ماجد كيالي يكتب:  كُتب للرئيس أم لكاتبها؟

 

 

حسناً فعلت وزارة التربية والتعليم في السلطة الوطنية الفلسطينية بالتوضيح الذي أصدرته، والذي حسمت فيه النقاش من حول كتاب: “قدوتنا رئيسنا”، باعتبارها أنه ليس جزءاً من “المنهاج أو المقررات المدرسية”، وأنه “جاء نتاج مبادرة طلابية مدرسية في إطار مشروع “من أجل فلسطين نتعلم” (الأيام، 12/5). بيد أن الوزارة كان يفترض بها، أيضاً، أن توضّح سبب الاحتفاء بهذا الكتاب، في سابقة فريدة من نوعها، وكيفية اعتماد تمويل طباعته، دون غيره من الكتب، وكيفية اختيار عنوانه (“قدوتنا رئيسنا”)، إذ لا يمكن لتلاميذ أن يحددوا هذا الخيار حصراً، وحتى إن حصل ذلك فإن المسؤولية التربوية والتعليمية للوزارة تفترض التدخّل لتصويب وترشيد إدراكات التلاميذ من الجيل الجديد، لتربيتهم على عدم المحاباة، وعلى التفكير النقدي.

لم تتوقف المسألة هنا إذ أن صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أدلى بدلوه، في هذا المجال، لكنه تناسى أن الملاحظات بشأن الكتاب تتعلق بموقف مبدئي، أي أنها لم تتعلق بمضمونه، سلبا أو إيجابا، ولا بصاحبه، سواء كان رئيسا أو شخصا عاديا، كما لم تطالب بسحبه من التداول في المكتبات، وإنما بسحبه من التداول كمقرر دراسي، وفقط. هكذا ذهب عريقات حد التهجّم على كل من انتقد تلك الحادثة، باعتبار أنهم لم يقرأوا تلك الكتب، لكنه لم يوضح لماذا هو بالذات شارك في عملية الاحتفاء إذا، وما علاقة الموقف من الطريقة التي قدم بها، والعنوان الذي تصدره، بمن قرأ أو لم يقرأ الكتاب، عدا أنه لا يوجد أصلا كتابا كاملا، إلا إذا اعتقد أن ما كتبه أبو مازن نصا مقدسا، وهو كلام ليس له علاقة لا بالتفكير ولا بالسياسة أصلا.

طبعاً ليس القصد من هذا الجدال الكتاب بحدّ ذاته، حتى لو كانت الأفكار الواردة فيه تستحق المراجعة والنقد، أو تستحق الإشادة والاحتفاء، ولا المقصود صاحب الكتاب، سواء كان رئيسا أو شخصا عاديا، وإنما الطريقة التي قدم فيها الكتاب، وشبهة فرضه كمقرر، وعنوانه، الذي ربما أساء لمقام الرئاسة أكثر مما أفادها، وهو ما تبين من حجم الجدل، الذي دار من حول تلك الحادثة؛ هذا أولاً. ثانياً، ألم يخطر للوزارة، أو لمن يقف وراء تلك الحادثة، أن هذا الأمر سيضعها، ويضع الفلسطينيين، في إحراج كبير، إزاء شخصيات كبيرة رحلت، مثل عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني والحاج أمين الحسيني وياسر عرفات وأبو جهاد وأبو إياد وكمال عدوان وخالد الحسن وماجد أبو شرار وجورج حبش ومحمود درويش وتوفيق زياد وغسان كنفاني وإدوارد سعيد وهشام شرابي وشفيق الحوت وفتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وكل ذلك على سبيل المثال؟ ثالثا، ألم يدرك أصحاب الواقعة أنها ستضع السلطة وفتح في موضع التساؤل، أو أنها ستجعل كل فصيل ينتقي من يعتقد أنه قدوة للشعب الفلسطيني، ما يكرّس الانقسام بين الفلسطينيين، ويقوض اجماعاتهم الوطنية؟ والفكرة أنه إذا كان من حقك كفصيل أن ترى في شخص ما بمثابة قدوة لك، فليس من حقك أن تفرضه كقدوة للشعب الفلسطيني، وما ينطبق على قيادات فتح ينطبق على قيادات حماس والجبهات أيضا. رابعا، إذا تم اعتبار الأخ أو الرئيس أبو مازن “قدوتنا”، مع الاحترام والتقدير له، بغض النظر عن التقييم لسياساته أو خياراته، سلبا أو إيجابا، فماذا عن ياسر عرفات، مثلا، وماذا عن أبو جهاد، ثم ماذا عن الذي سيأتي بعد أبو مازن إذا؟ خامساً، كيف لم يخطر في بال أحد أن خيارات أو سياسات أي قيادي يفترض أن تخضع للمراجع والنقد، وأن أي شخص ليس كائنا منزلاً، حتى لو كان رئيساً، أو زعيما، فكيف بالنسبة لشخصية مثل الرئيس أبو مازن، الذي ينقسم الفلسطينيون أو يتخاصموا من حول سياساته وخياراته؟

