ماجد كيالي يكتب: عن استهلاك وتقادم النظام السياسي الفلسطيني

ماجد كيالي

ظلّت الحركة الوطنية الفلسطينية (أو معظمها) تطالب بدولة واحدة، منذ منتصف السبعينيات، لكنها مع العام 2007، أي بعد الخلاف الحمساوي الفتحاوي، وجدت نفسها في واقع سلطتين وحكومتين، بيد أن كل واحدة منهما تخضع، مباشرة أو مداورة، لهيمنة إسرائيل وقيودها، وكل واحدة منهما لا تعمل إزاء الأخرى بشكل تعاضدي أو تكاملي، للتخلّص من هذا الواقع، بقدر ما تعمل بطريقة ضدّية وتنافسيّة وتناحريّة، تضر بمصالح الشعب الفلسطيني وبالحركة الوطنية الفلسطينية وأيضا بالفصيلين/ السلطتين، (أي فتح وحماس).

فوق ما تقدم فقد بات للفلسطينيين حوالي 14 تشكيلة حكومية (منذ إنشاء السلطة في 1994)، بواقع حكومة كل عام ونصف العام، هذا دون أن نذكر تشكيل حكومتين في غزّة منذ الانقسام في 2007. وهذا يفيد بأن الفلسطينيين ربما بات لديهم، في هذه الفترة القصيرة، أكبر عدد من الوزراء بالقياس لأي دولة أخرى في العالم، مع 24 وزيراً في كل حكومة.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فثمة أيضاً جيش من وكلاء وزراء ومديري عموم للوزارات وقادة أجهزة أمنية وسفراء ومستشارين، وكل ذلك يتطلّب بداهة موازنات ورواتب باهظة ومصاريف مهمّات تشكّل عبئاً ضاغطاً على كاهل الفلسطينيين، الذين يعانون أصلاً قلة الموارد الذاتية، ويرتهنون في مداخيلهم إلى المساعدات الخارجية.

ثمة إلى جانب السلطة منظمة التحرير، أيضا، إذ إن تلك رغم أنها همشت، أو هشمت، ما زال جسمها موجوداً، بغض النظر عن فاعليته، إذ لا يتم تشغيله إلا في المناسبات، أو لأغراض تغطية الفراغ السياسي أو فقدان الشرعية. وعليه، فثمة لجنة تنفيذية، ومجلس مركزي، ومديرو دوائر، ومدريرو مكاتب، كما ثمة موازنات ورواتب.

أما الفصائل الفلسطينية، وهي الضلع الثالث، في مثلّث الكيانات السياسية، فتمثل 16 فصيلاً، بحجم يزيد حتى على الأحزاب الموجودة في دول كبرى عديدة! علماً بأن ثمة لكل فصيل قيادة ومكاتب وموازنات ومتفرّغين، ونظاماً من العلاقات البينية، والاعتمادية في الموارد، وارتهانات وتوظيفات سياسية، على رغم أن معظم هذه الفصائل لم تعد لها أي مكانة تمثيلية في مجتمعات الفلسطينيين في الداخل والخارج، وليس لها أي دور في مواجهة العدو الإسرائيلي، كما ليست لها أي هوية فكرية أو سياسية. وتفسير هذا الوضع الشاذ أن النظام السياسي الفلسطيني السائد منذ أكثر من أربعة عقود، تأسّس على نظام المحاصصة الفصائلية (الكوتا)، الذي يؤبّد هذا الواقع ويعيد إنتاجه، رغم التطوّر المتمثل بوجود انتخابات تشريعية في الداخل، مع إنشاء السلطة (1994).

يستنتج من كل ما تقدم أن ثمة شبكة من القياديين والمتنفّذين في كل هذه الكيانات باتت بمثابة طبقة سياسية قائمة في ذاتها ولذاتها، وأضحت من الرسوخ بحيث تستطيع فرض مفاهيمها وعلاقاتها وأشكال عملها على الحقل السياسي بمجمله، أي على المنظمة والسلطة والفصائل، وأصبحت من القدرة بحيث تستطيع إعادة إنتاج نفسها بنفسها، ضمن منظومة من علاقات ووسائط السيطرة السياسية والمالية والأمنية وبفضل ما تحوزه من فائض قوّة تستمدّه من علاقاتها الإقليمية.

وتكمن مشكلة هذه «الطبقة» في حرصها على حراسة واقع التكلّس في البنى والسياسة في الساحة الفلسطينية، وفي سعيها إلى تأبيد مكانة السلطة ولو على النحو الذي هي عليه، وفي إصرارها على استمرار المفاوضات، رغم تبيّن عدم جدواها وإضرارها بمصالح الفلسطينيين، وفي ممانعتها لأي تطوير أو تجديد في منظومة الكيانات والخيارات الوطنية، وكل ذلك في سبيل الحفاظ على مكانتها وامتيازاتها ونفوذها.

