ماجد كيالي يكتب: تفكُّك الحقل السياسي الفلسطيني

ماجد كيالي

في نقاش وضع الحقل السياسي الفلسطيني، اليوم، ليس مناسبا، ولا مجديا، التعامل وفق البديهيات السائدة، فثمة تحولات كبيرة وعميقة ونوعية في مجتمعاتهم، في جميع أماكن تواجدهم، ومكانة قضيتهم تراجعت في الأجندات العربية والدولية، أما حركتهم الوطنية فلم تعد هي ذاتها، لا في دورها في صراعها مع عدوها، ولا في مكانتها إزاء شعبها، وحتى إسرائيل فقد أضحت أكثر قوة من ذي قبل، سيما مع تحول في معسكر الأصدقاء التقليديين للفلسطينيين لصالحها، وهذا يشمل روسيا والصين والهند، التي بات لها معهم علاقات وطيدة ومتميزة.

على صعيد إدراكات الفلسطينيين لذاتهم كشعب، يمكننا ملاحظة صعود الحاجات والأولويات المحلية، على حساب المشترك العام، بين الفلسطينيين كشعب، وكأننا بتنا إزاء “شعوب” فلسطينية متعددة، حيث ثمة فلسطينيو 48، وفلسطينيو غزة، وفلسطينيو الضفة، وفلسطينيو القدس، وفلسطينيو الأردن، وفلسطينيو لبنان، وفلسطينيو سوريا، والفلسطينيون في بلدان اللجوء والشتات الأخرى.

ثمة من قد يجادل بأن ذلك أمر قديم، لكن الفارق أن هذا الأمر بات له 75 سنة، وتلك فترة طويلة بمعنى نشأ فيها عدة أجيال، مع ما يترتب على كل ذلك من اختلاف في المفاهيم والأولويات، لكن ما رسخ، أو فاقم من ذلك، هو تراجع الإجماع الوطني، وتهميش الإطار الوطني، فنحن إزاء حركة وطنية أضحت متقادمة أيضا، إذ بات عمرها 56 عاما، بدون أن تحقق إنجازات ملموسة إزاء إسرائيل، إلى الدرجة التي تتناسب مع التضحيات التي قدمت. وطبعا يأتي ضمن ذلك واقع أفول، أو تهميش، منظمة التحرير التي يفترض أنها الكيان السياسي الجامع للفلسطينيين، كما أن ذلك ناجم عن تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرر وطني إلى سلطة تحت الاحتلال، لجزء من شعب في جزء من أرض مع جزء من حقوق، يضاف إلى ذلك اختفاء مجتمعات اللاجئين، في لبنان وسوريا والعراق، بحكم الاضطرابات والتحولات السياسية في تلك البلدان، سيما مع إخراجهم من المعادلات الفلسطينية بعد إقامة السلطة.

في غضون ذلك فإن انكسار التضامن العربي، بخاصة منذ احتلال العراق للكويت (1990)، ونشوء محاور عربية وإقليمية، وظهور تحديات إقليمية جديدة، سيما مع صعود نفوذ إيران في دول المشرق العربي (من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا)، منذ أكثر من عقدين، وصعود الدور التركي في السنوات الماضية، كل تلك الأوضاع أدت إلى نشوء مخاطر وتحديات جديدة صرفت، أو بررت انصراف، العالم العربي، بأنظمته، وحتى بمجتمعاته، عن اعتبار قضية فلسطين ضمن أعلى أولوياته، ولو نظريا، لأنها لم تكن كذلك، أصلا، من الناحية العملية ولا في أي مرحلة مضت، إذا استثنينا حالات توظيف أو استخدام تلك القضية.

على الصعيد الكياني، وعدا عن تهميش منظمة التحرير لصالح كيان السلطة، الناشئ في الضفة وغزة، فإن واقع الفصائل الفلسطينية يدعو للرثاء، فمعظم تلك الكيانات أضحت تعيش على تاريخها، أو على نظام المحاصصة الفصائلي (“الكوتا”) أو على الخلاف بين فتح وحماس، أو على الدعم الذي تحظى به من هذا النظام العربي أو ذاك، أي أنها لا تعيش على تميزها السياسي أو الفكري، أو على دورها في مصارعة إسرائيل. وعمليا فثمة في الساحة الفلسطينية أكثر من 25 فصيلا أو حزبا أو حركة، لكن ثمة فصيلان كبيران مقرران ومهيمنان، هما: فتح، وهي السلطة في الضفة، وحماس وهي السلطة في غزة، وثمة 18 فصيلا، ضمنهم الجبهة الشعبة التي حصلت على ثلاثة مقاعد في الانتخابات التشريعية الثانية (2006)، في حين أن ثلاثة كيانات حصلت على مقعدين فقط، هي الجبهة الديمقراطية وحزبا الشعب وفدا؛ وطبعا ثمة ستة كيانات لفلسطينيي 48. أي أنه إذا استثنينا فتح وحماس، وربما الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع العربي الديمقراطي (في مناطق 48) لاستنتجنا أن ثمة فراغ سياسي كبير عند الفلسطينيين، مع قوى تفتقد للحراكات السياسية، وللتداول، وللحياة الداخلية الديمقراطية.

