ماجد كيالي يكتب: لا مصلحة لإسرائيل في تغيير الوضع القائم في غزة
مرّة جديدة تم التوصّل إلى تهدئة، أو هدنة، بين إسرائيل وحركة “حماس”، بوساطة مصرية، مع التحفّظ على المصطلحين المذكورين، الآثيرين على تلك الحركة، التي تصارع، أيضاً، من اجل مكانتها في السلطة وفي قيادة الشعب الفلسطيني، لأنهما يعطيان انطباعاً، سطحياً ومتسرّعاً ومزيّفاً، بأنه بات ثمة تكافؤ بين الطرفين، وأن تلك الحركة باتت تملك قرار شنّ الحرب على إسرائيل، أو فرض معادلات تقوم على الندّية، والردع المتبادل، إزاءها، والأهم انه بإمكانها تحقيق الفوز في صراعها مع إسرائيل في هذه المعركة أو تلك، أو الدخول في مساومات معها من دون دفع اثمان سياسية، على غرار ما يجري مع السلطة في الضفة الغربية.
هكذا، فإن حركة “حماس” سارعت إلى الاحتفاء بما اعتبرته انتصاراً لها على إسرائيل في هذه الجولة، مثلما حصل في الحرب المدمرة السابقة (2014)، وذلك لكونها احبطت عملية للجيش الإسرائيلي، نتج عنها مصرع ضابط منه، في مقابل مصرع 14 فلسطينيا، سبعة من مقاتلي حماس، بينهم قائد ميداني، وسبعة من المدنيين، وهو الانتصار الذي تتوخى توظيفه إن لتكريس سلطتها وشعبيتها في غزة، أو في سبيل تعزيز مكانتها إزاء حركة “فتح” وسلطتها في الضفة.
طبعاً قد يجوز تفهّم هكذا ادعاءات لو إنها أتت في إطار الدعاية السياسية ورفع المعنويات وتعزيز المكانة في إطار المنافسات الفصائلية، فحسب، لكن الأمر يتجاوز كل ذلك كون تلك الادعاءات أضحت في صلب الإدراكات التي تبني عليها حماس سياساتها، والتي يدفع ثمنها حوالي مليونين من الفلسطينيين في قطاع غزة، ناهيك عن التأثيرات السلبية لمثل تلك الإدراكات على شعب فلسطين وقضيته، في هذه الظروف الصعبة والمعقدة، عربيا وإقليميا ودوليا.
إضافة إلى كل ما تقدم، فإن المشكلة هنا، بالنسبة لحماس وعموم الحركة الوطنية الفلسطينية، أن كل تلك المعارك مع إسرائيل لا تغير من الواقع شيئاً، إلى الدرجة المناسبة، أي الدرجة التي تغير في معادلات او علاقات القوة، بين إسرائيل والفلسطينيين، أو أقله التي توجع إسرائيل، وتضطرها إلى تقديم تنازلات، كما لم تغيره نتائج التضحيات والبطولات التي بذلت في الحروب الثلاثة الماضية، التي شنّتها إسرائيل على غزة (الأعوام 2008 و2012 و2014)، سيما حرب العام 2014، التي أدت إلى مصرع حوالي 70 عسكريا إسرائيلياً، في مقابل 2400 من الفلسطينيين في غزة، من المدنيين أو من منتسبي “حماس”، مع كل الدمار الذي لحق العمران والبني التحتية.
وفي قراءة موضوعية لظروف التسخين الحاصل في الصراع بين الطرفين، من السهل ملاحظة أن الطرفين المعنيين حريصان على البقاء ضمن مستويات معنية. فمن جهة “حماس” فهي لا تريد أن تذهب بعيدا في هذا الصراع، لأنها لا تملك القدرة على ذلك، ولأنه ليس من مصلحتها أن تذهب إلى الحد الاقصى، لأنه قد يودي بكل مكاسبها، في هذه الظروف غير المواتية. في المقابل فإن إسرائيل ليس في حسبانها اليوم تغيير الواقع السائد في غزة، بمعنى أنه ليس من ضمن أهدافها إنهاء حكم “حماس”، أو اضعافها، وإنما هي تتوخّى فقط تقليم أظافر حماس، أو تحجيم قدرتها على ايذائها، عبر مسيرات “العودة” أو عبر البالونات أو الطائرات الورقية الحارقة.
وفي الحقيقة فإن استمرار الواقع السائد في غزة يريح إسرائيل أكثر مما يضرّ بها، ويضرّ بالفلسطينيين، وبقضيتهم وبكفاحهم، أكثر مما يفيدهم، ثم إن واقع الانقسام بين سلطتي الضفة وغزة، يعزّز من منطق إسرائيل بشأن أن الفلسطينيين مختلفين، ومنقسمين، وغير مؤهّلين لإدارة أوضاعهم، او حكم أنفسهم. والمعنى من ذلك أن إسرائيل تستثمر في الانقسام الفلسطيني، وفي التنازع على السلطة بين “فتح” و”حماس”، ما يجعلها أكثر قدرة على التلاعب بمصير السلطتين، كل على حدة، واضعافهما، وفرض املاءاتها عليهما، بما في ذلك تكريس الانقسام الحاصل، وتحويل كل من الحركتين إلى سلطة محدودة ومرتهنة في الإقليم الذي تسيطر عليه، لكنها سلطة تحت هيمنة إسرائيل، السياسية والأمنية والاقتصادية.
بديهي أن هذا التوجه لا يخرج عن استراتيجية إسرائيل المعروفة في شأن فرض نوع من تقاسم وظيفي في إدارة الأراضي المحتلة (1967)، باحتفاظها بالسيادة على الأرض والمعابر والموارد والأمن والحركة التجارية، ومنح الفلسطينيين نوعا من سلطة، تكون أقل من دولة، وأكثر من حكم ذاتي، فهذه هي حدود المناورة الإسرائيلية، وضمن ذلك يأتي الحديث عن السماح بممر مائي بين غزة وقبرص، أو ربما بين غزة واحد الموانئ المصرية، وتخفيف الحصار عن القطاع، المفروض منذ 11 عاماً، وضخ أموال إلى غزة، وانعاش الوضع الاقتصادي فيها، كنوع من تقديمات تتأسس على تعزيز سلطة حماس، لا على قضمها.
قصارى القول لامصلحة لاسرائيل لا باجتياح غزة ولا بانهاء سلطة حماس فيها، بل إن مصلحتها تكمن في الحفاظ على استنقاع الوضع الراهن في الضفة وفي غزة، وتعزيز الانقسام والاختلاف والتنازع بين الحركتين الكبيرتين، فتح وحماس، كسلطتين كل في إقليميه؟
وقد يكون من نافل القول التأكيد أن كل ما تقدم لا يقلل من التقدير لاستعداد مقاتلي حماس للقتال، والتضحية، وأن إسرائيل تتحسّب جيداً للخسائر البشرية التي قد تتكبدها جراء اي مغامرة او مواجهة في قطاع غزة، لكن من دون الوقوع في مبالغات مضرة، إذ شتان بين قدرات “حماس” وقدرات إسرائيل.