ماجد كيالي يكتب: ما الذي أرادته حماس من قطاع غزة؟

ماجد كيالي

منذ أخذت «حماس» قطاع غزة 2007 من طريق القوّة، المدعّمة بالشرعية الانتخابية، لم تحدّد الحركة، أو لم تحسم، في شأن ما تريده حقًا من هذا القطاع المعزول في الزاوية الجنوبية من فلسطين، والذي يشكّل فقط ما نسبته 1.33 في المئة من أرضها التاريخية «360 كلم مربع»، ويقطن فيه قرابة مليونين من البشر، في ظروف صعبة، وفي منطقة مغلقة ومحاصرة، وتفتقر إلى الموارد الطبيعية، وتعتمد في معظم حاجياتها الأساسية، وضمنها المياه والغذاء والوقود والكهرباء والملابس والمواد الطبية ومواد البناء على الخارج.

فما الذي أرادته هذه الحركة حقًا من سيطرتها على هذه المنطقة بطريقة أحادية وإقصائية؟ وما الذي استفادته من ذلك؟ مثلاً، هل أرادت تحويلها إلى «قاعدة» لتحرير فلسطين أو على الأقل لمواصلة الكفاح المسلح واستنزاف إسرائيل؟ أم أرادتها بمثابة منطقة يجري فيها تطبيق نموذج دولة «إسلامية»، أو مجرد منطقة تمارس فيه سلطتها كفصيل؟ أم أرادت من ذلك استخدام القطاع كوسيلة لتعزيز شرعيتها ومكانتها القيادية في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية على حساب غريمتها «فتح»؟

واضح من خطابات قيادة «حماس»، على مر السنين الماضية، أنها كانت تريد كل ذلك، ما يعني أنها لم تحدّد ما تريد، وأنها في الواقع لم تفكّر مليًّا في أوضاع القطاع، وحدود إمكاناته، بعد انسحاب «إسرائيل» منه «2005»، ضمن ترتيبات وتوظيفات معيّنة سياسية وأمنية.

وهذا يفيد بأن «حماس» كانت مضطربة ومتطلّبة وغير متواضعة، في تعيين ما تريد، أو ما تستطيع، وأنها أحلت الرغبات محلّ الإمكانات، والتوهّمات محلّ موازين القوى، وهو مرض عانت منه الفصائل الفلسطينية منذ قيامها، أي أنه لا يقتصر على «حماس» وحدها.

ومن مراجعة هذه التجربة، يمكننا ملاحظة أن «حماس» حمّلت قطاع غزة أكثر بكثير مما يحتمل، وأنها أدارته بطريقة غير عقلانية، وغير واقعية، فأضرّت بنفسها، كما أضرّت بالغزّيّين معها، الذين عانوا من الحصار الإسرائيلي المشدّد ومن ويلات حروب عديدة مدمرة في غضون الست عشرة عامًا الماضية. وفوق ذلك، فإن ما فعلته «حماس» أدّى إلى انقسام النظام السياسي الفلسطيني، وبدّد جزءًا مهمًا من طاقة الحركة الوطنية الفلسطينية، التي بدت وكأنها تتصارع مع بعضها أكثر مما تتصارع مع عدوها إسرائيل).

المشكلة أن «حماس» لم تستطع شيئاً في كل الخيارات المذكورة، إذ المقاومة المسلّحة، وفق نمط الصواريخ، كما شهدنا مرارا، لم تغيّر في واقع غزة شيئا، ولم تتمكن المقاومة من الاستثمار فيها، ثم إن «حماس» لم تنجح في إقامة نموذج دولة «إسلامية»، أو إقامة نموذج لسلطة أفضل من تلك التي تديرها «فتح» في الضفة، ناهيك عن أن وجودها في «مختبر» الحكم، مع كل ما يشوب ذلك من استحقاقات ومشكلات وانكشافات ومسؤوليات، أدّى إلى انحسار مكانتها، وتراجع شعبيتها، بالقياس إلى الزمن السابق، زمن المقاومة والمعارضة.