بدهي أن ثمة عوامل تسهّل لهذه «الطبقة»، التي باتت بمثابة «جيش»، تعزيز هيمنتها على الفلسطينيين، والسيطرة على حراكاتهم الشعبية، تكمن في: أولاً، تمزّق المجتمع الفلسطيني، الذي يتوزّع على بلدان عديدة، ويخضع إلى سلطات وظروف متباينة، ما يضعف الحراكات المجتمعية ويشتّت قوّتها وفاعليتها.

ثانياً، عدم اعتماد الكيانات السائدة على موارد شعبها، بقدر ما أن قطاعات من شعبها تعتمد في مواردها عليها (لا سيما في الأراضي المحتلة وإلى حدّ أقل في مخيمات لبنان). وبدهي أن الارتهان المعيشي ينجم عنه نوع من ارتهان سياسي.

ثالثاً، لم تعد الشرعية السياسية الفلسطينية، منذ زمن، تتحدّد بعلاقات الإقناع، وبالدور الوطني، وبصناديق الاقتراع، بقدر ما باتت تخضع لوسائط السيطرة المباشرة عبر الأجهزة الأمنية، والتحكّم بمورد العيش، والنفوذ السياسي.

رابعاً، غلبة الروح الأبوية، وعلاقات المحسوبية والزبائنية في الكيانات السياسية بمجملها، على حساب الطابع المؤسّساتي والعلاقات الديمقراطية والروح النقدية.

خامساً، تستمد الطبقة السائدة بعضاً من شرعيتها من ماضيها النضالي، بسبب انتمائها إلى جيل الآباء المؤسّسين للثورة المعاصرة، لا سيما في ظل سيادة نزعة عاطفية بين الفلسطينيين تقدّس التضحيات من دون السؤال عن الإنجازات أو حسابات الجدوى.

وقد يجدر التذكير هنا أن هذه «الطبقة»، التي تشكّل في حدّ ذاتها جسماً وازناً في الكيانات السياسية (المنظمة والسلطة والفصائل)، لديها عشرات الألوف من المتفرّغين في الأجهزة السياسية والأمنية والخدمية التابعة لفصائلها، كما يدخل في حسبان مصادر قوّتها موظفو السلطة، من العاملين في السلكين المدني والأمني، والذين يناهز عددهم حوالي 160 ألفاً، ثلثهم وربما أكثر في الأجهزة الأمنية (دون تعديد منتسبي تلك الأسئلة عند حماس في غزة).

ولعل أهم ما يجب لفت الانتباه إليه أن هذا الواقع، الذي يشكّل أحد مصادر القوّة والشرعية للطبقة السائدة في النظام الفلسطيني، والذي تحاول من خلاله إشاعة مفاهيمها وخياراتها السياسية، بشأن المفاوضة والتسوية، هو نفسه الذي يضع قطاعات من الفلسطينيين، نظرياً وعملياً، أمام إشكاليتين، سياسية وأخلاقية، لا سيما في المفاضلة بين حقوقهم الشرعية وهويّتهم الوطنية من جهة، وأوضاعهم المعيشية من جهة أخرى. هكذا، ففي الظروف الصعبة والمعقّدة التي يعاني منها الفلسطينيون، باتت القطاعات المرتبطة بالسلطة أمام وضع يتطلّب منها الاختيار بين قبول التعايش مع الاحتلال أو السكوت عن استمراره والقبول بالتنسيق الأمني معه، مع التغطّي بالعملية التفاوضية ووجود كيان السلطة، أو رفض هذا الواقع، والانحياز إلى مصالح عموم الشعب، وإفراز أشكال من المقاومة المناسبة ضد الاحتلال، ما يهدّد بفقدانها مصدر الدخل، المتأتي من استمرار السلطة بواقعها الراهن.

معلوم أن الخيار الأول يعمّق أزمة الطبقة السياسية السائدة وحال الانقسام في نظامها السياسي، والأهم أنه يهدّد بافتراقها عن الحراكات الشعبية التي تتّجه نحو التنامي في مواجهة إسرائيل الاستعمارية والعنصرية. في حين يفتح الخيار الثاني على استعادة الحركة الوطنية طابعها كحركة تحرّر وطني، وإنهاء الانقسام، وإعادة تأسيس كياناتها على قواعد مؤسّسية وتمثيليّة وديمقراطية، واعتماد خيارات وطنية تعيد الاعتبار للمطابقة بين قضية فلسطين وأرض فلسطين وشعب فلسطين وحركتها الوطنية.

نعم ثمة واقع يدفع نحو تنامي هذا المسار في تجمّعات الفلسطينيين كافة، في الداخل والخارج، وفي مواجهة سلطتي «فتح» و«حماس»، وكل الطبقة السياسية السائدة والمتقادمة، في الكيانات الفلسطينية (المنظمة والسلطة والفصائل).

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]