ماجد كيالي يكتب: عن حال الجمود والتكلس في معنى ومبنى السياسة الفلسطينية

ماجد كيالي

ليس ثمة ما يشير إلى إمكان تراجع إسرائيل أمام الفلسطينيين، في أوضاعهم الراهنة، الصعبة والمعقدة، سيما أن حركتهم الوطنية، أو قيادتهم، أضحت، منذ زمن طويل، أسرى العملية التفاوضية، أو أسرى مكانتها في السلطة، وطالما أن رئيسهم (أبو مازن)، يكرر صبح مساء، مقولة أن “لا بديل عن المفاوضات سوى المفاوضات“، وأن الطبقة السياسية السائدة لديهم باتت مدينة لعملية التسوية، وللنظام السياسي الذي تمخضت عنه تلك العملية، بالمناصب والمنافع والامتيازات السلطوية المتضمنة فيه، كما هي مدينة للدول المانحة، بواقع وجود حوالى 180 ألف موظف (في السلكين المدني والأمني)، ولعل هذا ما يفسر الجمود الحاصل في السياسة وفي الكيانات وفي الخيارات الفلسطينية.

في المحصلة، وفي وضع هو على هذه الشاكلة، فمن الطبيعي أن تصبح فكرة “التسوية“ بمثابة أيديولوجية سياسية، وأن تغدو المفاوضات بمثابة طريقاً استراتيجية لا محيد ولابديل عنه، وأن تبدو السلطة بمثابة الهدف المتوخّى؛ لاسيما أن هذا الأمر لا يقتصر على الفلسطينيين، وإنما يشمل النظام العربي، الذي بات يعتبر السلام خيارا استراتيجيا له، أقله منذ عقدين من الزمن (أي منذ مؤتمر مدريد). وبديهي فإن وضعا كهذا لا يسمح، أو لا يحفّز، على التفكير ببدائل، غير المفاوضات، لأن هكذا تفكير يعد ضربا من ضروب الهرطقة والتمرد والخروج عن المألوف، ونوعا من زعزعة الوضع السائد.

الآن، ليس القصد من هذا الكلام الإيحاء بأن ثمة خيارات بديلة، ممكنة، كخيار العودة للمقاومة المسلحة، أو الدعوة لإطلاق انتفاضة ثالثة، أو حل السلطة، أو التحول من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة (ثنائية القومية أو دولة المواطنين)؛ وغيرها من الخيارات التي يحلو للبعض إشهارها بين وقت وأخر، بغض النظر عن النوايا، وإنما القصد من هذا الكلام التأكيد بأن الواقع الفلسطيني الراهن بات في تدهور مريع، بحيث انه لم يعد قادرا على حمل أي من الخيارات أو البدائل المطروحة.

ومشكلة الفلسطينيين، منذ زمن، لم تكن تكمن فقط في ولوج عملية التسوية، ولا في السير في طريق المفاوضات السرية أو العلنية، المباشرة أو غير المباشرة، وإنما تكمن، مع كل ذلك، في ضعف بناهم، وتخلف إدارتهم، إن في صراعهم ضد عدوهم أو في بنائهم لأوضاعهم، كما تكمن في تضعضع علاقاتهم واجماعاتهم الوطنية الداخلية؛ وهنا تكمن الطامة الكبرى، ومكمن العجز في الساحة الفلسطينية.

ويستنتج مما تقدم أن الواقع الفلسطيني اليوم غير مؤهل البتة لا لوقف عملية التسوية، ولا لمراجعة هذه العملية، ولا للتأسيس لطريق بديل، بحكم افتقاده للبنى والإمكانيات والاجماعات اللازمة لأي من هذه الخيارات، وقد شهدنا في الأعوام القليلة الماضية وقف السلطة للتنسيق الأمني، ثم إقلاعها عنه بعد أشهر قليلة، كما شهدنا قرارها تنظيم الانتخابات ثم سحبها لذلك القرار، كما شهدنا تزايد الجهود لإنهاء الانقسام الفلسطيني ثم تعثر كل تلك الجهود.

هكذا يمكن القول، مع الأسف، بأن ثمة سذاجة، أو نوعاً من التورية، في مطالبة الساحة الفلسطينية، بفصائلها القائمة اليوم، بالقيام بأي من ذلك، لأن تلك الفصائل هي في أساس تخلف العمل الوطني، وهي المسؤولة عن تدهور الحركة الوطنية الفلسطينية، مع التركيز على أن المسؤولية الأساس تقع على عاتق حركتي فتح وحماس، المهيمنتين، بقوة السلاح والمال (وليس بقوة الإقناع أو المثال)، في المجتمع الفلسطيني.

ما الخيارات البديلة إذن؟ هو سؤال مراوغ، وإن كان سؤالا حقيقيا، ومشروعا، لأن هكذا سؤال ينطوي على التواطؤ مع الواقع الفلسطيني السائد، ومجاملته، وحجب المسؤولية عنه، كونه ينطلق من إمكان وجود بدائل، في ظل أدوات وبنى وأشكال عمل “أكل عليها الدهر وشرب”، ناهيك عن أن الزمن والتجربة أثبتا تراجع أهليتها وخبو إرادتها وخوار قواها.

على ذلك فإن السؤال الأكثر إلحاحا اليوم، ليس عن البدائل السياسية المتاحة (على أهميتها) وإنما هو عن توليد سياسة فلسطينية ذات معنى ومبنى، سياسة تتأسس على إعادة بناء المجال المجتمعي الفلسطيني، الذي بات أكثر انكسارا وتشظيا من ذي قبل؛ وعن كيفية إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، أي إعادة بناء مؤسساتها وهياكلها الجامعة (المنظمة والسلطة والفصائل)؛ وهو أيضا عن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني التحرري الفلسطيني، بما هو مشروع مناهض للاستعمارية الصهيونية، الاستيطانية، والعنصرية، والدينية (اليهودية)، وكمشروع ينبني على استعادة التطابق بين شعب فلسطين وأرض فلسطين وقضية فلسطين والرواية التاريخية المؤسسة للهوية الوطنية الفلسطينية والقائمة على النكبة، أي إقامة إسرائيل وتشريد الشعب الفلسطيني وولادة مشكلة اللاجئين؛ لا على الرواية المتأسسة على الاحتلال الذي بدأ عام 1967.

هكذا ثمة بديل، بمعنى ومبنى، لذا فإن ما ينبغي إدراكه هو أن أي خيار آخر، خارج الإطارات والخيارات السائدة، أو الجامدة، يحتاج أساسا إلى وعي آخر، مغاير، (وعي وطني لا فصائلي)، كما يحتاج لبني ومؤسسات وعلاقات وأشكال عمل، تبني على التجربة الماضية، بسلبياتها وإيجابياتها، ما يمهد لفتح أفق جديد أمام الفلسطينيين؛ أفق استحقوه بمعاناتهم وتضحياتهم وكفاحهم، لا أفق مبني على الأوهام.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]