ماجد كيالي يكتب: لماذا لا يستطيع الفلسطينيون تثمير تضحياتهم وبطولاتهم؟

ماجد كيالي

انتهت هذه الجولة من الحرب الصاروخية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، أسرع من سابقاتها، رغم توسعها إلى لبنان وسوريا، فيما يسمى الحرب بين الحروب، مع ذلك يفترض عدم وقوع الفلسطينيين في فخ المبالغة، إذ لا يجوز المساواة بين غير المتساوين، ولا بين القوة التدميرية للصواريخ الإسرائيلية مقابل الفلسطينية. كما يفترض، أيضا،إدراك أن إسرائيل هي التي من مصلحتها الحرب ويمكنها ذلك، في المربع الذي تتفوق فيه، في حين لا يملك الفلسطينيون أدوات ذلك، بالقياس لها، وهم بالكاد يملكون القدرة على المقاومة المسلحة، بحدود معينة، كما أثبتت تجربة الانتفاضة الثانية مثلا.
من جهة أخرى، فإن ما يغيب عن إدراكات الفلسطينيين أن ما لايستطيعون فرضه على إسرائيل بصمودهمومقاومتهم، يستحيل فرضه عليها بواسطة المفاوضات، بحسب تجربة ثلاثة عقود، سيما أن الأطراف الدولية والعربية لاتبدومعنية بمساندة مطالبهم، أو غير قادرة على ذلك إلى الدرجة المناسبة، رغم كل التضحيات التي بذلوها، والبطولات التي قدموها، إذ إن أي “انتصار” لا يكسر، أو يزعزع، إسرائيل، ولا يفتح مسار التحرر الناجز من الاحتلال، من المبالغةوالتسرّع توصيفه على هذا النحو.
فوق هذا وذاك، يفترضبالفلسطينيين الانتباهإلى أن مطالبهم التفاوضية من إسرائيل، في الضفة وغزة، مازالت تتعلقبالعودة إلىواقع ما قبل23 عاماً، أي قبل الانتفاضة الثانية (2000ـ2004)، بعد خسارة حوالي 12 ألف شهيد، وعشرات ألوفالجرحى والمعتقلين،ودمارعمران، مع استشراء الاستيطان في الضفة، وتقطيع اوصالها بالحواجز والجدار والطرق الالتفافية، والقيود على المعابر، وعلى الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
تبعا لما تقدم، لم يعد مستغرباً شيوع فكرة مفادها أن واقع الفلسطينيين في الأرض المحتلة، قبل قيام السلطة (1993)، كان “أفضل”. وهذا لا يقتصر على الوضع الاقتصادي، والتواصل المجتمعيحتى مع فلسطينيي 48، حيث التواصل اليوم،بين مناطق الضفة بات شديد الصعوبة، وبينها وغزة بات مقطوعا، إذ يشمل ذلكأن ظروفالمقاومةكانتأفضل، في حين انها باتت مقيدة في ظل سلطة اوسلو، سواء كانت شعبية وسلمية أو مسلحة.
ففي تلك الفترة، أي قبل إقامة السلطة، خاض الفلسطينيون في الأرض المحتلة، انتفاضات عديدة توّجت بالانتفاضة الشعبية الكبرى (1987ـ1993)، التي استثمرت بأسوأ شكل، ولولاها لما قامت السلطة، بمعنى أن الفلسطينيينكانوا أكثر حرية في الكفاح ضد اسرائيل، وأكثر قدرة في التأثير على مجتمع الإسرائيليين.
في الواقع لا حلّ لهذا المأزق دون الخروج من اطار اتفاقيات أوسلو، ووهم السلطة، إلى أفق التحرّر الوطني، سواء في دولة مستقلة،أو في دولة واحدة ديمقراطية، تضمن الحرية والمساواة والكرامة للجميع، أو أي حل أخر يضمن التحرر الفلسطيني وكسر المشروع الصهيوني، لأن البديل عن ذلك يعني البقاء في ذات المربع، أي بذل التضحيات والبطولات دون القدرة على تثميرها، ودون تغيير علاقة إسرائيل بالفلسطينيين،سيما أن إسرائيل كسرت اتفاق أوسلوفي وقت مبكّر، مع كلام رابين أن “لا مواعيد مقدسة”، وأن ثمة “مستوطنات سياسية ومستوطنات أمنية”،ومع انتهاء المرحلة الانتقالية (1999)، ورفضها وقف الاستيطان، وانسحابها الاحادي من غزة، ومحاصرتها (2005)، فإسرائيل قوضت عمليا اتفاق اوسلو، منذ زمن، من عهد نتنياهو الأول (1996ـ1999) إلى عهده الثالث الحالي، مرورا بـباراك وشارون واولمرت.
