ماجد كيالي يكتب: النقاش مجددا في ماهية المشروع الوطني الفلسطيني

ماجد كيالي

بديهي.. فإن الحديث عن ماهية المشروع الوطني الفلسطيني يكشف عن ضياع هذا المشروع، بعد قرابة ستة عقود على انطلاقة الحركة الوطنية الفلسطينية، بما يتضمنه ذلك من تبديد للتضحيات التي تم بذلها، وتآكل للمنجزات التي تم تحقيقها، كما يكشف حال التدهور، أو الأفول، التي تمر بها تلك الحركة بكياناتها، ورمزيتها، وتمثيلاتها، وشرعيتها.

فمنذ زمن، سيما منذ التوقيع على اتفاقات أوسلو (1993)، لم يعد بالإمكان الحديث عن مشروع وطني للفلسطينيين، لا بمعنى مشروع جامع لهم في كافة أماكن تواجدهم، ولا بمعنى المشروع الذي يجيب على مختلف الأسئلة التي ولدتها القضية الفلسطينية، وما لدينا اليوم مجرد مشروعات مختلفة ومتباينة، تحاول الإجابة عن حاجات كل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطيني، أو تياراته السياسية، من دون أي رابط يجمع بينها، لا على صعيد الرؤية السياسية المستقبلية، ولا على مستوى تعزيز الهوية الوطنية والكيانية السياسية للفلسطينيين.

لا يصدر المشروع الوطني كتعبير عن رؤية ذاتية، أو رغبوية، بقدر ما يصدر كتعبير عن القضية الوطنية ذاتها، لأنه إذا لم يغطّ الأسئلة، التي تطرحها تلك القضية، يكفّ عن كونه مشروعاً وطنياً، ويغدو مجرّد مشروع سياسي، يعكس، ربما، طموحات طبقة سياسية، أو جماعة بشرية، معينة. وفي حال الفلسطينيين، مثلاً، فقد بدأت القضية مع ظهور المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ثم توّجت بإقامة إسرائيل، التي نجم عنها تشريد حوالي مليون من الفلسطينيين، وانكسار الوحدة المجتمعية لهم، وتهميش هويتهم، وتقويض كيانيتهم السياسية. لذا فإن أي مشروع وطني ينبغي أن ينطلق بداهة من هذه النقطة، بالضبط، أما الانحراف عنها أو تجاوزها، تحت أي مبرر كان، فهو يؤدي إلى ضياع المشروع الوطني، وإزاحة الرواية الأساس، ما يخلق تصدّعات في الهوية الوطنية، وفي شعور الفلسطينيين بوحدتهم كشعب.

أيضاً، فإن الانحراف عن تلك النقطة يعني في ما يعنيه «التكيّف»، إلى حد ما، مع الرؤية الإسرائيلية، التي تنظر لإسرائيل باعتبارها نتاج حركة تحرر قومي لليهود، والتي تعتبر أن القضية بدأت مع الاحتلال الذي بدأ في 1967، في الصراع بين شعبين على الارض ذاتها (وهي هنا الضفة). ولا شك أن هذا الانحراف يعتبر، أيضاً، بمثابة إقرار بهزيمة المشروع الوطني الفلسطيني.

هكذا، فإن نكوص الحركة الوطنية الفلسطينية عن أهدافها الأولية، واختزالها قضية فلسطين، بمجرد أرض محتلة في الضفة والقطاع، (1967)، وتحولها من حركة تحرر وطني إلى مجرد سلطة في الضفة والقطاع، أي لجزء من شعب على جزء من أرض، قبل دحر الاحتلال، ولّد تداعيات كبيرة وخطيرة. فقد بدت هذه الحركة، في تحولاتها تلك، كأنها اقتربت من الادعاءات الإسرائيلية، وأقرّت بهزيمتها، في حين بدت إسرائيل وكأنها هي التي كسبت المعركة على الوعي، باحتلالها وعي الطبقة السياسية الفلسطينية المهيمنة، بدل ان يحتل الفلسطينيون وعي الإسرائيليين، في معركة «الصراع على المخيلة» أو على الوعي (بحسب تعبير لإدوارد سعيد). أيضاً فقد نجم عن اختزال قضية فلسطين مسألة أخرى، على غاية في الخطورة، تتمثل بفتح مسار قد يودي إلى تفكيك مفهوم الشعب الفلسطيني، مع إخراج ملايين اللاجئين، في الأردن وسوريا ولبنان، من هذا الإطار، ومن معادلات موازين القوى في الصراع الجاري مع إسرائيل، وهذا بحد ذاته كسر لمفهوم وحدة الشعب الفلسطيني، وتفريط بكتلة كبيرة من الفلسطينيين.

لم تقف المسألة عند هذه الاختزالات الثلاثة، للقضية والأرض والشعب، ذلك أن الكيان الناشئ تورّط، أيضاً، أو استدرج نحو ممانعة كافة أشكال المقاومة، وضمنها الشعبية أو المدنية، وهي التي كانت متاحة قبل مجيء قيادات المنظمة والفصائل الى الداخل، لا سيما مع وجود أجهزة أمنية متضخّمة، تشتغل في إطار من التنسيق الأمني مع إسرائيل.