على أية حال، فقد أثبت المجتمع الفلسطيني، في الداخل والخارج، أنه رغم الإحباطات، والتشتت، وخيبات الأمل، مازال يتمتع بالحيوية اللازمة للتعبير عن رأيه، والمطالبة بسحب “قدوتنا رئيسنا” من المقرر الدراسي، لصالح تربية الجيل الجديد “على قيم الحرية والكرامة والمساواة والتفكير النقدي..” واعتبار أن “فلسطين ليست قطعة من الأرض فقط وإنما هي معنى للحرية والكرامة”، على ما جاء في أحد المنشورات، التي تصدرت الحملة الشعبية لوقف اعتبار الكتاب كمقرر دراسي، ولاستنكار العنوان اللافت للانتباه، والذي ينمي عقلية المحاباة والتزلف بحسب المكانة والسلطة.

وفي الواقع فإن الرئيس ذاته لم يكن بحاجة إلى ذلك، فهو قائد فتح ورئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مع العلم أن له عديد من المؤلفات حول الصهيونية، اشتغل معظمها في السبعينيات والثمانينيات إبان تحضيره لأطروحة الدكتوراة حول العلاقة بين الصهيونية والنازية، وعندما كان يترأس جمعية الصداقة الفلسطينية السوفيتية.

بقيت ملاحظة بخصوص القراءة، وفكرة القدوة، إذ ثمة كتاب “استثمار الفوز”، كتبه الأخ أبو مازن بعيد ما سمي، في حينه، بحرب المدفعية الفلسطينية (يوليو/1981)، حيث تم وقتها قصف المستوطنات الإسرائيلية شمالي فلسطين لحوالي أسبوعين، ووقتها حصل قصف متبادل، وتدخلت الأمم المتحدة، ولكن الأمر جر بعد ذلك الى اجتياح إسرائيل للبنان واقتلاع المقاومة الفلسطينية منه (1982)؛ بما يشبه زمن الانتفاضة الثانية والعمليات التفجيرية التي جرّت اجتياح الجيش الإسرائيلي للضفة في عمليتي السور الواقي والطريق الحازم (2002 ـ 2003). فهل الأفكار المتضمنة في ذلك الكتاب يجب الاقتداء بها مثلا؟ حسناً “حماس” تقتدي بها، لكن المشكلة أن القيادة الفلسطينية تأخذ ذلك عليها! أيضا المشكلة أن الرئيس أبو مازن ذاته لم يعد يقتدي به. والمعنى أن ذلك الكتاب يحتاج إلى مراجعة نقدية ومسؤولة، بحكم التجربة، وبحكم مآلات ما وصلت إليه حركتنا الوطنية، علماً أن الحديث يتعلق بأفكار حقبة الكفاح المسلح، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأفكار وأوهام حقبة أوسلو؟ ولعل ذلك يدعو للاعتقاد بأن أغلبية مركزية “فتح” وتنفيذية المنظمة لم تقرأ تلك الكتب فمعظمهم ليس لديه الوقت للقراءة ربما. أيضا لعل ما جرى من مجادلات يؤخذ بوجهه الإيجابي النقدي والعقلاني، وليس الشخصي والفصائلي، بما يحثّ على مراجعة مجمل الأفكار التأسيسية لـ “أباء” حركتنا الوطنية المعاصرة، بإيجابياتها وسلبياتها.

Attachments area

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]