ماجد كيالي يكتب: في السيرة الذاتية لفلسطينيي لبنان على هامش أحداث البرج الشمالي

ماجد كيالي

بنتيجة التداعيات الناجمة عن النكبة، وقيام إسرائيل (1948)، تم تشريد أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره (حوالي 900 ألف)، إلى الدول العربية المجاورة، حل حوالي 180 ألفا منهم في لبنان، معظمهم من قرى وبلدات ومدن شمالي فلسطين. بيد أن إحصاء رسميا أجرته السلطات اللبنانية قبل سنوات بيّن أن عدد فلسطينيي لبنان لا يتجاوز عدد الذين لجأوا إليه، في حين يفترض أن عددهم الآن يتراوح بين 500 و600 ألف فلسطيني، وتفسير ذلك أن عددا كبيرا منهم غادروا لبنان، على امتداد العقود الأربعة الماضية في هجرة جديدة، إلى الدول الأوروبية، سيما الإسكندنافية، بسبب ظروفهم الصعبة، وحال التمييز التي يتعرضون لها.

وفي الواقع فإن لبنان لم يستطع، من البداية، هضم هؤلاء الفلسطينيين اللاجئين، من النواحي الإنسانية والاجتماعية، حيث قطنت غالبيتهم العظمى في 12 مخيما (من أصل 59 مخيما في بلدان اللجوء)؛ فثمة مخيما نهر البارد والبداوي في ضواحي مدينة طرابلس، ومخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا ومار الياس (وتل الزعتر والضبية سابقا) في بيروت، ومخيم عين الحلوة والمية ومية جوار صيدا ومخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي جوار صور في جنوبي لبنان وثمة مخيم قرب بعلبك وهكذا.

وكانت أحوال تلك المخيمات (وما زالت) جد مزرية، من كل النواحي، وأدت إلى مفاقمة حال البؤس والحرمان لدى اللاجئين الفلسطينيين، ما جعلهم يعيشون نكبة جديدة فوق نكبتهم الأصلية التي حلت بهم، جراء اقتلاعهم من وطنهم وأرضهم. وزاد الطين بلة وجود نوع من الممارسات التمييزية، إزاء هؤلاء اللاجئين، من مثل فرض نوع من العزل عليهم في المخيمات، وإخضاعهم لمراقبة أمنية مشددة، ومنعهم من العمل في عشرات المهن. هكذا فبينما تمتع اللاجئون الفلسطينيون في الأردن بحقوق المواطنة كافة، بما فيها الجنسية، وبينما تمتع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بجميع الحقوق المدنية، أسوة بالمواطن السوري، ما عدا حق الجنسية، فإن اللاجئين إلى لبنان حرموا من أدنى الحقوق، التي يمكن أن تمنحها دولة للاجئين إليها، حتى لو كانوا ينتمون إلى أمة أخرى!

هكذا فإن لبنان الرسمي لم يتعاط مع اللاجئين الفلسطينيين، وفق المفاهيم الوطنية والقومية، أي باعتبارهم جزءا من الأمة العربية، كما أنه لم يتعاط معهم من البوابة الإنسانية ـ الأخلاقية (على الأقل)، أي باعتبارهم ضحية للعدوان والاغتصاب والتشرد، في محاولة للتخفيف من معاناتهم، بقدر ما تعاطى معهم باعتبارهم موضوعا سياسيا وأمنيا. وكانت التبريرات اللبنانية، في هذا الشأن، تنصب على ضرورة تفهم حساسية، أو فرادة وضع لبنان، بمعنى تفهم تعقيدات تركيبته الطائفية؛ في محاولة للتحسب من إمكان أن يخلّ الوجود الفلسطيني في لبنان، المحسوب على طائفة معينه على الأغلب (السنة) بالتركيبة اللبنانية.

في أواخر الستينيات وبعد بروز حركة التحرر الفلسطينية، وقيام منظمة التحرير ككيان سياسي للشعب الفلسطيني، دخل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان في مسار جديد مختلف، حيث تمكنوا من إعادة بعض الاعتبار لذاتهم، عبر الانخراط الواسع والنشط في المؤسسات والتشكيلات الفلسطينية بجميع أشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.