أيضاً، ومن ناحية الشرعية والمكانة القيادية، فإن «حماس» تبدو اليوم أقل قدرة، من أي وقت مضى، لجهة محاولاتها التحكّم أو التأثير في مسارات السياسة الفلسطينية، أو لجهة سعيها لإضفاء صدقية على أي من توجّهاتها في الشارع الفلسطيني.

الآن، ها نحن إزاء وضع مختلف، باتت فيه حركة «حماس» تقبل، وهي في موقع «الضعف»، ما كانت ترفضه سابقاً، من موقع «القوة»، فهي باتت تقبل بنوع من هدنة، أو تهدئة، طويلة الأمد، وغير مشروطة، وباتت تنأى بنفسها عن الاصطدام مع إسرائيل، وهو ما حصل عدة مرات منذ العام 2019، وفي أغسطس العام الماضي، وفي الحرب الأخيرة (مايو)، حيث تركت «الجهاد الإسلامي» وحيدة، أي باتت مثلها مثل سلطة «فتح»، التي كانت تعارضها.

في الواقع فقد روّجت الحروب التي شهدتها غزة، منذ هيمنة حركة «حماس» عليها «2007»، مع حيازتها قوة صاروخية، لانطباعين خاطئين ومضرّين، أولهما، التصوير أن «حماس»، مع باقي الفصائل «بخاصة حركة الجهاد الإسلامي»، باتت بمثابة جيش مسلح وقوي، يوازي الجيش الإسرائيلي، أو يشكل تحديًا له. والثاني، أن قطاع غزة بإمكانه التحول إلى منطقة، أو قاعدة عسكرية لتحرير فلسطين، أو لكسر إسرائيل.

بديهي أن النزعة الأولى، عاطفية ورغبوية وغير صحيحة، بل ومضللة، ولا تسهم في تكوين وعي مناسب لواقع القدرات الفلسطينية ومحدوديتها، أو في تكوين صورة صحيحة عن قدرات العدو. أما النزعة الثانية، فتحمّل قطاع غزة الذي يقطن فيه مليونا فلسطيني عبء التحرير وهزيمة إسرائيل؛ علمًا بأن هذا القطاع محاصر ويفتقد إلى الموارد، ويعتمد في إمدادات الكهرباء والمياه والطاقة والمواد الصيدلانية على الدولة الإسرائيلية.

أيضاً، فإن هاتين النزعتين «الاحتفائيتين» تفضيان بدوريهما إلى اشاعة وهم بنوع من التكافؤ بين إسرائيل والفلسطينيين، ما يترتب عليه حجب صورتهم كضحايا، وكمستضعفين، وكمستعمَرين، بالتالي حجب صورة إسرائيل باعتبارها دولة استعمارية وعنصرية وعدوانية.

بدهيٌّ فإن رواج انطباعات كهذه هو نتاج تلهّف الفلسطينيين، والعالم العربي، لأي انتصار على إسرائيل، ونتاج التعطّش لأي ضربة توجه لها، بيد أن انطباعات كهذه قد تفيد في تقوية المعنويات وبث روح الصمود والمقاومة، لكن فيما يخص استراتيجيات الصراع ضد عدو كإسرائيل لا تكفي، إذ إنها لا تؤثر في معادلات موازين القوى والخطط العسكرية.

باختصار فإن ما يفترض إدراكه أن المقاومة يمكن أن تؤلم إسرائيل، وأن تزيد كُلفة وجودها، وأن تزعزع استقرارها، علمًا بأن ذلك يتطلب أثمانًا باهظة يدفعها الشعب الفلسطيني، لكن شرطها توافر بيئة عربية ودولية مناسبة، أو حاضنة للفلسطينيين، وهي غير متوافرة راهنًا. أما الحديث عن هزيمة تاريخية لإسرائيل، كلية، أو جزئية، على ما تروج بعض الفصائل فذلك يحتاج إلى عوامل أخرى، أهمها، تغير البيئتين الدولية والعربية لمصلحة الفلسطينيين، وتخليق جبهة عريضة من الإسرائيليين المعادين للصهيونية، ومن الذين يتعاطفون مع كفاح الفلسطينيين، وهذا ما يجب إدراكه أو تمييزه بدل الاستكانة للحماسة والعواطف والرغبات.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]