ماجد كيالي يكتب: تعقيدات قضية اللاجئين ومتطلبات الدفاع عن حق العودة (2)

ماجد كيالي

لم تعد قضية اللاجئين الفلسطينيين، بعد أكثر من سبعة عقود هي ذاتها، في مظاهرها وتبعاتها، على النحو الذي كانته لدى لحظة نشوئها، نتيجة إقامة إسرائيل (1948)، إذ بعد كل ذلك الزمن باتت محمّلة بمداخلات وتعقيدات وبوقائع عديدة وجديدة، قانونية وديموغرافية وسياسية.

السؤال الآن، على ضوء المعطيات الراهنة، دولياً، وعربياً، وفلسطينياً، وإسرائيلياً، ليس إذا كنا نستطيع أو لا نستطيع مواجهة محاولات تصفية قضية اللاجئين، وإنما هو: كيف نستطيع الدفاع عن هذه القضية وعن حق العودة، العادل والمشروع، وفق القرارات الدولية المتعلقة بحقوق شعب فلسطين الجماعية والمتعلقة بحقوق الإنسان. والسؤال المطروح هنا هو هل هناك إمكانية لصوغ معادلة سياسية فيما يتعلق بحق العودة تتأسس على التوازن بين المطلق والنسبي، والحق والممكن، والراهن والمستقبلي، والواقع والرغبات؟

بيد أنه يجدر بنا، قبل الخوض في هذا الأمر، إدراك ثلاثة مسائل، أو حقائق:

الحقيقة الأولى، ومفادها أن أية عملية مفاوضات لتسوية وضع اللاجئين الفلسطينيين، في الظروف والمعطيات القائمة في المدى المنظور، لن تنصف اللاجئين في حقوقهم، وهي ستتراوح، بين مقايضة حق العودة بحق إقامة دولة في جزء من أرض فلسطين، كما شهدنا في اتفاق أوسلو (1993)، أو إبقاء الحال على ماهي عليه، وبالتالي تصفية حق العودة بطريقة واقعية وتدرجية، أي مع مضي الزمن وتغير الأحوال، أو التوجه نحو حل بعض جوانب هذه المشكلة، بشكل جزئي وناقص، وهذا يشمل إعادة قسم من اللاجئين تحت بند “لم الشمل”، أو تحت بند تطبيق “حق العودة”، بطريقة رمزية، على أعداد توافق عليها إسرائيل في المفاوضات، كما يشمل ذلك إعادة التوطين في بلد ثالث، كما حصل بطريقة أو بأخرى، إضافة إلى تفعيل بند التعويض على اللاجئين، أو على بعضهم، وفقاً لمعايير معينة، ويأتي ضمن ذلك تصفية وكالة “غوث وتشغيل اللاجئين”. وعليه ثمة معضلة هنا تنبع من غياب القدرة على فرض شيء على إسرائيل في المفاوضات، ما يعني أن الخيار المطروح إما القبول بالواقع كما هو، أي إبقاء اللاجئين يعيشون في واقع بائس وفي مخيمات مزرية، أو القبول بمفاوضات تضع حدا لهذا البؤس المقيم منذ عقود، وفقا للطرق المذكورة، التي فرضها الواقع أصلاً على الفلسطينيين، من الناحية العملية، من دون مفاوضات ومن دون توقيعات أو بيانات، وكل هذه الأمور تضعنا في مواجهة تحد أخلاقي وسياسي وتاريخي.

الحقيقة الثانية، ومفادها أنه في المدى المنظور لا يمكن الحديث عن حق العودة للاجئين، لا وفقاً للمنظور الوطني، ولا وفقا لمنطوق القرار 194 (1949)، لأن ذلك يتطلب، أولاً، تحولاً في موازين القوى لصالح الفلسطينيين والعالم العربي. وثانياً، تغيرات في النظام العربي والدولي، تتيح الضغط على إسرائيل، لإجبارها على قبول حق العودة. وثالثاً، تغيرات في إسرائيل ذاتها، تفضي إلى تخلصها من طابعها كدولة يهودية، وكدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية؛ أي المطلوب واحد أو أكثر من العناصر المذكورة.