وكانت الحركة الوطنية الفلسطينية قد نجحت، بهذه المؤسسات والتشكيلات المتنوعة، وبفضل الدعم المالي الذي أغدق عليها، في إقامة نوع من دولة داخل الدولة، وخصوصا بعد إخراجها من الأردن (1970).

وبدهي أن هذا الوضع أدى إلى انعكاسات متباينة على الوضعين الفلسطيني واللبناني، إذ بات للفلسطينيين عموما، وخصوصا للاجئين، نوع من كيانية سياسية وليدة تناطح من أجل دحر الاحتلال من أرضها، وبات للاجئين الفلسطينيين تحديدا، ولاسيما في لبنان نوع من حماية، أو نوع من تعويض، في مواجهة السياسات التمييزية الرسمية اللبنانية. كذلك خلق هذا الوضع، ولاسيما بحكم الفوضى والانفلاش في العمل الفلسطيني، نوعا من السلطة المزدوجة في الساحة اللبنانية، ما أقحم الفلسطينيين في الملفات الداخلية اللبنانية المعقدة، ما أدى إلى قيام احتكاكات سلبية ودامية بين حركة التحرر الفلسطينية، من جهة، والسلطة اللبنانية ومعها القوى اللبنانية المتخوفة من الوجود الفلسطيني والمعترضة عليه.

بعد الغزو الإسرائيلي للبنان (صيف 1982)، وخروج الجسم الرئيس لحركة التحرر الفلسطينية منه، تكبد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان خسائر معنوية وسياسية وبشرية فادحة. فقد خسر اللاجئون كيانهم المعنوي الموحد، وخسروا تعبيراتهم السياسية الوطنية، وعادوا من جديد وحدهم في مواجهة السياسات التمييزية التي تنتهجها الدولة اللبنانية ضدهم، بدعوى رفض التوطين. وفي هذه المرحلة حدثت مجازر صبرا وشاتيلا (1982)، ثم الاقتتال الفلسطيني في البقاع وطرابلس (1983 ـ 1984)، ثم حروب المخيمات، التي شنتها بعض القوى اللبنانية (أمل) بدعوى محاربة نفوذ عرفات (1985 ـ 1987)، كما تجدد الاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني أكثر من مرة، في بعض المخيمات، ثم برزت ظاهرة “فتح الإسلام” في مخيم نهر البارد، التي أدت إلى تشريد سكانه وتدميره (2007).

هكذا تحولت المخيمات الفلسطينية، سيما مخيم عين الحلوة (قرب صيدا)، إلى نوع من الجزر الأمنية، التي تعشعش فيها كل القوى المتطرفة والخارجة عن القانون، كما تحولت إلى ميدان للتنافس أو التصارع بين الفصائل، سيما فتح وحماس.

وبدهي أن إقامة السلطة انعكست سلبا على اللاجئين الفلسطينيين وبالأخص على اللاجئين في لبنان، فهذه العملية، كما تبلورت في اتفاقات أوسلو (1993)، لم تلحظ إيجاد حل عادل ومناسب لقضية اللاجئين، وأدت إلى تناسي قضية اللاجئين، ومشكلاتهم، من ناحية الممارسة العملية، وإلى تآكل مكان منظمة التحرير، ككيان سياسي معنوي جامع للفلسطينيين، لصالح السلطة الفلسطينية، ما ترك اللاجئين الفلسطينيين من دون مرجعية سياسية، وعرضة للضياع، كما للمزايدات والتنافسات والتوظيفات السياسية، من أطراف فلسطينية وخارجية.

لنأمل الآن أن يتمكن المعنيون من تطويق ما حصل في مخيم برج الشمالي، ورسم ترتيبات تحول دون توظيف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الخلافات والتنافسات السياسية اللبنانية والفلسطينية والإقليمية الضيقة، إذ يكفي الفلسطينيين اللاجئين ما أحاق بهم من بلاوي التشرد والحرمان من الوطن والهوية والحقوق الأساسية المدنية.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]