ماجد كيالي يكتب: في ما يخصّ تآكل الكيانات السياسية للفلسطينيين وتبديد طاقتهم الكفاحية

ماجد كيالي

لا تكمن مشكلة الفلسطينيين في أوضاعهم المعيشية الصعبة، وفي السياسات الإسرائيلية الاستعمارية والاستيطانية، وفي تراجع مكانة قضيتهم في الأجندات العربية والدولية، على ما نشهد بخاصة هذه الأيام، إذ أنها فوق كل ذلك تكمن، أيضا، في أن قضيتهم الوطنية، وكياناتهم السياسية، ونضالاتهم ضدّ عدوّهم، باتت كلّها أيضاً تفتقد للطاقة اللازمة لتغذيتها وتشغيل وظائفها وتجديد حيويّتها؛ إذ ما هو موجود هبات متفرقة، ومتفاوتة المستوى، وعمليات فردية لا رابط بينها، ولا يمكن استثمارها، ورغم أنها توجع إسرائيل، إلا إنها لا تشكل ضغطا وازنا عليها.

ليست القضية منوطة بموازين القوى المختلّة لغير مصلحة الفلسطينيين، ولا بالمعطيات العربية والدولية غير المؤاتية لهم، فهذان العنصران ظلا طوال العقود الماضية يعملان لغير مصلحتهم.

على ذلك فإن المسألة تكمن في أن الفلسطينيين، في ما مضى، كانوا يمتلكون طاقة كفاحية مستمدّة من وجود مشروع وطني يغذّي آمالهم ومخيّلتهم، ومن كيانية سياسية جامعة متمثّلة بمنظمة التحرير، توحّدهم وتعبّر عن طموحاتهم وتشكّل هويتهم، ومن قيادة شعبية، مسكونة بالرموز، من وزن ياسر عرفات، تلهب عزيمتهم، وتجدّد حيويّتهم بانفتاحها على مختلف الخيارات، بغض النظر عن تقييمها.

هكذا، فمنذ انطفاء الانتفاضة الثانية، ورحيل ياسر عرفات (2004) لم يعد يتوافر للفلسطينيين قيادة مجمع عليها، ولا مقاومة مسلحة أو سلمية أو شعبية ولا انتفاضة مستدامة، ولم يعد لديهم مشروع وطني جامع وملهم، بعد أن ارتهنوا حصراً لمشروع المفاوضات، واتفاقات أوسلو، وبعد أن قتلت المشاريع الملهمة، سواء المتعلّقة بالتحرير أو بحلّ الدولة المستقلة في الضفة والقطاع، أو المتعلّقة بحلّ الدولة الديموقراطية الواحدة بمختلف أشكالها (دولة المواطنين أو ثنائية «القومية»).

إضافة إلى كل ما تقدم فإن الفلسطينيين، في أماكن وجودهم كافة، يكادون يشعرون كأنهم لم يعودوا شعباً واحداً، إلا في الشعر والشعارات والبيانات السياسية، إذ باتوا يفتقدون لإجماعاتهم السياسية والكيانية، بعد أن خسروا المنظمة ولم يربحوا السلطة، التي باتت رهينة السياسة الإسرائيلية، وباتت سلطتين (في الضفة وغزة) بنتيجة الانقسام والتنازع بين حركتي فتح وحماس، وبعد إزاحة قضية اللاجئين من الأجندة السياسية، وتهميش المنظمة، وهي كلها أوضاع تفتح على مسارات تباين المصالح والأولويات بين فلسطيني 48 وفلسطيني الضفّة وفلسطيني غزّة والفلسطينيين اللاجئين المواطنين في الأردن، والفلسطينيين اللاجئين في سوريا ولبنان وباقي الدول، وفلسطينيي الشتات.

ولعل ما يزيد الوضع إيلاماً أن التدهور لهذه الدرجة يكاد يخرج إسرائيل من الموضوع، فالحركتان الرئيسيتان المتحكّمتان بالسلطة وبالشعب وبالموارد منشغلتان بالصراع المجاني فيما بينهما أكثر من انشغالهما بمصارعة إسرائيل، على رغم تقاربهما من الناحية السياسية باعتمادهما خيار الدولة المستقلة، وبانتهاجهما التهدئة والمقاومة الشعبية!

هكذا فقد باتت مشكلة «حماس» منحصرة في تأمين موازنات أجهزتها وحكومتها في غزة وفي رفع الحصار عن القطاع، الذي جرى اختزاله إلى فتح معبر رفح مع مصر، وتأمين الكهرباء، وزيادة مساحة الصيد في البحر، وإعادة الإعمار، وكذا الحدّ من نفوذ غريمتها “فتح”، وفرض التهدئة على كل الفصائل، والتحكّم بحياة الفلسطينيين الذين يعانون الأمرّين نتيجة الحصار.

في المقابل فقد انحصرت مشكلة “فتح” في استقرار سلطتها، وتعزيز شرعيتها، وضمان الموارد المالية لتسيير عجلتها في الضفّة، وتعويم دور المنظمة من ناحية شكلية، بعد طول تغييب لها، والتركيز على التحركات السياسية الدولية لوقف الاستيطان واستمرار العملية التفاوضية والإفراج عن الأسرى.

هذه الأوضاع حوّلت القضية الفلسطينية من قضية تحرّر وطني لشعب يكافح ضد الاستعمار والعنصرية والهيمنة إلى قضية إغاثة إنسانية، وعلاقات ديبلوماسية، ودعم مالي، وتحسين أوضاع معيشية في المحافل الدولية والإقليمية، وإلى مجرد إقامة سلطة للفلسطينيين في جزء من الأرض.

