ماجد كيالي يكتب: مراجعة أولية للتجربة الكفاحية الفلسطينية

 

 

من مراجعة التجربة الكفاحية الفلسطينية المعاصرة، بعد أكثر من نصف قرن،  يمكن ملاحظة ان الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة وقعت في عديد من الأخطاء او المشكلات او الإخفاقات الآتية التي يفترض تفحصها واستخلاص العبر منها:

1 ـ طغيان العمل المسلح على مختلف أشكال العمل الوطني الفلسطيني، أي على الكيانات والخطابات والعلاقات الداخلية، على حساب بناء الكيانات السياسية، والتنمية المجتمعية. مثلاً، وفي عودة إلى الخلف يمكن ملاحظة تأثير العسكرة (وهي غير المقاومة) على مجتمع الفلسطينيين في لبنان، وكيف كان قبل وجود الظاهرة المسلحة وكيف أصبح اليوم بناء على تأثيراتها وتداعياتها. والحاصل فإن الحركة الوطنية الفلسطينية، بحكم طابعها كحركة عسكرية، لم تهتم ببناء مجتمعات الفلسطينيين، بقدر ما اهتمت ببناء ميلشيات وأجهزة أمنية وقوات عسكرية (وفقا للتجربة المتشكلة في لبنان فقد أثرت التجربة العسكرية في تهميش مجتمع فلسطينيي لبنان وسيادة البني الفصائلية العسكرية). ومثلاً فقد خرجت حركتنا الوطنية من لبنان (1982)، وتركت مجتمع الفلسطينيين فيه من دون كيانات أو مؤسسات سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، وتخلّت عنه (عملياً) وهو في غاية الاستنزاف والتمزّق، مع أجيال ضاع عليها التعليم. وباختصار فإن أكثر شيء خسرناه في التجربة الماضية هو الموارد البشرية، وعدم القدرة على إيجاد نوع من التنظيم لمجتمعات الفلسطينيين في أماكن اللجوء، علما أن الحركة الوطنية الفلسطينية ابان قوتها في لبنان لم تستثمر ذلك في استصدار تشريعات تخدم حقوق اللاجئين في لبنان، في العمل والمسكن والتعليم والصحة. وقد حصل مثل ذلك، أيضاً، في تجربة الانتفاضة الثانية في الأرض المحتلة، وفي تجربتنا في قطاع غزة، حيث هيمنة الأجهزة العسكرية والأمنية. ثانياً، لقد تم الاعتقاد بأن الكفاح المسلح الفلسطيني سيحرر فلسطين، أي أن الأمر كان يتعلق بالعواطف والرغبات، من دون دراسة الواقع السياسي المحيط، أو المعطيات المتعلقة بنا وبإسرائيل، وحتى من دون دراسة لموازين القوى، ومن دون إدراك للواقع العربي، والمشكلة أننا بقينا على هذا الخيار (حتى في الانتفاضة الثانية 2000ـ 2004). ثالثا، لم يكن لدينا استراتيجية عسكرية أو كفاحية، وانما نوع من عمل مزاجي، وتجريبي وعفوي، مع الاحترام والتقدير للبطولات والتضحيات، وهكذا فقد انتقلنا من اعتبار الكفاح المسلح وسيلة لاستقطاب شعبنا واستعادة قضيتنا، وتحريك الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وفقا لمبدأ “التوريط الواعي” في أدبيات “فتح”، في بداياتها، إلى اعتباره شكلا لتحرير فلسطين، او الوسيلة الأساسية لتحرير فلسطين، مع تبني شعارات مثل حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد وحرب العصابات الخ، وكلها لم تثبت في الواقع لأسباب ذاتية وموضوعية. رابعاً، لقد حول الكفاح المسلح، أو عسكرة الحركة الوطنية الفلسطينية إلى سلطة، قبل انهاء الاحتلال، وهذا ما حصل في الأردن، ثم في لبنان، ثم في الأرض المحتلة (1967) بحيث دخلنا في مواجهات غير محسوبة، استنزفت حركتنا الوطنية وأضرت بها وبمجتمعات الفلسطينيين.

