ماجد كيالي يكتب:  الفلسطيني ضحيّة صوره المتعددة

 

ثمة صور متعدّدة للفلسطيني في المخيّلة الشعبية العربية، كما في مخيلته هو ذاته، إذ كما جرى تنميطه، أو تأطيره، وبالأصح أسره، على أساسها، وفق المناخات الرائجة في كل مرحلة، فإنه قام هو ذاته بتأطير وتنميط نفسه، وفقًا لأساطير معينة.

هكذا فقد تراوحت النظرة السائدة إلى الفلسطينيين في المتخيلات الشعبية العربية، في البدايات أو بعيد النكبة، بين اعتباره كائنا ضعيفا يستحقّ الشفقة (فقط)، من دون أية مستتبعات أخرى، أو بوصفه جباناً ترك أرضه، أو باعها. ومعلوم أن قصة بيوع الفلسطينيين لأراضيهم شائعة، صنو شائعة أخرى مفادها أن جيوش سبع دول عربية دخلت فلسطين لتحريرها من اليهود، أو من العصابات الصهيونية. ويستنتج مما تقدم أن الأنظمة المتسيّدة، وقتها، حاربت من أجل فلسطين، في حين أن الفلسطينيين باعوا، وولوا الأدبار. وفي حين أن رواية تلك الحرب (الشائعة) لم يجر التحقيق بها، أو مراجعتها، إلى الدرجة اللازمة، فإن التحقيقات بشأن بيوع الأراضي أكدت بأن اليهود لم يتملّكوا إلا ما نسبته 5ـ7 بالمئة من أراضي فلسطين (قبل النكبة)؛ جزء كبير منها جاء عن طريق منحها لهم من قبل الإدارة البريطانية الاستعمارية، وجزء آخر جاء عن طريق بيوع بعض الاقطاعيين من البلدان المجاورة (لاسيما من لبنان) لأراضيهم في فلسطين.

بعد النكبة الثانية (1967)، وظهور العمل الفدائي، وأيضا استظهاره من قبل النظام العربي السائد، للتغطية على هذه النكبة، بات الفلسطيني، في المخيلات العربية السائدة، أو التي جرى ترويجها، بمثابة فدائي، أو مخلّص، وبات كثيرون (حتى من  المثقفين ومن المنخرطين في الأحزاب “الطليعية” و”الثورية” العربية) ينظرون إليه باعتباره “طليعة” للثورة العربية المفترضة، أو المتخيّلة.

وفي الواقع فإن هذا التنميط أضرّ، بدوره، بالفلسطينيين، من ثلاثة جوانب، أولها، أنه أدى إلى تعزيز النرجسية، وربما الغطرسة، عندهم، بدل حثّهم على ترشيد خطاباتهم، وطرق كفاحهم. والمشكلة هنا أن الفلسطينيين استساغوا هذا النوع من التنميط، فتقمّصوه، وحاولوا تمثّله، في خطاباتهم، وفي بعض تحركاتهم، إلى درجة أنهم توهّموا انهم بمثابة شعب من الجبارين، وأنه لا يمكن لأي شيء أن يهزهم وانهم يستطيعون زلزلة الأرض تحت إسرائيل، ناهيك أنه بمقدورهم تغيير العالم العربي، أو على الأقل الوصاية على التطورات السياسية في الأردن، أو على الحركة الوطنية في لبنان، ومناطحة هذا النظام أو ذاك؛ ما استنزفهم وصرفهم عن قضيتهم الأساسية.

وثانيها، أن هذا التنميط أدى إلى نسج الأوهام من حول ما يمكن للفلسطينيين ان يحقّقوه، من مجرد عمليات فدائية، وحمّلهم ما لايمكن أن يتحمّلوه، بشأن مساهمتهم في تغيير العالم العربي، في حين أنهم مجرد شعب مشتت، وضعيف الامكانيات، ويخضع لوصايات وقيود من عديد من الأنظمة، فضلا عن أن هذا الدور يفترض أن يكون مسنودا إلى الحواضر العربية الكبرى، أي إلى القاهرة أو دمشق أو بغداد أو الجزائر، على سبيل المثال.

وثالثها، أنه نجم عن هذا التنميط تقديس العمل الفدائي، والمقاومة المسلحة، إلى درجة وضعها خارج النقد والمساءلة، وخارج حسابات الجدوى، وقد أدى ذلك إلى انعكاسات سلبية داخلية، إذ غذّى ميل القيادات المعنية لإهمال عمليات بناء المجالين السياسي والمجتمعي للفلسطينيين، مقابلة المبالغة بدور التشكيلات الميلشياوية والأمنية، ما أضر بالحركة الوطنية الفلسطينية، وشوّه صدقيتها.

بعد ذلك جاءت الانتفاضة الشعبية (1987ـ1993)، التي سميت انتفاضة “أطفال الحجارة”، وهي انتفاضة توخت مواجهة الاحتلال بالحجارة والصدور العارية والعصيان المدني. المفاجئ أن العالم، وحتى الفلسطينيين أنفسهم، أزاحوا وقتها صورة الفدائي، ببدلته المرقطة وسلاحه الكلاشينكوف، لتحل محلها صور الفلسطينيين العاديين، من أطفال ونساء ورجال وشيوخ، يتصدون لدبابات الاحتلال، أو يخرجون في مظاهرات واعتصامات، على نحو ما جرى، مؤخرا، في القدس ورام الله.

هكذا احتل الفلسطيني العادي صدارة المشهد، بدل الفلسطيني صاحب البندقية، وبالتزامن مع ذلك تم حجب صورة الفلسطيني اللاجئ، لصالح صورة الفلسطيني الصامد في أرضه والذي يقاوم الاحتلال وجها لوجه، وباتت قضية الفلسطينيين، حينها، مجرد قضية استقلال للضفة والقطاع، ومجرد إقامة دولة فلسطينية في هاتين المنطقتين، وفي هذه المرة أيضا فقد تجاوبت القيادة الفلسطينية مع هذه الصورة، وتمثلتها في خطاباتها وفي مؤسساتها وفي المسارات السياسية التي انخرطت فيها.

بعد اتفاق اوسلو (1993) تغيّرت صورة الفلسطيني، إذ بات مجرد مفاوض يبحث له عن دولة، وبدل أن يكون مقاتلا، بات طالبا للسلام، وبدل أن يكون مناضلا بات رجل دولة، أو صاحب مكانة، مع ربطة عنق وشنطة، وله حكومة ووزارات وسفارات، وحساب بنكي، على رغم بقاء مخيمات اللاجئين في الضفة وغزة، وفي مناطق اللجوء والشتات، وعلى رغم استشراء الاستيطان في الأراضي المحتلة، وعلى رغم اعتبار إسرائيل للقدس كعاصمة موحدة لها وتحت سيادتها، وعلى رغم قانون “القومية اليهودية”، الذي يهمش مكانة الفلسطينيين من أهل البلاد في أرضهم ووطنهم.

تغيّرت صور الفلسطيني كثيرا، في مختلف المراحل، بحسب التوظيفات والأجندات السياسية، باعتباره مجرد قضية أمنية أو سياسية، في حين أن صورة الإنسان الفلسطيني العادي ظلت مغيّبة في كل تلك المراحل، ومعها غابت قضيته باعتبارها قضية إنسانية، وقضية تتعلق بالحرية والعدالة والمساواة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]