ماجد كيالي يكتب: ما الذي تبقى لإنقاذه بعد هذا الوضع الفلسطيني؟

في فترة من الفترات، سيما بعد انتهاء أمد المرحلة الانتقالية من اتفاق أوسلو (1994ـ1995)، وإخفاق مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000) أيقن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن عملية التسوية، وفق اتفاق أوسلو (1993) كانت، بالنسبة لإسرائيل، مجرّد أنشوطة لخنق كفاح الفلسطينيين، وإفراغ قضيتهم من بعدها الوطني والتحرري، ذهب نحو الانتفاضة الثانية، إلى حد احتضان المقاومة المسلحة، دون أن يقطع مع العملية التفاوضية، اعتقاداً منه بإمكان المزاوجة بين المقاومة المسلحة والعمل السياسي، أو بين الانتفاضة والمفاوضة. وكان أبو عمار في ذلك مهجوساً بمعنى فلسطين على الصعيدين العربي والإسلامي، ومسكوناً بمكانته الرمزية والتاريخية إزاء شعبه، وبموقع “فتح” باعتبارها المسؤولة عن قيادة الشعب الفلسطيني، وعن خياراته الوطنية، من إطلاق الكفاح المسلح (1965) إلى عقد اتفاق أوسلو، وإقامة السلطة.

طبعا لا أحد يطلب من أبو مازن أن يقوم بما قام به ياسر عرفات، فلا تاريخه ولا طبيعته تسمح له بالقيام بذلك، إضافة إلى أنه بنى مكانته القيادية، ونجاحه الانتخابي، على اعتماد المفاوضة والوسائل الدبلوماسية، حتى دون أية مقاومة شعبية، وهذا كان موقفه قبل أوسلو وبعده، وتلك هي تجربته منذ خلافته لياسر عرفات كرئيس للمنظمة والسلطة وفتح.

لكن باستثناء الفارق في شخصية وتجربة الرجلين، وافتراقهما في تعيين الخيارات الوطنية، فقد أكدت التجربة أن ثمة قواسم مشتركة أساسية بينهما، في طريقة العمل ونمط التفكير، مع التذكير بأن هذين الرجلين هما المسؤولين الأساسيين عن اتفاق أوسلو، بالمضامين، التي وردت فيه، وبالمراهنات التي تأسّست عليه، والأهم أنه من دون الشعبية التي كان يتمتّع بها عرفات ما كان يمكن تمرير هكذا اتفاق البتّة.

القصد من ذلك القول، أن القيادة الفلسطينية، من أبي عمار إلى أبي مازن، بنت منذ البداية انخراطها في عملية التسوية على مراهنات خاطئة، إلى حد استهانتهما بالنصوص المجحفة التي وردت في اتفاق أوسلو، والذي لم يعرف إسرائيل كدولة محتلة، ولا الضفة والقطاع كأراضي فلسطينية، ولم يبت بمسألة الاستيطان، ولم يستند إلى مرجعية القرارات الدولية الأممية.

وكان منطلق القيادة الفلسطينية وقتها التكيّف مع المناخات الدولية والإقليمية، الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج الثانية وسيادة الولايات المتحدة كقطب وحيد في العالم (مطلع التسعينيات). لكن هذا التكيّف كان عميقا جدا، إلى حد اختزال قضية فلسطين، بالاحتلال الذي بدأ عام 1967، ونجم عنه اختصار شعب فلسطين بفلسطينيي الضفة والقطاع، وتحول حركة التحرر الوطني الى سلطة، وانشاء علاقات تنسيق أمنى مع المحتلين، وكلها أمور فعلت فعلها في ترهل بني الحركة الوطنية الفلسطينية، وخبو روحها الكفاحية، واثارة الشكوك بين الفلسطينيين حول معنى وجودهم كشعب.

والقصد انه منذ البداية ما كان يفترض بناء التسوية على التنازلات، فهذا كان مجانيا ودون جدوى، ومهما كانت الظروف صعبة ومعقدة، فإن هذا لا يدفع إلى التنازل عن الهدف او الحقوق، وإنما تغيير طرق التفكير وابتداع اشكال جديدة في العمل، لاسيما أن لا شيء كان يوحي بأن إسرائيل يمكن ان تتنازل للفلسطينيين، في ظروف دولية وعربية مواتية لها.

بكلام آخر، فربما كان من المتعذر معارضة الرياح الدولية المتعلقة بالتسوية لكن كان بالتأكيد يمكن مسايرتها بطريقة اخرى، غير التي تمت عليها، والتي قامت على الارتهان للخارج والانشغال بالسلطة وبالمفاوضات وبالبعد الدولي على حساب بناء البيت الفلسطيني. وقد كان الاجدى حينها، مثلا، لو ان المنظمة تركت الإطار التفاوضي لوفد فلسطينيي الداخل، ولم تذهب الى أوسلو مع الإجحافات التي اضطرت للسكوت عليها لتعويم وضعها، وأيضا عدم الجمع بين المنظمة والسلطة وفتح، وعدم التماهي بالسلطة، الذي لم يفيد السلطة والذي همش المنظمة، وذهب بريح فتح وبروحها. وفوقها فقد كان الاجدى تحدي التسوية بطرح خيار الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، كخيار يؤكد وحدة شعب فلسطين وارض فلسطين وقضية فلسطين، أو تحميل المسؤولية للأمم المتحدة، ولقراراتها، طالما ان الأمر على مستوى انهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وهذه كلها خيارات كفاحية، وليست للتفاوض، او الاستهلاك، كما وليست وليدة اللحظة وإنما هذا ما كنا نقوله طوال عقدين.