هكذا، فبالنظر لكل تلك الأوضاع بتنا نشهد بين فترة وأخرى ظهور مبادرات شعبية، في مختلف التجمعات الفلسطينية، مثل الحراكات الشبابية، وحركات العودة، ومؤتمرات فلسطينيي الخارج، ومؤتمرات الجاليات الفلسطينية في بلدان الشتات الأجنبية، وحركة بي دي إس لمقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها، والحملة الدولية من أجل الدولة الواحدة، والمبادرات المطالبة بإجراء انتخابات للمجلس الوطني لإعادة بناء منظمة التحرير، كما ثمة الملتقى الفلسطيني الذي يضم، في ظاهرة هي الأولى من نوعها، فلسطينيين من كل أماكن وجود الفلسطينيين وضمنهم فلسطينيو 48، ويسعى لاستقطاب شخصيات مؤثرة من مثقفين وكتاب وأكاديميين وفنانين، لصوغ رأي عام فلسطيني، والضغط على الطبقة السياسية المهيمنة، انطلاقا من وحدة الشعب والأرض والقضية، وترجمة ذلك على صعيدين: في صوغ رؤية وطنية جامعة، وفي بناء كيان سياسي جامع (منظمة التحرير).

مشكلة معظم تلك المبادرات والتشكيلات أنها تشتغل في واقع صعب ومعقد، وأنها متفرقة، وأنها تشتغل على مسائل جزئية، وهو ما يحاول ملتقى فلسطين تجاوزه، علما بأن الأمر يحتاج إلى جهود مثابرة، وقوية، بالنظر لغياب إقليم موحد للفلسطينيين، وبالنظر لتوزعهم على بلدان عديدة، وخضوعهم لأنظمة سياسية مختلفة ومتباينة.

الأمر الأكيد أن ثمة ظواهر فلسطينية جديدة، تبشر بأن الأجيال الفلسطينية الشابة تحاول أن تبحث لها عن مكان تحت الشمس، وأن البني القديمة لم تعد تجاوب على الأسئلة لا القديمة ولا الجديدة، للقضية الفلسطينية، بيد أن الأمر الأكيد الآخر، يفيد بأن القديم لايزال يصارع من أجل البقاء، لمجرد البقاء، وأنه أضحى يشكل قيدا على الجديد، وكابحا له.

هكذا، فرغم محاولات الطبقة السياسية الفلسطينية المهيمنة على المجال العام الفلسطيني، ولاسيما في سلطتي فتح في الضفة، وحماس في غزة، لم تعد ساحة العمل السياسي الفلسطيني قاصرة على فصائل المقاومة المعروفة، أو على الأحزاب المنضوية في إطاري المنظمة والسلطة، وإنما باتت تشمل قطاعات واسعة من الفلسطينيين المستقلين، الذين يعملون من خارج هذه الإطارات السياسية، ضمن مروحة واسعة من التشكيلات ذات الطابع السياسي أو الحقوقي أو المطلبي أو الثقافي أو الخدمي أو الخيري، التي باتت تستقطب مثقفين وناشطين من العاملين في الشأن العام.

من جهة، يمكن النظر إلى هذه الظاهرة، التي تتمثل ببروز شريحة كهذه، بين الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، باعتبارها دليلاً على حيوية المجتمع الفلسطيني، ودليلاً على تبلور المجتمع المدني عندهم، بالتوازي مع السلطة، ومع القوى السياسية المسيطرة، وليس بالضرورة ضدها.

لكن من جهة أخرى، يمكن النظر إلى هذه الظاهرة باعتبارها، أيضاً، دليلاً واضحاً على وجود فراغ سياسي بات يسود الساحة الفلسطينية، ناجم عن انحسار شعبية الفصائل السائدة، وتآكل دورها، وتوافر قناعة بعدم قدرتها على استيعاب القطاعات الجديدة من الشباب في صفوفها.

ويمكن أن نضيف إلى ما سبق ذكره إحباط قطاعات الشباب من الحالة التي وصلت إليها الفصائل السائدة نتيجة خلافاتها وانقساماتها وتنافساتها، وأيضاً بسبب إخفاقها في الخيارات التي أخذتها على عاتقها، سواء المتمثلة في المقاومة أو التسوية، في المفاوضة أو الانتفاضة.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]