ماجد كيالي يكتب: من الشرعية الثورية إلى الشرعية التمثيلية

 

لا يختلف النظام السياسي الفلسطيني عن غيره من الأنظمة، المفوّتة والمتكلّسة والطفيلية، التي لا تريد أن تستوعب، بطريقة صحيحة ومناسبة، ضرورة التغيير والتطوير، بل وتعاند ذلك في محاولاتها إعادة انتاج ذاتها كسلطة والحفاظ على مكانتها ووظائفها وامتيازاتها.

وفي الواقع فإن النظام السياسي الفلسطيني السائد، المتمثّل بسلطة تحت سلطة الاحتلال، أزاح النظام السياسي السابق المتمحور حول منظمة التحرير، وأزاح معها متطلّبات حركة التحرر الوطني، والمشكلة أن هاتين الإزاحتين حصلتا بدعوى، أو باسم، “الشرعية الثورية”، التي لم يتبق منها شيئاً في الواقع، لا على صعيد الخيارات ولا الكيانات ولا أشكال الكفاح، لا على صعيد شرعية المنظمة ولا على صعيد شرعية السلطة.

القصد أن النظام السياسي السائد مازال يدّعي الشرعية الثورية، أي تلك المتأتية من البندقية، أو من الصراع مع العدو، في وقت لم يتبق فيه دور لحملة البنادق، ولم يعد فيه متّسع لممارسة الصراع ضد العدو، لا بالمقاومة المسلحة (لا من الخارج ولا من الضفة وغزة)، ولا بالمقاومة السلمية. وفوق كل ما تقدم فإن البني، التي كانت تدعي تلك الشرعية، ضمر دورها، إن في مواجهة التحديات التي تفرضها إسرائيل، أو في مجال بناء الوضع الفلسطيني، وهذا ينطبق على المنظمة والسلطة والفصائل. أما على صعيد الخيارات السياسية فقد تآكلت من تحرير فلسطين إلى حل الدولة في الضفة والقطاع إلى اتفاق أوسلو (1993).

ما معنى ذلك؟ هذا يعني أن الوضع الفلسطيني بات بحاجة ماسة لإعادة بناء جديدة، من كل النواحي، وهذا يخصّ البنى الجمعية والفصائلية. لكن هذا السؤال يفتح على أسئلة أخرى، من نوع أي بناء نريد؟ أو ماهي المعايير لإعادة البناء؟

في الإجابة على كل ذلك لا يمكن التهرّب من الحسم، أو بالأحرى القطع، مع ما يسمى “الشرعية الثورية”، والتي هي مجرد تغطية على الشرعية الفصائلية، لأن هذه الشرعية، في حقيقة الأمر، لم تعد تتلاءم مع الأوضاع والتطورات الناشئة في المجتمع الفلسطيني، ولا مع متطلبات إشراك قطاعات واسعة من الفلسطينيين في الكفاح من اجل حقوقهم، فضلا عن إنها لاتعبر عن أوزان الكيانات السياسية السائدة في هذا المجتمع، هذا عدا عن إنها باتت غريبة عن معطيات هذا العصر.

ومعلوم أن تلك الشرعية كانت تأسست قبل أربعة عقود من الزمن، في الخارج، وفي زمن الكفاح المسلح، مايعني أن الظروف التي أتت بها اختفت، أو اختلفت. وحقا ثمة ضرورة ملحة للتغيير الذي طال كثيرا، فالكيانات السياسية السائدة كانت نشأت في ظروف فلسطينية وعربية ودولية معينة، واتخذت أشكالا معينة، ومارست وسائل نضالية معينة، أما الآن فقد تغيرت هذه الظروف، وتآكلت هذه الكيانات وترهلت وشاخت وفقدت حيويتها النضالية، وهذه الكيانات تخلت عن دورها في مواجهة عدوها، وفقدت طابعها كحركة تحرر وطني، بتحولها إلى سلطة، وفضلا عن ذلك فقد ضمرت مكانتها التمثيلية، ولم تستوعب التغيرات عند شعبها. وهذه الكيانات، فوق كل ما تقدم لم تقم يوما بمراجعة تجربتها من الاردن إلى لبنان إلى الأراضي المحتلة، ولا تجربتها السياسية والتنظيمية والعسكرية والتفاوضية، لذلك فقد انتهى دور هذه الكيانات، ليس لأن احدا يريد، أو يقول، ذلك، بل لأنها هي بواقعها وبأحوالها تؤكد ذلك.

