ماجد كيالي يكتب: انعطافات الحركة الوطنية الفلسطينية وأزماتها في ستة عقود

ماجد كيالي

لم تبق السياسة الفلسطينية على حالها طوال ستة عقود الماضية، تقريبا، وهي التي انطلقت مع حركة فتح في مطلع العام 1965، فالحركات السياسية، مثلها مثل الظواهر الاجتماعية تنشأ وتنمو وتزدهر ثم تذهب إما نحو الشيخوخة والأفول، أو نحو التغيّر والتطور، أو تجمع بين كل ذلك؛ وهذه حال الدول وحتى الإمبراطوريات.

ففي غضون عمرها المديد، ومساراتها الصعبة والمعقدة، حصلت تغيّرات نوعية كبيرة وعاصفة، دولية وإقليمية، وعلى الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي، كما حصل تغيّر في شكل العلاقات العربية -الإسرائيلية، التي انتقلت من حالة الصراع إلى حالة التعايش، أو من ملف 1948، أي ملف معالجة أسباب النكبة، ومن نفي وجود إسرائيل، إلى ملف 1967 أي ملف انهاء الاحتلال والصراع على شكل وجود إسرائيل فقط.

دوليا، انطلقت الحركة الوطنية الفلسطينية، في حينه، في مرحلة كان العالم يعيش فيها في ظل الانقسام بين معسكرين أو قطبين، وفي إطار صراعات الحرب الباردة، لكن مع انتهاء الاتحاد السوفييتي (مطلع التسعينات)، وجدت نفسها في عالم مختلف تماماً إذ أضحت الولايات المتحدة الأمريكية، حليف إسرائيل الاستراتيجي، بمثابة القطب المهيمن في العالم، وها هي اليوم تقف في مواجهة مرحلة جديدة، إزاء عالم جديد متعدد الأقطاب، أو إزاء عالم يشهد نوعاً من الانكفاء الأميركي، على رغم بقاء الولايات المتحدة كالقطب المهيمن، تبعا لقوتها العلمية والتكنولوجية والاقتصادية، وليس فقط العسكرية.

إقليما، وعربيا، وفلسطينيا، ثمة متغيرات كبيرة، إذ اندلعت حروب وحدثت تطورات عديدة، من حرب حزيران (يونيو) 1967، التي نجم عنها هزيمة إسرائيل لعدة أنظمة عربية، واحتلالها باقي الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع)، وحرب تشرين أول (أكتوبر) 1973، ثم الحرب الأهلية اللبنانية، التي تلاها توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ثم الغزو الإسرائيلي للبنان (1982)، الذي نجم عنه خروج المقاومة الفلسطينية المسلحة من هذا البلد، وانتهاؤها في الخارج، بعد أن كانت انتهت من الأردن (1970) ثم من سوريا أواسط السبعينات.

وفي خضم هذه التطورات كانت قد حصلت الثورة الإيرانية، ثم الحرب العراقية الإيرانية، وبعدها حرب الخليج الأولى (1991)، التي أدت إلى تضعضع ما تبقى من النظام العربي. وفي أثناء كل ذلك، أيضاً، اندلعت الانتفاضة الأولى، وتم عقد مؤتمر مدريد للسلام (1991)، في ظروف انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك التضامن العربي، حيث أدى ذلك إلى توقيع اتفاق أوسلو مع إسرائيل (1993)، وإقامة السلطة الفلسطينية، الى دشن تحول الحركة الوطنية من حركة تحرر وطني إلى حركة استقلال وطني، أو إلى سلطة، على حساب منظمة التحرير.

بعد ذلك، وبسبب استمرار المفاوضات وعدم تنفيذ إسرائيل التزاماتها، وانكشاف تعنّتها في عملية التسوية في مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000)، اندلعت الانتفاضة الثانية (2000-2004). وفي هذه الظروف وقع الهجوم الإرهابي في 11 أيلول (سبتمبر) (2001)، في الولايات المتحدة، لتندلع الحرب الدولية على الإرهاب، وما تبعها من غزو أفغانستان (2002) ثم غزو العراق واحتلاله (2003)، والذي كان من تداعياته قيام إسرائيل باستغلال كل ذلك لمعاودة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية، واغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، بعد حصار دام ثلاثة أعوام (أواخر 2004).

بعد ذلك حصلت تطورات عديدة ضمنها صعود حركة «حماس» في السياسة الفلسطينية، إثر فوزها في انتخابات المجلس التشريعي الثاني (2006)، وانقسام النظام السياسي الفلسطيني (2007)، مع كل ما تبع ذلك من انعكاسات سلبية تمثلت في تشتّت جهد الفلسطينيين وتنامي مشاعر الإحباط عندهم، لا سيما مع الجمود الحاصل في حركتهم الوطنية، أي في خطاباتها وبناها وأشكال عملها ولا سيما مع تغليبها وضعها كسلطة على وضعها كحركة تحرر وطني. وفي معمعان الانقسام الفلسطيني شنت إسرائيل عدة حروب مدمرة على غزة (2008، 2012، 2014، 2021)، بعد أن فرضت الحصار على أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع، ما أوصل الوضع إلى الاختناق، وبالتالي الانفجار، وهو ما نشهد فصوله في هذه الأيام في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل منذ ثلاثة أشهر على قطاع غزة، بكل آلتها العدوانية الوحشية.

