ماجد كيالي يكتب: عن المونديال وحديث الوحدة العربية

ماجد كيالي

فجأة بدا لبعض المحللين والمثقفين والسياسيين أن المشاعر المشتركة التي عبر عنها متابعو مونديال قطر، إزاء الفرق العربية التي شاركت في ذلك المونديال، باعتبارها دلالة على ترسخ فكرة القومية العربية، ودلالة نهوض للنزعة الوحدوية لدى الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج؟

ثمة مشكلات كثيرة لهذا الإنتاج، فهو على أهميته، وعفويته، ينطوي على تسرع، وعلى تسطيح للمسائل، فالفكرة القومية لا تنتمي على المشاعر، وإنما على الإدراكات العقلية، والمصالح المشتركة والخطوات العملية، والمؤسسات السياسية والمشاريع الاقتصادية. والأهم من ذلك أن الاستنتاج المذكور يجهل، أو يتناسى، أفول فكرة الوحدة العربية، وإخفاق مشروعاتها طوال العقود الماضية، تماما مثلما أخفقت مشروعات تحرير فلسطين، أو التقدم الاقتصادي.

هكذا فإذا كان يمكن إحالة استعصاء حل قضية فلسطين إلى ميل موازين القوى، والمعطيات الدولية والإقليمية، لصالح إسرائيل، كما إحالة التعثر في مسألة التقدم الاقتصادي إلى العوامل الخارجية، وافتقاد القدرة على امتلاك ناصيتي العلوم والتكنولوجيا، ففي ما يخص قضية الوحدة العربية، أو التكامل الاقتصادي العربي، فإن العوامل الداخلية، أكثر من الخارجية، هي التي تتحمل مسؤولية تعثر تلك المشروعات.

ففي مرحلة مضت بدا بأن القوى الاستعمارية، ثم الامبريالية، هي العائق الأساس أمام توحد الأمة العربية في دولة واحدة، من دون الالتفات للعوامل الداخلية، وأهمها ضعف الاندماج الاجتماعي، وغياب مفهوم المواطنة، وسطوة المكونات والانتماءات القبلية (العشائرية والطائفية والمذهبية والاثنية)، وتدني مستوى المصالح البينية.

وفي الواقع فإن المنظرين للفكرة القومية العربية، في غمرة حماسهم لمشروعهم، لم يلحظوا ضيق حيز قاعدة المصالح المشتركة بين الأقطار العربية الناشئة، فليس ثمة قوى اقتصادية ناهضة، كتلك البرجوازية التي عرفتها البلدان الأوروبية، أبان الثورة الصناعية،  ولا ثمة عمليات أو فوائض إنتاجية، تحتاج إلى سوق أوسع يوحد السوق القومية.

ومثلاً، حتى عندما احتاجت الدول النفطية (الخليجية مثلاً) إلى عمالة عربية، فإن هذا الأمر لم يكن يعني شيئاً لجهة خلق مصالح مشتركة، ومتبادلة، إذ استوردت هذه الدول الأيدي العاملة كما تستورد الشركات العمال، أي وفق قواعد عمل صارمة، وباعتبار العمل مجرد سلعة. وتفسير ذلك أن سوق النفط لم يكن في الأسواق العربية المجاورة وإنما كان في أسواق الدول الغربية.

وكما نعلم فإن الثروة النفطية كانت عزّزت علاقة الدول المنتجة بالدول الغربية المستوردة، وأنشأت علاقة اعتمادية معها، هي أكثر بكثير من علاقاتها مع محيطها العربي. أما بالنسبة لباقي البلدان العربية، غير النفطية، فلم تشهد تطوراً في قطاعاتها الإنتاجية، ولم تقدم أنموذجاً اقتصادياً يُحتذى، لشدّ الدول العربية الأخرى إليها؛ وحتى الآن فإن مجمل القدرة التصديرية لمجمل الدول العربية، من البضائع المصنعة، لا تشكل شيئاً يُذكر من حجم الصادرات العالمية من البضائع المصنعة.

على ذلك، فإن معضلة المشروع القومي تتمثل في تأسّسه على اعتبار الفكرة القومية العربية، بمثابة فكرة ناجزة، ومطلقة، تتطلب التحقق فحسب، بدعوى أن الأمة العربية تعد مشروعاً لا يفتقر إلا إلى التجسّد في دولة، وبدعوى عوامل التوحّد في اللغة والتاريخ والجغرافيا والمصير.

الأمر الآخر الذي لم تلحظه الخطابات العربية، الإنشائية بطبيعتها، أنها لم تولِ اهتماماً مناسباً لطبيعة نظم الحكم، أو السلطة، في البلدان العربية، التي طغت على الدولة، بحيث بتنا أمام واقع وجود سلطات وسيادات متباينة ومختلفة، ومتخلفة، في البلدان العربية، تقوم بدورها بإنتاج العلاقات والمصالح والانتماءات التي تسهم بترسيخها، على الضد من المشروع القومي، الذي يتطلب تنازلات متبادلة في السيادة والسلطة؛ كما هو حاصل في مسار الاتحاد الأوروبي، حيث تنازلت الدول الأوروبية عن بعض مجالاتها السيادية لصالح مشروعها الوحدوي.

وتفسير ما حصل في أوروبا، وما لا يحصل عندنا، هو وجود الدولة عندهم باعتبارها مجالاً عاماً، أي باعتبارها دولة مواطنين ومؤسسات وقانون، في حين أن الدولة العربية لم تنجز ذلك بعد، لوقوعها في أسر «السلطة»، التي باتت تعتبرها مجالاً خاصاً، لا شأن للرعية به.

وعند كثيرين فإن الفكرة القومية العربية لم تفرق، أو لم تميز، بين ما يمكن تسميته العروبة الثقافية، والعروبة السياسية، ولا بين التعصب للعروبة وبين إمكان اعتبارها حاضناً رحباً لمكونات المجتمعات العربية، كما لم تميز بين التحديات الخارجية التي ينبغي مواجهتها لتحقيق الوحدة، وبين متطلباتها الداخلية، التي لا تستقيم الواحدة من دونها.

وفي الواقع فإن الفكرة القومية العربية تدين بحضورها في السياسة العربية إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وإلى ثورة يوليو في مصر، أكثر من أي شيء آخر، من دون أن نقلّل من أهمية التداعيات التي ولّدتها في المحيط العربي، ولا من قيمة الفكرة القومية العربية، بحد ذاتها، لجهة عدالتها وشرعيتها في الواقع العربي، بدليل أن الحركات القومية العربية لم تنشأ إلا في المشرق العربي ومصر، وفقط.

على أي حال فإن إحالة تعثر فكرة القومية العربية إلى العوامل الداخلية، لا تلغي، أو لا تطمس، دور العوامل الخارجية (وضمنها التحدي الإسرائيلي) في إعاقة قدرة البلدان العربية على التوحد، أو الالتفات لمشروعات التكامل الاقتصادي.

عموما فإن الوحدة العربية شيء، وهي أمر سياسي، ويحتاج إلى روافع اقتصادية، وحوامل شعبية، في حين المشاعر الناشئة عن التعاطف مع فرق كرة القدم شيء آخر.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]