على ذلك فإن مشكلتنا اليوم لا تكمن فقط في اختزال المشروع الوطني بمجرد قيام كيان سياسي ناقص، ويخضع للهيمنة الإسرائيلية، في مختلف المجالات، وإنما في الانعكاسات الخطيرة التي تنجم عن ذلك، أيضاً، لجهة تدهور مكانة الحركة الوطنية الفلسطينية، في مجتمعها وفي صراعها ضد عدوها، كما في انعكاسات ذلك لجهة تآكل إدراكات الفلسطينيين لذاتهم، ولكونهم شعباً. فما قيمة أي كيان، إذا كان بثمن كسر وعي الفلسطينيين لذاتهم ولقضيتهم ولحقوقهم ولهويتهم؟ وما أهمية أي إنجاز، إذا كان تحصيله مرهوناً، في الأغلب، بهزيمة المشروع الوطني، وبانتصار إرادة إسرائيل، وفرضها لمصالحها ولروايتها ورؤيتها عن ذاتها وعن حاجاتها الأمنية؟

ما الحل؟ على الأرجح فإن تصحيح هذا الوضع يفترض من الفلسطينيين تجديد معنى مشروعهم الوطني، بحيث يتم المطابقة بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين والحركة الوطنية الفلسطينية. إذ لا يمكن الحديث عن مشروع وطني ينتقص حقوق الفلسطينيين، أو يلبي حقوق بعضا منهم، أو يتأسس على إقامة كيان على جزء من أرضهم، لاسيما إذا لم يرتبط ذلك برؤية مستقبلية، تضمن تطوير هويتهم الوطنية وكيانيتهم السياسية، وتضمن التطابق بين القضية والشعب والأرض، فكيف إذا كان الأمر ينتقص أو يصدّع هذا التطابق. ولعل هذا كله يجد تمثّلاته في مشروع الدولة الواحدة (الديمقراطية العلمانية)، الذي يمكن يتماهى مع فكرة التحرير، بمعنى التحرر من الصهيونية، كأيدلوجية ومؤسسات، للفلسطينيين وللإسرائيليين اليهود، لاسيما أن هذا الخيار يحمل في مضامينه معنى الحل النهائي والشامل والعادل (ولو نسبياً)، لمجمل تجلّيات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أكثر من غيره من الحلول الأخرى.

وعليه، فإذا كان المشروع الفلسطيني الذي اختزل سابقاً في هدف «التحرير»، على نحو ما جاء في التصورات الأولية للمشروع الوطني في الستينات والسبعينات، والذي يأتي كنتاج لحرب شعبية بالاستناد الى دعم جيوش أنظمة عربية، قد تجاوزه الزمن، لا سيما أن التجربة بينت قصور القدرة على انجازه، لأسباب عدة، فإن البديل من ذلك ليس التخلي عن الرواية والحقوق والطموحات الفلسطينية، لا بحجة موازين القوى، ولا بأي حجّة، لأن ذلك لن يحل شيئاً، ولأن القضية الوطنية، والأسئلة المنبثقة عنها، ستبقى هي ذاتها. وبالتأكيد فإن ذلك يتطلب مراجعة المفهوم السائد عن «التحرير»، وتطوير معانيه، بحيث لا يقتصر على تحرير الأرض، وبحيث تشمل هذه العملية تحرير الفلسطينيين من علاقات الاستعمار والعنصرية والهيمنة الإسرائيلية، وتحرير اليهود ذاتهم من الصهيونية، وإضفاء قيم الحرية والمساواة والديموقراطية على عملية التحرير.

ويستمد هذا الحل الصعب والمعقد، مشروعيته من كونه الخيار الأمثل، ربما، الذي يجاوب على مختلف مشكلات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي (اللاجئون والقدس والحدود والمستوطنات والترتيبات الأمنية)، ومن كونه المشروع الوحيد الذي يخاطب الإسرائيليين ويتمثّل مشكلتهم، وفق رؤية وطنية، تحررية وإنسانية وديمقراطية، تتأسس على الحقيقة والعدالة، ولو بشكل نسبي. وبديهي أن هذا ليس خيارا تفاوضيا، ولا آنيا، وإنما هو خيار نضالي مستقبلي، قد يتم الوصول إليه بشكل تدرجي، لأن إسرائيل سترفضه حتماً، مع إصرارها على الاعتراف بها كدولة يهودية، وتمييزها في قوانينها ضد الفلسطينيين، الذين تعتبرهم «أغياراً»، حتى لو كانوا من مواطنيها. مع ذلك فإن هذا الخيار قد يكون الوحيد الذي يمكن مخاطبة الإسرائيليين به، لإشعارهم أن ثمة افقاً أخر، والذي يمكن له، أيضا، أن يلهم الفلسطينيين من جديد ويستنهض هممهم ويعزز هويتهم وكيانيتهم السياسية، بعد هذا الضياع والاحباط والتدهور في حركتهم الوطنية.

هذا يفترض، أولاً، فتح أفق الخيارات الفلسطينية وعدم إغلاقها إزاء التطورات المستقبلية المحتملة او الكامنة. وثانياً، عدم الانحصار في إطار خيار واحد ووحيد ولا في أي مرحلة أو ظرف. وثالثاً، مراعاة ربط كل الخيارات بالمشروع الوطني الديموقراطي، الذي ينبغي أن يجيب عن أسئلة كل الفلسطينيين، والذي يضمن وحدة شعب فلسطين، ويكفل حل المسألة الإسرائيلية.

ولا ننسى في هذا الإطار أن بناء المجتمع الفلسطيني، وتعزيز وحدته، وتنمية هويته الوطنية وكيانيته السياسية، ليست أمراً تفصيلياً، أو ثانوياً، في مواجهة المشروع الصهيوني، بل إن ذلك من صلب المشروع الوطني، وهو الأمر الغائب، منذ عقود، في إدراكات القوى المكونة للحقل السياسي الفلسطيني (المنظمة والسلطة والفصائل) مع الأسف. وباختصار، فإذا كانت المفاوضات وإقامة كيان فلسطيني في جزء من الضفة (مع او من دون غزة) تتطلب التنازل عن قضية الفلسطينيين وحقوقهم، وعن كونهم شعباً، فما جدوى المفاوضات؟ وما معنى هذا الكيان؟

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]