على ذلك ثمة ضرورة لإدراك الفلسطينيين أنهم وحدهم لايستطيعون تغيير موازين القوى في صراعهم مع إسرائيل، في المجال العسكري، وأنهم، مع التقدير لتضحياتهم وبطولاتهم، لن يستطيعوا ترجمة ذلك إلى انجازات، بدون تغير في المعادلات الدولية والعربية لصالحهم. وأنه لذلك الأجدى لهم موازنة تضحياتهم ومقاومتهم مع ما يمكن تحقيقه، والبناء عليه، في معركتهم الطويلة والمضنية والمعقدة مع إسرائيل، إذ هكذا موازنة تضمن لهم تعزيز قدراتهم وتنمية مجتمعهم، وهذه مسألة ربما أكثرأهمية من مقاومة قوية مع مجتمع ضعيف ومستنزف ومرهق، ويفتقد للمؤسسات وللاجماعات الوطنية.
في السياق ذاته،ما قصّر الفلسطينيون، طوال قرن من الصراع ضد المشروع الصهيوني، في المقاومة وبذل التضحيات، لكن قدرتهم على استثمار ذلك ظلت ضعيفة، للخلل في موازين القوى، ولاشتغال النظامين الدولي والإقليمي بالضد من مساعيهم.فقبل اعلان قيام إسرائيل قامت ثورة 1936 ـ 1939، التي بدأت بأطول اضراب عرفه التاريخ (ستة أشهر)، ثم استمرت بالمقاومة المسلحة. وقتها زجّ الفلسطينيون بكل قواهم، بدون حساب، في المعركة، في ظروف غير مواتية،وكان أن قامت حكومة الانتداب بتجريد حملة شعواء ضدهم، نجم عنها مصرع وجرح واعتقال 77 ألفا منهم (7 شهيد و20 الف جريح و50 الف معتقل)، وهو عدد كبير لشعب يزيد على أزيد منمليون نسمةبقليل. النتيجة كانت تحطيم الاطر السياسيةللمجتمع الفلسطيني، وقتل او اعتقال او ملاحقة قياداته، ومصادرة أكثر من تسعة الاف بندقية ومسدس(مذكرات محمد عزة دروزة، والموسوعة الفلسطينية ج2). وهكذا فعندما أزفّت ساعة الحقيقة، أي لحظة اعلان إسرائيل (1948)، كان الشعب الفلسطيني في غاية الانهاك، ومن دون قيادة، ما سهل على الصهيونية اقامة دولتها، وتشريد معظم الفلسطينيين.
حدث ذلك في تجربتنا المعاصرة، ففي الانتفاضة الثانية (2000ـ2004) كبّد الفلسطينيون إسرائيل خسائر فادحة (بشرية واقتصادية)، أكثر من أي حرب اخرى (باستثناء 1973)، مع مصرع1040 إسرائيليا، (452 عام 2002 لوحده)، بواسطة عمليات تفجيرية، أو “صواريخ” بشرية كان أثرها المعنوي والحقيقي أكثر بكثير من الصواريخ التي سقطت على إسرائيل في حروب غزة خلال 15 عاما. ففي تلك الانتفاضة أيضاً تصرّف الفلسطينيون بعقلية الحرب بالضربة القاضية، عكس ماحصل في الانتفاضة الشعبية الأولى، أي ليس بعقلية الاستنزاف او الحرب طويلة الامد، إذ زجّوا بكل قواهم في المعركة، والنتيجة تجريد اسرائيل حملتين كبيرتين (2002ـ2003) أدتا إلى اجهاض المقاومة، في الضفة وغزة، والوصول إلى معادلة “هدوء مقابل هدوء”؛ ومازلنا عندها.
القصد أن القصة لاتتوقف على التسلّح وإعداد المقاتلين، فقط، وإنه ينبغي، مع استمرار المقاومة بكل أشكالها،إدراك تعقيدات الصراع مع إسرائيل، وإطارها العام الحاكم،وقراءة الحاضر بدلالة الماضي، وتبعاً لذلك، اختيار الاشكال الأنجع للمقاومة، التي يمكن استثمارها، مع التأكيد على أن بناء المجتمع، ومراكمة قواه، وتطوير مؤسساته، هو بحد ذاته جزءاً من المقاومة، وليس أمراً تفصيلياً أو ثانوياً أو بسيطاً على ما يعتقد البعض.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]