الحقيقة الثالثة، ومفادها أنه لا يمكن الحديث عن حل مختلف جوانب القضية الفلسطينية، وضمنها قضية اللاجئين، بدون إيجاد حل للمسألة الإسرائيلية، أي من دون احداث تأثيرات في المجتمع الإسرائيلي، وإيجاد مشتركات سياسية مع اليهود الإسرائيليين المعادين للصهيونية، مشتركات تقود إلى تقويض مختلف تجليات المشروع الصهيوني، أو تقطع معه، ومع طبيعة إسرائيل كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية ودينية.

على ذلك، فإن أية خطة لمواجهة محاولات تصفية حق العودة يفترض أن تسترشد بالمبادئ الآتية:

1 ـ إن حقوق اللاجئين، وضمنها حق العودة، هي حقوق فردية وجماعية، ولا يمكن لأي طرف التنازل عنها، أو أن يقرر بشأنها، وأن أي قرار بهذا الشأن يعود للشعب الفلسطيني، سواء تعلق بالخيار الوطني/الجماعي، أو تعلق بحقوق الإنسان/ الفردية.

2 ـ في مختلف جوانب القضية الوطنية، لا يمكن وضع حق مقابل حق، فالعدالة من حق الجميع، والمعنى أنه لا يجوز وضع مطلب حق العودة للاجئين مقابل الحق في التحرر من الاحتلال وإقامة دولة مستقلة في الضفة والقطاع لفلسطينيي 48، والعكس صحيح، مثلما لا يمكن، ايضاً، وضع هذين الحقين، أو الهدفين، أو أي منهما، مقابل حق فلسطينيي 48 بالمساواة، في الحقوق الفردية والجماعية، بما في ذلك اعتبار أنفسهم جزءاً من الشعب الفلسطيني، باعتبار أننا لسنا شعوباً متعددة وإنما شعباً واحداً، في قضيته وحقوقه وهويته وتطلعاته.

3 ـ إن أي حل لأحد جوانب القضية الفلسطينية لا ينبغي أن يكون بديلاً عن إيجاد حل للجوانب الأخرى لهذه القضية، بل ينبغي أن يؤدي، أو يمهّد، لحل الجوانب الأخرى، وصولاً لحل مختلف جوانب هذه القضية، ما يفيد بأن الحق في إقامة دولة لا يجب أن يكون حاجزاً أمام حق اللاجئين بالعودة، ولا أمام حق فلسطينيي 48 بالمساواة الفردية والجماعية، بل يجب أن يمهّد وأن يدعم حق جزء أخر.

4 ـ إن تحسين أوضاع اللاجئين، وضمنه الاهتمام بتحسين أوضاع المخيمات، وإعادة تأهيلها، يعزز من قدرة الفلسطينيين على تنظيم أنفسهم، والتعبير عن ذاتهم، والدفاع عن هويتهم الوطنية، وعن حقوقهم، لا العكس، أي انه ينبغي نبذ الفكرة الخطيرة والبائسة التي روّجتها الأنظمة العربية، وبعض الخطابات الفلسطينية، والتي تعتبر أن مرمطة الفلسطينيين وابقائهم في بؤس مقيم يعزز من هويتهم ومن وطنيتهم. وهذا يعني أيضا الانتهاء من وضع المخيمات المزرية، بإعادة تأهيلها، وربما ببناء وحدات سكنية جديدة بدلها، تتوافر فيها أماكن لائقة لعيش البشر، إذ المخيمات القائمة ليست وطناً بديلاً، وهي أماكن تمتهن كرامة الفلسطينيين فيها، بغض النظر عن الادعاء بتقديس المخيمات، كأنها فلسطين أخرى، أو كأنها دليل وطنية، في حين أن معظم القيادات التي تدّعي كل ذلك، وتتغنى بمكانة المخيمات، لم تسكن قط فيها، ولم تكابد البتّة ما يكابده سكانها.

5 ـ لا يمكن الحديث عن خطة وطنية للحفاظ على حق العودة للاجئين الفلسطينيين من دون اعتبار الفلسطينيين شعباً واحداً، في كافة أماكن تواجده، ومن دون إعادة بناء منظمة التحرير على أسس تمثيلية وديمقراطية ونضالية، باعتبارها الكيان السياسي الموحد والقيادي للشعب الفلسطيني، في كل مكان، ومن دون تمكين الفلسطينيين في كل مكان من تنمية مجتمعاتهم ومواردهم البشرية.

