ماجد كيالي يكتب: إرهاصات ومشكلات الكيانية الفلسطينية

ماجد كيالي

قبل نشوء الكيان الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة، بموجب اتفاق أوسلو (1993)، لم يكن للفلسطينيين أية تجربة سياسية ـ كيانية في تاريخهم، أما في شأن اعتبار منظمة التحرير بمثابة كيان سياسي لهم فهي كذلك حقاً، لكن من دون ممارسة أي شكل من أشكال السيادة في إقليم متعيّن، ومن دون أية مؤسسات تدير مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج. ومشكلة الحركة الوطنية المعاصرة للفلسطينيين لا تنبع فقط من افتقاد الكيان السياسي، وإنما هي تنبع أيضا من افتقادها لحيّز جغرافي مستقل تمارس فيه نشاطاتها، كما من افتقاد شعبها للوحدة المجتمعية، وللمجتمع المستقل.

هكذا فإن قيام سلطة فلسطينية في الضفة والقطاع لم يخفّف من هذه المشكلة، كون تلك السلطة مازالت بطور الترسيم، بواقع وجود سلطة الاحتلال، وعدم تحقيق الاستقلال الوطني بشكل ناجز، وأيضا بحكم تأزّم معنى الهوية الوطنية الفلسطينية ودلالاتها وحدودها.

وكانت الحركة الوطنية الفلسطينية حرمت من ممارسة أي نوع من السيادة في الضفة والقطاع (قبل احتلالهما عام 1967)، على الرغم من قيام منظمة التحرير بقرار من القمة العربية (1964)، إذ حصر النظام العربي الرسمي، حينها، مهمة المنظمة بالعمل من أجل تحرير فلسطين، وتعبئة شعبها من أجل ذلك، في حين أبقيت مسألة السيادة على قطاع غزة لمصر وعلى الضفة العربية للأردن، ما يفسّر تعريف المنظمة ككيان سياسي ومعنوي للفلسطينيين، للتأكيد على نزع أي منحى سيادي عنها.

على ذلك فإن تلك الحركة التي نشأت وصعدت في الخارج (خارج أرضها ومجتمعها)، وجدت نفسها مضطرّة للخضوع، أو للتكيّف، مع الشرط الرسمي العربي للعمل بين الفلسطينيين المتناثرين في عديد من البلدان العربية؛ على اختلاف وتباين هذا الشرط بحسب كل بلد وسياساته وتوظيفاته. ففي تلك الظروف الصعبة والاستثنائية، ما كان بإمكان الفلسطينيين توليد حركة سياسية مستقلة، ولا تخليق وطنيتهم الخاصة، بحكم التجاذبات والتداخلات مع الواقع العربي السائد، بتنافساته ومزايداته. وفي مثل تلك الظروف، أيضا، ما كان بإمكان الحركة الوطنية الفلسطينية أن تعتمد على شعبها، بحكم غياب الحقل الاقتصادي/الإنتاجي المستقل، بقدر اعتمادها على المعونات الخارجية.

ومن تفحّص التجربة الفلسطينية يمكن ببساطة ملاحظة أن علاقة هذه الحركة بمجتمعها ظلت علاقة محدودة، من جهة المشاركة والمؤسسات والتوسّطات السياسية والمدنية، وأنها كانت على الأغلب علاقة عاطفية ورمزية، لم تعرف حالا من الانتظام السياسي/المؤسّساتي، ولا النظام الانتخابي التمثيلي التداولي (جرت العملية الانتخابية مرتين في الضفة وغزة خلال 30 عاما). وهذا الوضع أدى إلى تشكّل نوع من طبقة سياسية، في واقع باتت فيه الفصائل وصية على الشعب، وفي مرحلة تالية بديلا عنه.

وفي هذا النظام، الذي يعتمد على الزعيم (الأب)، وعلى الفصائل، كان يتم تعيين أعضاء المجلسين الوطني والمركزي في منظمة التحرير، بحيث أن القيادة الفلسطينية تقوم بانتخاب ناخبيها! هذا من جهة القيادة أما من جهة عموم الفلسطينيين فكانوا، على الأغلب، يمحضون قيادة المنظمة ثقتهم، بشكل عفوي وتلقائي وعاطفي، بحكم حرمانهم من الهوية الوطنية، وحنينهم لكيان سياسي، وتبرّمهم من معاملة الأنظمة السائدة لهم، وضعف الإدراكات السياسية والتمثيليه لديهم؛ وأيضا بحكم الشخصية الأبوية والكاريزمية للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ولعل ما ساهم في ترسيخ هذا النظام، على عطالته وقصوره، مجموعة عوامل، أهمها، أن النظام الفلسطيني، مثله كمعظم الأنظمة، انبنى، أيضا، على العسكرة، حيث جرى المبالغة بدور الأجهزة الميليشياوية والأمنية، التي لها علاقة بعلاقات الهيمنة المجتمعية والداخلية، أكثر مما لها علاقة بالصراع، أو بالكفاح المسلح، ضد عدوها. أيضا، فإن هذا النظام، كغيره، نمّى علاقات المحسوبية والزبائنية في علاقاته بمجتمعه، مستفيدا من الأموال الطائلة التي تدفّقت عليه، ومستغلا الأوضاع المعيشية الصعبة للفلسطينيين في أماكن اللجوء والشتات. وضمن هذه العوامل يأتي، أيضا، سعي الحركة الوطنية الفلسطينية، بكافة فصائلها، لتوظيف علاقاتها (وخدماتها) في التعامل مع الأنظمة العربية السائدة من اجل ترسيخ شرعيتها وهيمنتها في الساحة الفلسطينية (أي في علاقات الفصائل)، وفي إطار المجتمع الفلسطيني. وبديهي فإن الأنظمة السائدة، وبحسب توجهاتها السياسية، أسهمت بدورها في تدعيم الوضع السائد، وفي حجز التطور السياسي للمجتمع الفلسطيني.

وفوق كل ذلك فثمة عامل غاية في الأهمية يدخل في هذا الحساب وهو المتعلق بالإدراكات السياسية للحركة الفلسطينية، التي ركزت منذ قيامها على الأرض وعلى الكيان السياسي/السلطة، من دون أن تعطي أهمية مناسبة للإنسان وللمجتمع، إذ كانت قاصرة من هذه الناحية؛ ما يفسر أن هذه الحركة لم تستطع إحداث أي تغييرات «ثورية» في المجتمع الفلسطيني، في نمط تفكيره وعلاقاته الداخلية وبناه الاجتماعية (كما هي الحال بالنسبة للأنظمة العربية السائدة).

تلك هي العوامل التي مكّنت الحركة الوطنية الفلسطينية (على اختلاف توجهاتها) من فرض هيمنتها وشرعيتها في الساحة الفلسطينية، طوال تلك المرحلة الطويلة من الزمن، برغم من تآكلها، وعدم تمكنها من إحراز النجاح في المهام المنوطة بها، في صراعها ضد عدوها.

هكذا، فإن الطبقة السياسية المهيمنة على المنظمة والسلطة والفصائل تركز جهودها اليوم على مجرد الارتقاء بمكانة السلطة الفلسطينية دوليا، من دولة بمرتبة عضو مراقب، إلى دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، لكن المشكلة أن تلك الدولة ليس لها أية ركائز سيادية، وهي بالكاد حتى تسيطر على شعبها في إقليمها، إذ أن إسرائيل هي المهيمنة، والمشكلة أيضا أن تلك الطبقة لا تشتغل شيئا من أجل ترميم الوضع الفلسطيني، او حتى ترميم علاقتها مع شعبها.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]