ماجد كيالي يكتب: إسرائيل ومتغيرات المجتمع والواقع والسياسة

ماجد كيالي

لم تعد إسرائيل هي نفسها التي كانت في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، بالنسبة إلى مواطنيها اليهود، فلقد انتهى الحلم الإسرائيلي بالنسبة إلى هؤلاء، وظهرت إسرائيل الواقعية بإشكالياتها وتناقضاتها.

مثلاً، عندما قامت إسرائيل روّجت لنفسها باعتبارها الملاذ الآمن لليهود في العالم، فإذا بها اقل أمناً لهم من أي مكان أخر، فوق إنها أضحت عبئاً عليهم، وعلى البلدان التي يعيشون فيها في الغرب.

وبينما نشأت هذه الدولة لإيجاد حلّ قومي لـ”الشعب” اليهودي، إذا بها تطرح مشكلة أخرى تتمثّل بوجود “شعب” إسرائيلي، وهذا الشعب ينقسم إلى شعبين، بمعنى الكلمة، العلمانيين الليبراليين، الذين يرون انفسهم يهودا كغيرهم، والمتدينين المتعصبين، الذي يقررون أنهم وحدهم اليهود، وأن على الأخرين أن ينصاعوا لهم في الدولة اليهودية، في التشريعات وفي السلوكيات وفي الخيارات، حتى ولو كانوا، أي المتدينين، لا يخدمون في الجيش، ولا يدفعون الضرائب، بل ينالون امتيازات على حساب الآخرين؛ وقد شهدنا مؤخرا أن حاخام الطائفة السفاردية هدد بمغادرة إسرائيل في حال فرضت الخدمة الإجبارية على طلبة المعاهد الدينية، الذين تصرف عليهم الدولة، في حين أكد وزير الدفاع، مثلا، على حاجة الجيش لمزيد من المجندين، ما يوافق ما يراه قادة الأحزاب العلمانية.

هكذا، أيضا، ففي حين اُعتُبِرت إسرائيل ذاتها كـ”واحة” للحداثة، والديموقراطية الوحيدة، في المنطقة، إذا بها تبدو بمثابة دولة دينية شرق أوسطية أخرى، وتُعرّف كدولة عنصرية، تميّز على أساس الدين، وكدولة قومية لليهود، بحسب قانون أساس (2018)، فضلا عن أنها باتت تعرف كدولة تمارس الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين، أمام الرأي العام العالمي، وأمام يهود العالم، الذين احتجوا على ذلك باعتبار أن إسرائيل لا تمثلهم ولا تمثل ضحايا “الهولوكوست”.

وفي غضون كل ذلك، فإن إسرائيل لم تعد الدولة النموذج، المعنية بتأمين أعلى مستوى رفاهية لليهود فيها، لجذب المهاجرين إليها، بخاصّة بعد أن أخذتها رياح النيوليبرالية المتوحّشة، فخصخصت قطاعاتها العامة، وهمّشت مؤسساتها الكبرى (الهستدروت والكيوبوتزات والموشاف)، وقلّصت التقديمات الاجتماعية.

عديد من العوامل أسهمت في إحداث هذه المتغيرات ضمنها:

ـ التغيّر الديموغرافي، ويتمثّل في هجرة حوالى مليون يهودي من روسيا كانوا جاؤوا إليها، في عقد التسعينات، لأغراض استعمارية، نفعية، بحتة. هذا يفسّر أن هؤلاء، وجلّهم من النخبة، باتوا من عتاة المتطرّفين في إسرائيل ومن المحسوبين على الاتجاه القومي ـ اليميني، والمتمسكين بسياسة التوسّع والاستيطان، ولهم حزب (إسرائيل بيتنا) يتزعمه أفيغدور ليبرمان.

– تصاعد نفوذ التيارات الدينية وازدياد قدرتها على ابتزاز الأحزاب الكبيرة والتحكم بتشكيل الحكومة. هذا الوضع جعل رجال الدين يتحكمون بالتشريعات القانونية وبمناهج التعليم والسلوكيات في المجتمع؛ وضمن ذلك الحط من مكانة المرأة وتقييد حريات الصحافة وأنشطة منظمات المجتمع المدني. ومعلوم أن هذا الوضع بات يضغط على الاتجاهات العلمانية التي تبدي تبرّمها وتحذّر من تحوّل إسرائيل دولة دينية في المنطقة، بحيث بات ثمة من يتحدث عن وجود شعبين وثقافتين، أي العلمانيين من جهة والمتدينين من الجهة الأخرى. ومعلوم أن ذلك ينبع من التناقض الذي نشأ مع قيام إسرائيل التي برّرت نفسها بالأسطورة اليهودية (“أرض الميعاد” و”شعب الله المختار”) رغم ادعائها إنها دولة علمانية، وكذا في اعتبار اليهودية بمثابة قومية.