وفي الواقع فقد كان يجدر بالقيادة الفلسطينية الإدراك مبكّراً أن عملية التسوية، في تلك الظروف والمعطيات، وكما تمثّلت في اتفاق أوسلو، لن توصل إلى شيء، حتى على مستوى دولة في الضفة وغزة، لا سيما أنها مرّت، طوال 27 عاما الماضية، باختبارات عديدة كان يفترض بكل واحد منها ان ينبهها إلى عدم جدوى هذا الخيار. حدث ذلك في المرة الأولى مع انتهاء المرحلة الانتقالية (1999)، وفي الثانية مع إخفاق مفاوضات كامب ديفيد، الخاصة بقضايا الحل النهائي (2000)، وفي الثالثة مع تملّص إسرائيل من خطة “خريطة الطريق”، بشأن إقامة دولة فلسطينية (2002 ـ 2005)، وفي الرابعة مع تعثر مسار “أنا بوليس” (2007) بشأن إقامة دولة فلسطينية أواخر عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. وفي الخامسة مع انتهاء مفاوضات التسعة أشهر (2013ـ2014).

معلوم أن القيادة الفلسطينية لم تشتغل على أساس هذا الإدراك بل إنها ظلّت، بدلاً من ذلك، تراهن على المفاوضات، وعلى موقف الولايات المتحدة، وهي رهانات ثبت أكثر من مرة أنها في غير محلها، وأن لا أساس لها، ما يؤكد ذلك قرار القيادة الفلسطينية العودة إلى سابق عهدها في التنسيق مع إسرائيل والعلاقة معها على كافة المستويات، بعد انقطاع شكلي دام عدة أشهر (من مايو ـ نوفمبر). الأهم من ذلك أن القيادة لم تشتغل على خيارات سياسية أخرى، بديلة أو موازية، ولم تعمل على تأهيل كياناتها السياسية الجمعية (المنظمة والسلطة والفصائل والمنظمات الشعبية)، التي باتت مستهلكة ومتآكلة، ومن دون أي فاعلية. فوق ذلك فإن مسعى القيادة الفلسطينية كسب ثقة إسرائيل والولايات المتحدة، دفعاها إلى الذهاب بعيدا في كبح كل أشكال المقاومة، وضمنها المقاومة الشعبية والسلمية، وحتى انها لم تتعاط بالشكل المناسب مع المسار الدولي المتعلق بمقاطعة إسرائيل ونزع الشرعية عنها.

هكذا، فإن خيار أبو مازن، باستمرار المفاوضة والدبلوماسية، تعتوره عديد السلبيات، فهو لا يتأسس على رؤية سياسية استراتيجية قوامها القطع مع المعادلات التي قام عليها اتفاق أوسلو، ولا يستند الى حالة من المقاومة الشعبية، او حتى إلى حاضنة شعبية، فهو بمثابة عمل من فوق وفي المراهنة على كرم الدول الكبرى لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. وإلى هذا وذاك فإن هذا الخيار لوحده، على أهميته، لا يمكن أن يفضي إلى نتائج ملموسة، لأن إسرائيل أساساً لا يهمها قرارات الأمم المتحدة، ولا مجلس الامن، ولا المؤسسات والهيئات المتفرعة عنها، كونها تتمتع بتغطية وحماية الولايات المتحدة.

الآن، وبعد ان حصل ما حصل، آن للفلسطينيين أن يحسموا خياراتهم، فلا اقل من وقف المسيرة التفاوضية، وإعادة الملف إلى المنظمة الدولية، فليس لدى الفلسطينيين ما يقولونه، طالما ان الامر على مستوى الصراع على الأرض المحتلة 1967، في هذه الظروف، حيث المطلوب تطبيق القرارات الأممية، وهي كافية، وضمنه التوقيع على كل الاتفاقيات الدولية.

أيضا لا أقل من وقف التنسيق الأمني فليس مهمة الفلسطينيين حماية الاحتلال والاستيطان، فهذا مجحف فضلا عن كونه مهين حتى لأرواح الشهداء ولعدالة قضية فلسطين. ولا اقل من وضع حد للفساد الذي أكل من بنية الحركة الوطنية الفلسطينية وأودى بها الى هذه المهالك السياسية واوصل كياناتها الى حال من انعدام الفاعلية، ولا اقل من العودة الى إعادة بناء البيت الفلسطيني، الأمر الذي تأخر كثيرا، وعلى أسس وطنية وتمثيلية وديمقراطية ومؤسساتية؛ هذا إذا مازال ثمة متسع، أو مازال ثمة شيء يمكن إنقاذه بعد كل هذا التدهور في الحركة الوطنية الفلسطينية وكياناتها الجامعة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]