6 ـ لابد لمنظمة التحرير من التصرف ككيان لكل الشعب الفلسطيني، وضمنه العمل على رعاية أحوال الفلسطينيين في بلدان اللجوء، وتقديم الاسناد لهم في مختلف المجالات، ويأتي ضمن ذلك التسهيل عليهم بمنح جواز السفر الفلسطيني لمن يرغب من اللاجئين، بخاصة فلسطينيي لبنان، بحيث يصبحوا في مكانة مقيمين من مواطني دولة أخرى، للتخفيف من المظالم التي يتعرضون لها، ومن هواجس الديمغرافية والطائفية المتعلقة بالتوطين عند البعض في لبنان. ومثلا، فليس من المعقول إبقاء الفلسطينيين اللاجئين يكابدون اللجوء والامتهان والحرمان من الهوية، طوال عقود، ناهيك عن رميهم في خيام على الحدود، لدى أية قلاقل في هذه الدولة أو تلك (كما حصل في العراق ولبنان)، بانتظار تحقيق حلمهم بالعودة إلى أرضهم؛ فاللاجئ الفلسطيني هو إنسان، قبل أي صفة وبمعزل عن أي مكانة أخرى، وله حقوق كفلتها الشرائع السماوية والأرضية، وضمنها حقّه في العيش بحرية وكرامة.

7 ـ إن الحديث عن تنمية المجتمعات، يقصد فيها تنمية المجتمع المدني، وتطوير فاعليته وحيويته، وهذا يشمل الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، وذلك من خلال بناء كيانات اجتماعية واقتصادية وجامعية وبحثية وتعليمية وإعلامية. ويأتي ضمن ذلك توجيه الجهود لإجراء انتخابات عامة لهم في كافة أماكن تواجدهم، بحيث تنبثق عنها هيئات تكون مهمتها تمثيلهم في الكيانات الوطنية الجمعية للمنظمة، وفي المؤسسات التشريعية (المجلس الوطني)، وترعى شؤونهم مع السلطات المحلية في البلدان التي يعيشون فيها.

8 ـ حمل هذه القضية لطرحها في جامعة الدول العربية، لفرض معايير لائقة في التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين، من ضحايا النكبة، في الدول الأعضاء كافة، بكرامة ووفق معايير لائقة، ضمنها إتاحة حرية التنقل والعمل وإتاحة العيش الكريم لهم، وفق منظومة إنسانية وأخلاقية.

9 ـ الدفاع عن بقاء منظمة الأونروا كشاهد سياسي على النكبة، وعلى قضية اللاجئين، ووضع القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، والخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، في أجندة المسائل التي يتم طرحها في المحافل الدولية.

10 ـ إبداء الحذر في التعامل مع خطاب رفض التوطين، وعدم الاحتفاء به، لأنه ينبع، في الغالب، من بيئة استبعادية للفلسطينيين (أي بيئة التوظيف الأمني والسياسي)، أي من نظرة عنصرية، فضلا عن أنه في حقيقته رديف لخطاب التهجير، وهي خطابات تسعى إما إلى توظيف اللاجئين في مآرب مصلحية وسياسية ضيقة، أو تسعى إلى التخلص من قضية الفلسطينيين بالتخلص من وجودهم. ومعنى ذلك أن خطاب رفض التوطين لا يصبّ بالضرورة في طاحونة حق العودة، وربما أن التهويل به يصب في طاحونة التهجير، وتصفية قضية اللاجئين، كما أنه يخلق لدى اللاجئ قلقاً إزاء مصيره كإنسان، وإزاء هويته ومستقبله، ولا شك في أن الخطاب البديل معني بتركيز الدفاع عن حقوق اللاجئين، بجوانبها الإنسانية والسياسية، لا الهروب من المهمات المتعينة (الإنسانية) إلى المهمات السياسية.

11 ـ ربما من الأجدى لخطاب العودة أن يأتي متضمنا في إطار المعادلة السياسية التي تطرح فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية، أو دولة المواطنين، بمختلف أشكالها، أو التي تمهد لذلك، وعلى أساس تقويض الطابع الاستعماري ـ الاستيطاني العنصري والديني لإسرائيل، علما أن ذلك لا يعني وضع خيار الدولة الواحدة كمقابل أو كبديل لخيار الدولة في الضفة والقطاع.

 

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]