في غضون كل ذلك فقد سهت حركتنا الوطنية عن مسألتين، أولاهما: أن إدراكاتنا للعملية الوطنية، في ظروفنا الخاصة، يفترض أن تتأسّس على ركيزتين، الأولى، مواجهة إسرائيل وسياساتها الاحتلالية والاستيطانية والعنصرية. والثانية بناء المجتمع الفلسطيني، وتنمية موارد الفلسطينيين وتعزيز كياناتهم وترسيخ العوامل التي تسهم في صمودهم في أرضهم، مع ملاحظة أن لا تضر العملية الأولى بالثانية، وأن لا تودي العملية الثانية إلى خلق واقع من الاحتلال المريح والمربح لإسرائيل.

وثانيتهما، أننا لم نول الوسائل الشعبية في الصراع ضد إسرائيل، على نمط الانتفاضة الأولى (وليس الثانية)، الاهتمام اللازم، بالاعتماد على إمكانيات شعبنا الخاصة، ووفقا لقدراته، وتجربته وخبراته، لأن هذا الشكل اثبت جدواه في تلك الانتفاضة، ولأنه يفوّت الفرصة على إسرائيل استدراج شعبنا لأية مواجهات تستخدم فيها قوتها العسكرية لاستنزاف المجتمع الفلسطيني وتقويض قدراته واضعافه، بالنظر للتجارب السابقة.

2 ـ التراجع عن خيار الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية في فلسطين لصالح خيار الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع، منذ طرح البرنامج المرحلي في الدورة 11 للمجلس الوطني (1974)، وكان الأجدى الإبقاء على ذلك الخيار، الذي يفترض تقويض الطابع الاستعماري العنصرية الأيديولوجي لإسرائيل، والاجابة على مختلف الأسئلة التي طرحها قيام إسرائيل، سواء بالنسبة لنا كفلسطينيين أو بالنسبة لليهود الإسرائيليين، بحيث لا نحصر أنفسنا بخيار واحد، وحيد، وبحيث يكون لنا خيارات موازية، لا يكون أحدها بديلا عن الأخر.

3 ـ اعتبارنا أن قضيتة فلسطين هي قضية العرب المركزية في حين أنها كانت موضع استغلال من قبل الأنظمة العربية، إن لتعزيز شرعيتها في مواجهة شعوبها، أو لمصادرة حريات وحقوق مواطنيها، أو لابتزاز الأنظمة لبعضها، والحقيقة فقد تجاوزنا في هذا الشعار طبيعة الأنظمة وعلاقاتها بمجتمعاتها، واعتماديتها السياسية والأمنية والاقتصادية على الولايات المتحدة الأمريكية حليفة إسرائيل.

4 ـ عدم الاشتغال على خلق معادلات وإطارات سياسية تشمل الفلسطينيين في 48، لأهمية ذلك في تعزيز وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة كفاحه ضد المشروع الاستعماري الاستيطاني العنصري الإسرائيلي.

5 ـ لم تشتغل حركتنا الوطنية بشكل مناسب على مخاطبة المجتمع الإسرائيلي، واستثمار التناقضات فيه، وإيجاد مشتركات بين اليهود الإسرائيليين المعادين للاستعمار والعنصرية.

6 ـ هيمنت حركة “فتح” على المجال العام الفلسطيني، من خلال سيطرتها على المنظمة، ومؤسساتها، وعلى المنظمات الشعبية، الأمر الذي أضعف دور تلك المنظمات، وجعلها مجرد منظمات بيروقراطية، وبالتأكيد فإن ذلك أضعف المكانة القيادية لحركة فتح، التي باتت أقرب إلى حركة سلطوية، منها إلى حركة نضالية.