لكن ما العمل إزاء تلك الحال؟ قبل الإجابة على ذلك ينبغي أن تجيب الكيانات والقيادات على السؤال الآتي: ما هي قضية فلسطين حقاً؟ فإذا كان الجواب أنها قضية عربية ـ إسرائيلية فهذا يستلزم منها التركيز على ترتيب “البيت” وصوغ رؤية سياسية وانتهاج أشكال عمل تتناسب مع ذلك. وفي حال كان الجواب أنها قضية وطنية للفلسطينيين وعربية، في الوقت ذاته، فهذا أيضاً يفرض المستلزمات نفسها. مع العلم أنه ووفق التجربة لم يعد ثمة ترف لطرح هكذا نقاشات، لأنها لم تعد مقنعة، ولا تمثلات ملموسة لها على الأرض، في وضع تجد المجتمعات العربية نفسها مستغرقة في همومها الوطنية، وفي وضع ثبت فيه أنه ليس ثمة في الدول القائمة إجماعات وطنية، بمقدار ما فيها من توتّرات وتشقّقات ومنازعات.

أما في حال كانت الإجابة بأنها قضية وطنية تخصّ الفلسطينيين (على الرغم من وجود أبعاد عربية معيّنة لها) فهذا يتطلّب المزيد من التحديد، فهل هي قضية تخصّ وجود إسرائيل، التي قامت على حساب الفلسطينيين واللاجئين منهم خصوصاً؟ أم هي قضية تخصّ الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1967 ومسّ حياة الفلسطينيين في الضفة والقطاع؟

مهما كانت الإجابة على هذين السؤالين فإن ذلك يستوجب على الفلسطينيين إبداء أكبر قدر من ترتيب أوضاعهم، وصوغ أفضل العلاقات بين كياناتهم، وانتهاج أجدى الطرق لمواجهة عدوّهم، لكن ذلك يتطلّب من قياداتهم وكياناتهم المقرّرة، أيضاً، الوضوح المتمثّل بتخليق الرؤية السياسية التي يمكن أن تلهم شعبهم وأن تعزّز الإجماعات عنده.

وعليه، لا يمكن خوض أي خيار سياسي بتخلّي حركة وطنية ما عن قضية شعبها، باعتبارها قضية تحرّر وطني، وبوهم التحوّل إلى سلطة قبل إنجاز دحر الاحتلال، ولا يمكن تحشيد الشعب كله أو بعضه حول سلطة تثار حولها شبهات احتكار السياسة وتقييد الحريات مع الفساد والمحسوبية وخبوّ الروح الوطنية والتنسيق الأمني مع إسرائيل، ومع الحؤول دون تبلور أي شكل من أشكال المقاومة (المسلحة أو السلمية). أيضاً لا يمكن لجهة ما ادّعاء قيادة شعب، وهي تحصر خياراتها في خيار وحيد، فكيف إذا كانت هذه الجهة لا تهيئ ذاتها وشعبها لخيارات بديلة، كما لا يمكن ذلك مع بذل التنازلات المجانية، ومن دون مقابل مناسب، وضمن ذلك الذهاب نحو حلّ على شاكلة اتفاق «أوسلو» (1993) من دون معرفة نتيجته ومن دون البت بمسائل الاستيطان وحسم المدى الزمني وتعريف إسرائيل بصفتها دولة محتلة.

وبالتأكيد ليس من المشروع ولا من المجدي لقيادة شعب أن تتخلّى مجاناً عن رواية شعبها، ولو بادّعاء الانسجام مع القرارات الدولية، لأن تلك القرارات، في الحال الفلسطينية، لا تقرّ بواقع الاحتلال والاستيطان، أصلاً، ولأن الاعتراف بإسرائيل في الأمم المتحدة جرى بموجب القرار 272 (1949) المتضمّن قيام دولة عربية على 43 في المئة من أرض فلسطين، وضمان حق العودة للاجئين الذين شردوا من أراضيهم (والتعويض عليهم أيضاً)، ووضع منطقة القدس تحت وصاية دولية، مع العلم أن ثمة يهوداً إسرائيليين يشكّكون بالرواية الرسمية لدولتهم ويرفضون تعريفها كدولة يهودية أو دولة «حريديم» أو دولة مستوطنين لتناقض ذلك مع الديموقراطية ولأن هذا يطبعها بطابع ديني وعنصري.

معنى ذلك أن الكيانات والقيادات السياسية معنية اليوم، وبعد كل هذا التدهور في وضع قضية الفلسطينيين وفي مستوى كفاحهم، بحسم أمورها على الأصعدة كافة، أي على صعيد المصالحة وإنهاء الانقسام ووقف الوظيفة الأمنية للسلطة، وتفعيل منظمة التحرير، واستعادة الحركة الوطنية لطابعها كحركة تحرر وطني، على صعيد الخطابات والعلاقات والبنى والأشكال الكفاحية، مهما كانت طبيعتها، بخاصة أن خيار المقاومة الشعبية ـ السلمية يتطلب تعبئة أكثر وتنظيماً أفضل وجهداً أكبر.

تلك التحولات وحدها قد يمكنها تغذية طاقة الشعب الفلسطيني النضالية وإشعال الأمل في قلوب أبنائه، وتعزيز هويتهم وإجماعاتهم الوطنية، ما يمكنهم، ربما، من إعادة وضع قضيتهم على الأجندة الدولية والإقليمية والعربية، باعتبارها قضية شرعية وعادلة وتخص شعباً يتوخّى التخلّص من الاحتلال والعنصرية والهيمنة، شعبا ينشد الحرية والكرامة والعدالة للعيش كأي شعب في العالم.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]