من الصعب على الفلسطينيين، مع كل ما في هذه المسيرة من عذابات ومعاناة وتضحيات وتعقيدات وبطولات، في هذا الواقع الدولي والعربي، ومع كل هذه التطورات الهائلة، وغير المواتية، تحقيق الفوز، بالمعنى الاستراتيجي، على إسرائيل، لا سيما أن المشروع الوطني الفلسطيني، كما تمثلته الفصائل الفلسطينية، في منتصف الستينات، نشأ من الأساس مأزوماً بحكم عوامل متعددة، يكمن أهمها في الآتي:

1 ـ عدم التكافؤ في المعطيات والإمكانيات وموازين القوى المتاحة، بين الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية من جهة، وإسرائيل من الجهة الأخرى، فعدا عن عوامل القوة التي تتمتّع بها إسرائيل، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومن ناحية الإدارة، فإن هذه الدولة تحظى بدعم الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي تكفل أمنها وتدعم تفوقها العسكري والتكنولوجي والاقتصادي على دول المنطقة.

2 ـ افتقاده لحيّزه، أو لإقليمه، الاجتماعي والجغرافي المتعيّن والمستقلّ والخاصّ، وهذان، أي الحيّز الجغرافي والاجتماعي، أمران لازمان لتشكيل أي حقل سياسي، وعمودان أساسيان، في إنتاج أية وطنية، ولا سيما إذا تعلق الأمر بترسيخها واستمرارها. ومعلوم أن المجتمع الفلسطيني ممزّق ويخضع لأنظمة سياسية متعددة ومتباينة، وأن التواصل بين كل تجمّع وآخر هو في غاية الصعوبة، ما يعقّد ويصعّب عمل الحركة الوطنية الفلسطينية ويعيق تشكّل حقل سياسي فلسطيني، ناهيك أنه يشوهه.

3 ـ تأخّره (بمسافة ثلاثة عقود) عن مشاريع «الوطنيات» العربية، مما جعله يجد نفسه في كثير من المحطات والأحيان في تعارض أو في تصارع معها، وهو ما حصل في الأردن ولبنان ومع سوريا. وبديهي أننا نتكلم عن حركة مسلحة، وليس مجرد حركة سياسية، وهذه كانت تسعى لمواجهة أقوى دولة في الشرق الأوسط، بواسطة الكفاح المسلح، وحرب التحرير الشعبية، لذا فإن أي نظام لن يسمح بوجود قوة عسكرية في أرضه، أو بوجود حركة تحرر تنازعه النفوذ والمكانة، أو تعرّض استقراره للخطر. ولعله جدير بنا أن نذكر هنا أن عدد الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم في خضم الاصطدامات والصراعات خارج فلسطين، ربما أكبر من عدد الذين لقوا مصرعهم داخلها على يد إسرائيل.

4 ـ ضعف إمكانيات الشعب الفلسطيني من الناحية المادية، الأمر الذي جعل حركتهم السياسية تعتمد في مواردها على مصادر خارجية، بدل اعتمادها على شعبها، ما جعلها مرتهنة لهذه المصادر، وهذا بدوره أثر على سلامة خياراتها وخطاباتها السياسية، ما جعلها تميل إلى التماهي أو التماثل مع خطابات الأنظمة العربية.

كل ذلك أثر سلباً على الحركة الوطنية الفلسطينية وحدّ من قدراتها وقيّد من محاولاتها تطوير أوضاعها، وأسهم في إزاحتها عن الوظائف التي قامت من أجلها، بيد أن ذلك كلّه لا يلغي أن ثمة قسطاً من المسؤولية يقع على عاتق العامل الذاتي، أي على عاتق الحركة الوطنية الفلسطينية، التي لم تستطع الحفاظ على إنجازاتها، ولا تعزيز الطابع المؤسسي والتمثيلي والديمقراطي في بناها وأشكال عملها، ولا الحفاظ على القدر المطلوب من العلاقة بينها وبين مجتمعها. والقصد أنه إذا كانت العوامل السابقة تحدّ من قدرة الفلسطينيين على تحقيق فوز تاريخي على إسرائيل فقد كان يمكن للعامل الذاتي أن يقلّل من المخاسر، ربما، وأن يحافظ على حالة وطنية، أفضل، وأمتن، وأكثر وعداً.

كانت هذه مقدمة ضرورية للتعرّف على العوائق والتعقيدات والتحديات التي واجهت حركة التحرر الفلسطينية في مسيرتها الطويلة والمضنية والمكلفة، بشرياً ومادياً، والتي أثّرت على خطاباتها السياسية، وعلى الخيارات الوطنية التي انتهجتها، من التحرير إلى التسوية، أو من الانتفاضة إلى المفاوضة، ومن حركة التحرر إلى السلطة، لذلك ما بعد حرب غزة ليس كما قبلها، على كافة الأصعدة، وبالنسبة لمختلف الأطراف.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]