجليلين ( عبادة بن الصامت وشداد بن أوس ) رضى الله عنهما، لتوسيع الحفريات تحت الجدار الغربي.
- المرحلة السابعة في العام 1977، بمشروع توسيع ساحة البراق الشريف والتي يسمونها ساحة المبكى وهي الملاصقة للحائط الغربي للمسجد الأقصى والحرم الشريف، وهدمت الجرافات 200 عقار عربي إسلامي وشردوا 800 من سكان المكان، ووصلت الحفريات إلى مسجد النساء داخل المسجد الأقصى ..
- المرحلة الثامنة : بدأت عام 1979 وتجددت فيها الحفريات خلف جدران المسجد الأقصى وجنوبها ، وهي استئناف للمرحلتين الخامسة والسادسة .. وشهدت شق نفق واسع يخترق المسجد من شرقه إلى غربه ومحصن بالأسمنت المسلح، كما افتتح الرئيس الإسرائيلي ورئيس وزراؤه رسميا ــ وقتئذ ــ كنيسا يهوديا صغيرا .
- المرحلة التاسعة، بدأت عام 1986 بإعادة فتح نفق اكتشفه الكولونيل الإنجليزي «تشارلز وارين» بين باب الحرم المسمى باب السلسلة وباب القطانين، وتوغلت الحفريات أسفل ساحة الحرم من الداخل بامتداد 25 مترا شرقا وعرض 6 أمتار ووصلت أسفل سبيل قايتباي، وأدت هذه الحفريات إلى تصدع الأروقة الغربية الواقعة بين بابي السلسلة والقطانين .
- المرحلة العاشرة ، بدأت عام 1988 (وهي المرحلة التي نشهدها حاليا) وهي أخطر مراحل الحفر، وتهدف لتفريغ الأتربة والصخور من تحت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة لترك المسجدين قائمين على فراغ ليكونا عرضه للانهيار بفعل أي تقلبات مناخية أو اهتزازات طبيعية أو حتى صوت عال تسببه طائرة تخترق حاجز الصوت.
ويؤكد المؤرخون المصريون، للغد: أن التربص بالمسجد الأقصى، «مخطط صهيوني» يتجاوز كثيرا مجرد فرض سياسة الأمر الواقع ، كما حدث في «الحرم الإبراهيمي» بالخليل ،لأن الهدف المعلن والمستند إلى أوهام الأساطير والمعتقدات التوراتية، وتدعمه الصهيونية المسيحية، هو إقامة «الهيكل الثالث» على انقاض الأقصى المبارك .