ماجد كيالي يكتب: تحولات «فتح» في مسيرة 53 عامًا

..

يمكن اعتبار حركة «فتح» الأطول عمرًا بين حركات التحرر الوطني التي شهدنا صعودها في القرن الماضي، بما فيها الجزائرية (1954 – 1962)، والفيتنامية بمرحلتيها الفرنسية والأميركية (1946- 1975)، وحتى الجنوب افريقية (1960- 1994)، إذ أن هذه الحركة التي انطلقت عام 1956 بات لها من العمر أكثر من نصف قرن (53 عاماً).

الأكثر أهمية في هذا الموضوع أن هذه الحركة عرفت، طوال عمرها المديد، تجارب متعددة ومختلفة، وانخرطت في خيارات سياسية وكفاحية، متباينة، وربما متعارضة، فهي انطلقت (1965) من أجل تحرير فلسطين، وذلك قبل احتلال الضفة والقطاع (1967) إلا أنها وصلت منذ أكثر من أربعة عقود (1947) إلى المطالبة، فقط، بإقامة دولة فلسطينية في الضفة وغزة، أي في الأراضي التي تم احتلالها بعد انطلاقتها، كما هو واضح، ثم انتهت بعد 28 عامًا إلى اتفاق أوسلو (1993) الذي وافقت فيه على إقامة كيان فلسطيني في بعض أراضي الضفة وفي قطاع غزة، من دون معرفة مآل الحل النهائي، ولاسيما بخصوص حل قضايا اللاجئين والمستوطنات والحدود والقدس، الأمر الذي يدفع الفلسطينيون ثمنه الآن، بتغول عمليات الاستيطان وتهويد القدس ومصادرة الأراضي، سيما مع بناء الجدار الفاصل في الضفة (وقرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس كعاصمة موحدة لإسرائيل)، هذا إضافة إلى وضع غزة تحت الحصار منذ 2005.

في ذات السياق، أيضًا، فقد شهدنا تغيير “فتح” خياراتها النضالية، أو الوسائل الكفاحية لتحقيق هدفها، من اعتبار الكفاح المسلح الفلسطيني وسيلة لتحريك الجبهات العربية، وفقًا لمبدأ “التوريط الواعي”، الذي تبنته في أدبياتها ومنطلقاتها التأسيسية، إلى اعتباره طريقًا رئيسيًا أو أساسيًا أو أحد وسائل تحرير فلسطين، بحسب كل مرحلة، وصولاً إلى انتهاج طريق المفاوضات، أو المقاومة الشعبية، بحسب كل مرحلة أيضًا. وضمن ذلك فقد اضطرت إلى تغيير ثقل العمل المسلح الفلسطيني من الخارج، حيث نشأ في الأردن وسوريا ولبنان، ثم انحصر في لبنان، إلى الأراضي المحتلة، حيث تم توضيع الأجسام الرئيسية لمجموعات الفدائيين في الأجهزة الأمنية للسلطة، إثر إقامة السلطة في الضفة والقطاع، علمًا أنها أسهمت في تحول الانتفاضة الثانية إلى مواجهات مسلحة، في سعيها للمزاوجة بين المفاوضة والعمل المسلح، كما بين الانتفاضة الشعبية والانتفاضة المسلحة.

أيضا، على صعيد البني السياسية، فقد اندمجت فتح في منظمة التحرير في فترة مبكرة، ثم أصبحت هي القائد والمقرر في هذه المنظمة، التي تمكنت من خلالها قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية لحقبة طويلة من الزمن، إلا انها بعد توقيع اتفاق أوسلو (1993) حولت مركز الثقل إلى السلطة، التي باتت هي المرجعية بالنسبة للمنظمة بدلا من العكس. وقد نتج عن هذا التحول تهميش المنظمة، وانحسار دور اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، الذين كانوا لعبوا دورا كبيرا في احتضان فتح، والكفاح المسلح الفلسطيني، لصالح السلطة، رغم احتفاظ قيادة فتح بمكانة المنظمة، من الناحية الشكلية، لأغراض الإبقاء على النظام السياسي الفلسطيني الذي تتزعمه.