القصد من ذلك أن هذه الكيانات انتهى دورها، تماما مثلما انتهى دور الأحزاب التقليدية في عديد من الدول العربية، والتي لم تنته بقرار، وإنما انتهت بالقطع معها ومع أشكالها وخطاباتها، وبانصراف الأجيال الجديدة عنها، وبعدها انتهت بتجاوز الشباب والشعب لها؛ هذا حصل في مصر وتونس، وهذا سيحصل في أماكن أخرى،وهذا سيحصل عند الفلسطينيين، أيضا، عاجلا أم آجلا، بطريقة أو بأخرى، بإرادة هذه الكيانات أو بتجاوزها، أي بالرغم عنها.

على ذلك فإن المطلوب الآن، إعادة الاعتبار للبعد التمثيلي في التأسيس للشرعية الفلسطينية، وهذه الشرعية لايمكن أن تتأتى إلا عبر الانتخابات، أي عبر صناديق الاقتراع، أي بعيدا عن كل تراث المحاصصة والمصالح الفئوية الضيقة (والتي هي كناية عن مصالح سلطوية).

أما المعيار الثاني في بناء الوضع الفلسطيني، فيتأتى عبر إعادة صوغ المشروع الوطني، فعلى ضوء تعقّد أوضاع الفلسطينيين، واختلاف اولوياتهم، بين مطالب حق العودة للاجئين، ودحر الاحتلال للفلسطينيين في الضفة والقطاع، والمساواة بالنسبة للفلسطينيين في مناطق 48، بات من الملح توليد رؤية، أو معادلات، سياسية جديدة، تتيح ربط الأولويات والحاجات الفلسطينية مع بعضها، بحيث لاتنافس الواحدة الأخرى، ولا تبدو بديلا لها، وإنما عاضدا ومكملا لها.

وبغض النظر عن الجدل، أو الاختلاف، الذي يدور حول ماهية المشروع الوطني المطلوب، يمكن القول بأن مايحسم في هذا الموضوع هو تعريف الشعب الفلسطيني. ومثلا، فإذا كان تعريف هذا الشعب يشمل الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، فهذا يعني أن المشروع الوطني يجب أن يشمل، أو يستوعب، كل أولوياتهم، بغض النظر عن امكان تطبيق ذلك، في المدى المنظور من عدمه، أي وفق رؤية مستقبلية. أما في حال اختزل هذا الشعب في أحد أجزائه، فعندها يمكن للبعض أن يطرح حلولا جزئية، ولكن ذلك سيكون على حساب وحدة الشعب الفلسطيني، وعلى حساب قضيته، وحقوقه، وهذا لن يفيد شيئا، ولنا في تجربة اختزال الأهداف الفلسطينية بهدف الدولة في الضفة والقطاع اكبر دليل على ذلك، فهذا الهدف لم يبد انه هدفا واقعيا أكثر من غيره.

الآن، وطالما أن تعريفنا للشعب يشمل الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، فإن المعادلة المفترضة هنا، لإيجاد رؤية سياسية مستقبلية وجامعة، ينبغي أن تتأسس على النضال من اجل حل الدولة الواحدة في فلسطين، على أسس تحررية وديمقراطية وعلمانية، وعلى أساس الحقيقة والعدالة (بحسب ادوارد سعيد).

وربما ان هكذا حل هو الأنسب لكل تعقيدات الوضع الفلسطيني، كونه يجيب على مختلف الأسئلة التي يطرحها هذا الشعب، بمختلف أماكن تواجده، فضلا عن انه يستوعب المشكلة الإسرائيلية، ويتجاوب مع القيم الإنسانية العالمية، قيم الحرية والكرامة والحقيقة والعدالة والديمقراطية والسلام.

هكذا، ففي إطار من تلك الرؤية يمكن للفلسطينيين أن يناضلوا كشعب واحد، من اجل ارض واحدة، على أرضية ديمقراطية وعلمانية، بحيث لايظهر أي هدف في مواجهة هدف آخر، وبحيث تتكامل أهدافهم، في المدى المستقبلي.

يبقى القول بأن هكذا حل لا يتأتى من الحلول التفاوضية، ولايطرح للتطبيق الفوري، وإنما هو يتأتى كنتاج عمليات، أو مسارات، نضالية، ونتاج تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية عند الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي عموم المنطقة.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]