ـ ثمة عامل ينبغي الانتباه له (وهو ما كشف عنه أبرهام بورغ) وهو ناتج عن العلاقة الخاصّة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة الأميركية. وعند بورغ فإن هذه العلاقة أثّرت سلباً على محمولات إسرائيل العلمانية، باعتبار أن الولايات المتحدة هي دولة دينية بمعنى ما، لاسيما أن المسيحية الانغليكانية (المنتشرة في أميركا) تمحض دعمها المطلق للرواية الإسرائيلية، في حين أن “أوروبا أكثر علمانية وأكثر واقعية”؛ بحسب بورغ.

والقصد هنا أن إسرائيل التي باتت أقل أوروبية وأكثر أميركية، باتت أيضاً أقل علمانية وأكثر دينية من ذي قبل. هذا كله يفسّر ملاحظة سبق أن ذكرتها بشأن أن إسرائيل باتت تتكشف عن كونها ظاهرة رجعية تسير عكس عجلة التاريخ، أي استعمارية وعنصرية ودينية. ويجدر لفت الانتباه هنا إلى أن هذه القراءة لإسرائيل باتت تجد سندا لها عند الإسرائيليين أنفسهم، الذين يرون أن دولتهم لم تعد ذاتها، وأنها تتحوّل في اتجاهات سلبية، قد تمهّد لتفكّكها وأفولها.

ومثلا، هذا ما يؤكّده شخص مثل أبرهام بورغ، وكان أحد زعماء حزب العمل السابقين، ورئيس كنيست سابق، في مقابلة معه، أجراها أنطوان شلحت وبلال ضاهر لمصلحة مجلة “قضايا إسرائيلية” (الصادرة عن مركز “مدار”، عدد شتاء 2012) لمناسبة ترجمة كتابه “لننتصر على هتلر”. ففي هذه المقابلة المهمة يرى بورغ أن إسرائيل “أصبحت أقل استقلالية مما كانت عليه إبّان قيامها” وإنها “تحوّلت متحدثة باسم الموتى… باسم كل أولئك غير الموجودين، أكثر مما تتحدّث باسم كل أولئك الموجودين”. وعنده فإن “الدولة التي تحيا على سيفها، والتي تسجد للموتى، مآلها أن تحيا في حالة طوارئ دائمة”.

وبالنسبة إلى تعريف إسرائيل لذاتها “دولة يهودية”، فبرأيه “يستحيل أن يتعايش تحت سقف واحد مع تعريفها بأنها ديموقراطية” والبديل عنده يكمن في “تحويلها دولة جميع يهودها وجميع مواطنيها”. وينعى بورغ “الحلم” الإسرائيلي بقوله: “في صبانا كانت إسرائيل مختلفة. كانت علمانية واشتراكية. تحولت إسرائيل من حيث بنيتها فأصبحت دولة رأسمالية ودينية… الدولة في 2011 ليست الدولة نفسها التي كانت في 1948. كما ينعى تيار اليسار الذي يحمله مسؤولية تأسيس إسرائيل على أساطير من نوع: “شعب بلا أرض لأرض بلا شعب” الخاطئة “لأنها تتجاهل العرب”. كما يحمله مسؤولية قيام المشروع الاستيطاني، ومسؤولية تقويض اتفاق أوسلو في كمب ديفيد (2000) بدعوى انه لم يعد ثمة شريك للتسوية.

وفيما يخصّ الفلسطينيين فإن بورغ يؤكد على “أنَّ اليهود الذين كثيرًا ما كان يتم في السابق تشريدهم، يشكِّلون هم بالذات سبب تشريد الفلسطينيين”. وأنه إذا كان “يتعين على الإسرائيليين ألاَّ ينسوا المحرقة.. ينبغي لهم أن يتعلموا.. ضرورة عدم تكرار ما حدث” عليهم وعلى غيرهم. أما بالنسبة إلى عملية التسوية فإن بورغ يعتقد بأن “معادلة دولتين لشعبين لفظت أنفاسها”. والبديل عنده يكمن في “طرح نموذج لا يبدأ من حل القضايا القومية وإنما من الالتزام بالقضايا الاجتماعية، حيث لا فرق بين اليهود والعرب، أي بمساواة كاملة.

هكذا “يكون لكل إنسان يعيش… بين نهر الأردن والبحر المتوسط الحق نفسه والمساواة نفسها… إذا كنت يهوديا أو عربيا، رجلا أو امرأة، حريدياً أو علمانياً. لكل إنسان الحق نفسه، أن يَنتخب ويُنتخب، الحق في الحياة… في التنظيم… في التعبير عن الرأي وما إلى ذلك… في دولة جميع مواطنيها… الخلاص هو في الاندماج في الشرق الأوسط… إلى حد العلاقات التامة بين الأفراد والأبناء”.

ومناسبة الحديث عن بورغ أنه كرر هذا الكلام في معرض موقفه الذي يدين فيه حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة، ومع إن هذا الكلام قد لا يكون له شعبية كبيرة في إسرائيل، لكنه مترسّخ في خطابات النخبة الثقافية فيها، وهو مؤشّر مهم يكشف التناقضات التي تعتور إسرائيل، رغم كل الحديث عن جبروتها.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]