بيد أن كل ذلك لا يعفي من التذكير بأن هذه الحركة، ورغم كل ما تقدم، ورغم كل التجارب والخيارات، وكل التضحيات والبطولات التي بذلها شعب فلسطين في الداخل والخارج، لم تستطع انجاز ما وعدت به منذ انطلاقتها (1965)، ولا حتى على مستوى دحر الاحتلال الإسرائيلي من الضفة وغزة، على نحو ما تمنت في البرنامج المرحلي (1974). أيضا في خياراتها التفاوضية لم تنجح هذه الحركة في إقامة كيان فلسطيني ناجز، وفقا لاتفاق أوسلو (1993)، ولو في حده الأدنى، إذ وجدت نفسها في إطار مجرد سلطة ذاتية، تخضع لسلطة الاحتلال، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، مع علاقات تنسيق أمني وتبعية اقتصادية، واعتمادية في مجالات البنية التحتية (إضافة إلى الاعتمادية على الخارج في التمويل)، كما وجدت نفسها في منطقة مقطعة الأوصال، إذ غزة محاصرة، في حين أن الضفة مقسمة إلى مناطق (أ) و (ب) و (ج).

حصل ذلك كله مع إدراكنا بأن ثمة مشكلات وتعقيدات وصعوبات جمّة حالت دون تحقيق أي من خيارات “فتح” أو أهدافها، من ضمنها الخلل في موازين القوى لمصلحة إسرائيل، وعدم توافر العوامل الدولية والعربية الملائمة لها، إلا أن هذا لا يعفي من رؤية مسؤولية قيادة هذه الحركة عن ما حصل، إن بالنسية لخياراتها السياسية والكفاحية، أو بالنسبة لطرق عملها وقصور ادارتها لمواردها. وبديهي أن هذه الحركة يسري عليها ما يسري على غيرها من الحركات الوطنية أو الأحزاب السياسية، إذ أن التجربة التاريخية تثبت مرة أخرى بأن أي منها قد بشهد مراحل صعود وهبوط، وأن معضلة حركات أو أحزاب كهذه، سيما عندما تصبح في السلطة، تبدي ميلاً لاستمراء مكانتها الجديدة، والتخفف من طبيعتها «الثورية» القديمة، والاتكاء على تاريخها الكفاحي، وعلى إمكانياتها وعلاقاتها ونفوذها، من دون الالتفات الى ضرورة تعزيز شرعية هذه المكانة، ومن دون الاهتمام بالارتقاء في خطاباتها وأشكال عملها ووسائل نضالها، وهذا يفسر حقيقة ان هذه الحركات قد تستمر، لكنها تكون أيضًا قد استنفدت مهمتها التاريخية.

واضح أن حركة “فتح” تمر بهذا المسار، مع كل الفصائل الأخرى، ولعل أنسب أو أجدى شيء يمكن أن تقوم به القيادات المعنية، ولاسيما في فتح، إنما يتمثل بتمهيد الطريق أمام الأجيال الجديدة، لتوليد حركة وطنية جديدة، تشتغل على استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني ضد إسرائيل الاستعمارية والعنصرية والاستيطانية. كما يتمثل ذلك تحديدًا باعتماد الفلسطينيين على ذاتهم في وسائل كفاحهم على نحو ما حصل في الانتفاضة الشعبية الأولى (وليس الثانية) وعدم الانحصار في خيار واحد يتمثل بالدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع من خلال استعادة التطابق بين أرض فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين، وربما أن فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية هي الحل الأنسب للمسألتين الفلسطينية والإسرائيلية، لكن على أساس تقويض طابع إسرائيل باعتبارها دولة استعمارية واستيطانية وعنصرية وأيدلوجية. وبديهي ان ذلك يتطلب، أيضاً، إعادة بناء وتفعيل الكيانات السياسية الفلسطينية (المنظمة والسلطة والفصائل والمنظمات الشعبية)، على قواعد مؤسسية وطنية وتمثيلية وديمقراطية وكفاحية. 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]