ماجد كيالي يكتب: فيما يخص خطابات حماس وقائدها السنوار
كان لافتا تصريح يحيى السنوار، المتعلق بتلويحه، أو بشرحه، معنى الرقم 1111، باعتباره يوم وفاة ياسر عرفات (في العام 2004)، وكدلالة على الصواريخ التي ستضربها حماس على إسرائيل في حال انتهكت حرمة المسجد الأقصى، متوخيا في ذلك مخاطبة واستقطاب جمهور فتح، والرأي العام الفلسطيني.
وإذا كان هذا الخطاب ينم عن روح برغماتية، فإن مشكلته تكمن في غياب ترجمات له في الثقافة السياسية لمنتسبي حماس، كما يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن الخطاب السياسي التقليدي لتلك الحركة، بل إن ذلك الخطاب كان مناسبة للبعض للتذكير بسيل الاتهامات التي كيلت على الزعيم الفلسطيني الراحل من قبل قياديي حماس، وضمنها اقتحام مقره لدى استيلاء الحركة على قطاع غزة صيف 2007.
عموما، ثمة مشكلة في حماس، فهي ضمن منظومة العمل الوطني الفلسطيني، بخطاباتها وأشكال عملها، رغم بعض التباينات الطفيفة أو المصطلحات المختلفة، وهي خارج تلك المنظومة، ببناها وأشكال عملها وممارساتها، كونها جزءًا من تيار “الإسلام السياسي”، أو احتسابها على هذا الأساس، أي النظر إليها كحركة وطنية، وكحركة “إسلامية”.
أيضا، ثمة مشكلة في اعتبار تلك الحركة، ضمن واقعها في غزة، باعتبارها كسلطة على الفلسطينيين، مثل سلطة فتح في الضفة، وبنفس الوقت احتسابها كحركة مقاومة، بالنظر لتجربتها في ذلك القطاع، وبالنظر للحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.
معلوم أن مصدر تمايز “حماس” عن غيرها، من الفصائل السائدة، أولاً، أنها انطلقت في العام 1987، أي بعد أزيد من عقدين، من انطلاقة تلك الفصائل، بمعنى أنها حركة جديدة أو شابة وفقاً لهذا المعيار، وأنها أتت في طور أفول الحركة الوطنية الفلسطينية وتيار الكفاح المسلح بعد الخروج من لبنان (1982). ثانياً، أنها نشأت في الداخل أساساً، سيما في قطاع غزة، في حين نشأت الفصائل الأخرى في الخارج في بلدان اللجوء أساساً (الأردن ولبنان وسوريا). ثالثاً، أن تلك الحركة انطلقت في خلفيتها من منظور ديني، في حين أن الثانية يحكمها المنظور السياسي. رابعاً، أن “حماس” لم تنضو في إطار منظمة التحرير، ولم تخضع لأطرها، ولم ترتهن لمواردها، على خلاف الفصائل الأخرى. وخامساً، أنها الحركة الوحيدة التي بدا أنها تنافس “فتح”، التي قادت العمل الوطني الفلسطيني المعاصر، منذ نصف قرن، معتمدة في تعزيز مكانتها على ممارستها الكفاح المسلح، واستنادها إلى محاور عربية معينة، وحصولها على مصادر مالية خارجية خاصة.
بيد أن ذلك التمايز لم يفد بتمييز “حماس” إيجابيا عن غيرها، من الأجسام الفلسطينية الموجودة، بل ربما أضرّ بها، أو حدّ من مكانتها في مجتمعات الفلسطينيين، في الداخل والخارج، وأضعف من قدرتها على منافسة “فتح”، بل إن هذا الوضع عزز من تطبيع “حماس” مع المنظومة السياسية السائدة من مختلف النواحي.
بمعزل عن ذلك، ثمة ملاحظتان، أولاهما، أن السنوار لم يأت بجديد على صعيد الخطاب السياسي لحماس، وإن ظهر وكأنه يتحدث بلغة حامية، أو صاخبة، لأن معظم الجمهور من المتابعين والمهتمين، ومنهم الحمساويون، إما لا يتمعّنوا جيداً بخطابات حركة “حماس” وقادتها، أو أنهم غير مبالين بها، أو يعتبرونها مجرد شطارة، وتحايلاً، على الواقع، أي مجرد تكتيك لا أكثر، لتعزيز مكانة الحركة. وفي الحقيقة فإن خطاب السنوار هو ذاته خطاب “حماس”، بيد أن الاستقطابات والمزايدات الفلسطينية تحجب أو تشوش ذلك، فهكذا كان تحدث الشيخ أحمد ياسين، مؤسّس تلك الحركة، وهكذا تحدث مرارا خالد مشعل، الرئيس السابق لمكتبها السياسي، وحتى أن وثيقة “حماس” الجديدة، التي صدرت صيف العام 2017، نصّت في البند (19)، على: “إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، مع عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم التي أخرجوا منها”؛ وهو ذاته البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير، لأكثر من أربعة عقود، والذي استندت إليه قيادة المنظمة في عقدها اتفاق أوسلو (1993)، المجحف والناقص، علما بأن ذلك البرنامج، في حينه، لم يستبعد الكفاح المسلح، وإقامة سلطة وطنية مقاتلة.
أما الملاحظة الثانية، فتفيد بالتذكير أن السنوار ذاته، لطالما أدلى بتصريحات مختلفة، وصارخة، وضمنها تصريحه في غزة (أغسطس 2018) الذي قال فيه: “الحصار على القطاع سيكسر قريباً…سنقلب مرجل الجمر في وجهه (الاحتلال) وستدوّي صفارات الإنذار في غوش دان (تل أبيب ومحيطها)، في حال فشلت جهود التهدئة وشن عدواناً جديداً على غزة…في حال «دفعونا إلى الحرب، فقوتنا أصبحت عشرات أضعاف عام 2014، موجات من الصواريخ، وما ضرب طيلة أيام عدوان 2014، على (تل أبيب) سيضرب في 5 دقائق، وسيتكرّر هذا الأمر مرات ومرات”. («فلسطين اليوم»، 30/8/2018) ما يعني أننا إزاء مشكلة، سواء مع «حماس»، أو مع العقليات الفصائلية، بمختلف توجهاتها، التي تعتمد على الإنشاءات العاطفية الاستهلاكية، والروح القدرية، وطغيان نزعة التضحية عند الفلسطينيين، والافتقاد لتقاليد المراجعة، كما لاستراتيجية سياسية أو عسكرية، مع تقديس العمل المسلح، وعدم إخضاعه للمساءلة والنقد ودراسات الجدوى، وتالياً عدم خضوع الفصائل الفلسطينية لتقاليد المحاسبة.
قصارى القول، لم يعد للفصائل، وضمنها “حماس”، براءتها الأولى، ولا مبادئها التي انطلقت من أجلها، علما بأن “حماس” وصلت إلى حيث سبقتها “فتح”، بغض النظر عن المصطلحات والتبريرات، فالنظام السياسي الفلسطيني، لشعب ضعيف وممزق، ليس معزولاً عن العالم وعن إكراهاته أو متطلبات التطبيع معه، بالرغم من أن للشعب قولا آخر، وهو ما يقوله بصموده وبكفاحه في كل أرض فلسطين التاريخية على ما نشهد هذه الأيام.