7 ـ ممانعة “فتح” تشكيل مركز قيادي للفلسطينيين في الضفة والقطاع في الانتفاضة الأولى، إذ كان من شأن ذلك الإبقاء على مكانة منظمة التحرير كإطار جامع للفلسطينيين، وترك أمر المفاوضات لفلسطينيي 67 الذين كانوا يؤكدون تابعيتهم للمنظمة، وبالتالي كان يمكن تجنب ما حصل في أوسلو وبعدها. لعله في ذلك كان يمكن تجاوز احدى أهم نقاط الضعف في الوضع الفلسطيني، المتمثلة في مركزيته الشديدة، رغم تشتّت مجتمعات الفلسطينيين، هذه المركزية قد تكون نقطة قوة للوهلة الأولى، او في مرحلة ما، لكنها نقطة ضعف كبيرة، أيضاً، لأنها تحرم المراكز الفلسطينية القدرة على الابداع والتطور والمرونة وبناء مراكز قوة متعددة، ناهيك أن ذلك يجعل القيادة الفلسطينية مكشوفة إزاء إسرائيل، ومن معها، الأمر الذي يسهّل عليها الضغط على الفلسطينيين وبالتالي على قيادتهم.

8 ـ غلبة شعارات وانشاءات عاطفية ورغبوية على معظم الفكر السياسي الفلسطيني، في تلك المرحلة، رغم عدالتها ومقاربتها للحقيقة، إلا أنها لم توازن بين الواقع والطموح، والإمكانيات والرغبات، وبين العاملين الداخلي والخارجي، وبين الراهن والمستقبل.

9ـ اختزال قضية فلسطين بالأرض المحتلة (1967)، واختزال الشعب الفلسطيني بفلسطينيي الضفة وغزة، واختزال الحقوق الوطنية بإقامة كيان أو دولة مستقلة؛ أي أن الفكرة هنا تحمل شبهة تفكيك مفهوم الشعب الفلسطيني، وطمس الرواية الفلسطينية الأساسية المتعلقة بالنكبة والمقاربة مع الرواية الإسرائيلية المتعلقة ببدء الصراع في العام 1967، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل تصارعنا أيضاً على ماتعتبره حقا لها في الضفة والقدس الشرقية. والمغزى، فإن المطلوب خياراً وطنياً فلسطينياً، أو رؤية سياسية، تأخذ في اعتبارها الإجابة على مجمل التساؤلات التي يطرحها الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم، والتي من شأنها، أيضاً، تنمية المشاعر والروابط المشتركة بينهم كشعب، والمطابقة بين قضية فلسطين وجغرافية فلسطين وشعب فلسطين، مع استيعاب المسائل الناشئة عن قيام إسرائيل.

10 ـ حصر الصراع مع إسرائيل بالأرض، فقط، من دون شمول ذلك الصراع على الحقوق والقيم المتعلقة بالحرية والمواطنة والعدالة التي تعني إضفاء معاني، أو مضامين، ملموسة أكثر على فكرة التحرير، فهذه هي اللغة التي يفهمها العالم اليوم أكثر، من غيرها، وهي التي تجعل للفلسطيني مصلحة مباشرة بالكفاح. ويفترض الانتباه إلى أن هذه الفكرة تعني، أو تفترض، تقويض الصهيونية التي تقوم على دولة يهودية، أو دولة عنصرية واستعمارية، أو تفضي إلى كل ذلك. فإذا كان الفوز، أو الانتصار على المشروع الصهيوني، المتمثل في إسرائيل الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية والدينية، يتطلب توفر معطيات عربية ودولية لصالح شعبنا، فإننا في ذلك نكون جنّبنا شعبنا الدخول في معارك فوق طاقته، وفوّتنا على إسرائيل جرّنا إلى معارك تستنزفه، وتدمر طاقاته، كما حصل في تجربتنا الوطنية. كما إننا في هذا الأمر ربما نفتح المجال واسعاً أمام حركتنا الوطنية للاستثمار في التناقضات الإسرائيلية، ناهيك عن تفويت الفكرة الصهيونية التي تتأسس على معادلة الحرب الوجودية، عرب ضد يهود، والتي شكلت محور الهوية الإسرائيلية، أو محور الاجماع الإسرائيلي.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]