ماجد كيالي يكتب: نقاش في شأن استعصاء الديمقراطية عربيا

ماجد كيالي

لم يستطع الوضع العربي السياسي والمجتمعي والثقافي تمثّل قضية الديمقراطية، وتقع مسؤولية ذلك (بحسب “هرطقات” جورج طرابيشي) على عاتق الحكومات والمجتمعات، حيث الذين فوق يسيطرون بسلطاتهم والذين تحت يسيطرون بثقافاتهم وعاداتهم؛ علما بأن تلك مساواة مجحفة، إذ أن الدول هي بمثابة جهاز جبار، وهي بمؤسساتها تتحكم بمجمل العمليات، سلبا أو إيجابا.

والمعنى أن إعاقة الديمقراطية، واستعصاء الديمقراطية، لا تصدران عن جوهر ثابت أو مطلق (على مايذهب البعض من المستشرقين والمتغرّبين)، وإنما عن تكلّس الواقع العربي، وهشاشة التفاعلات والفاعلين فيه، مايضعف قدرته على النهوض والتطور.

هكذا دخل الوضع العربي في مسار التحديث من دون حداثة، وعرف من الحداثة مظاهرها وتجلياتها، دون التعمق بجوهرها، وتوسّل أدواتها، والمشاركة بإعادة إنتاجها. في المحصلة فقد تم الانتقال إلى إطار المدينة من دون تمدين، بمعناه وثقافته الهوياتية والأداتية؛ أي تم أخذ المكان (المدينة) من دون أن نتمثل زمان المدنية ودلالاتها وتعبيراتها المجتمعية والمؤسسية.

فضلا عن ما تقدم فإن محنة الديمقراطية في العالم العربي تنبع من افتقاد الموروث التاريخي، السياسي والثقافي، لمفهوم الدولة والمواطنة، واتكاء هذا الموروث على مفاهيم “الخلافة” الدينية، و”الأحكام السلطانية” والنماذج “المملوكية”، وثمة في الواقعين الثقافي والسياسي ما يعمل على تكريس هذا الموروث وإعادة إنتاجه، بتلاوين مختلفة. وفي هذا الإطار يمكن ملاحظة عديد من الإشكاليات التي تعاني منها عملية إرساء الديمقراطية في العالم العربي.

الإشكالية الأولى، تتعلق بطبيعة تشكّل الدولة في البلدان العربية، التي نشأت، في الأغلب، إما على حامل المؤسسة العسكرية (الجيش)، وإما على خلفيات قبلية /عشائرية. هكذا قادت هذه الأوضاع إلى تآكل الدولة المفترضة (دولة المؤسسات والقانون) لصالح السلطة، وإلى تهميش المجتمع، وعرقلة تحديثه وتمدينه، كما أدت إلى التحكم بمصادر الثروة والقوة والتشريع. ولعل تجاوز هذا الحال لا يكمن فقط في إرساء تكريس الشرعية السياسية عبر الانتخابات والاستفتاءات (على ما يحصل في بعض البلدان العربية)، وإنما هو يكمن بداية بإعادة الاعتبار للدولة (المؤسسات)، وإعلاء شأن القانون، وفصل السلطات، واحترام الحريات الفردية والعامة، وتحقيق المساواة بين المواطنين. فهذه هي المداخل الحقيقية اللازمة لإرساء التحول الديمقراطي في العالم العربي، وبعد ذلك تأتي قضية الانتخابات والاستفتاءات، وتداول السلطة؛ أي أن الديمقراطية تأتي تاليا لمسألتي الدولة والمواطنة، والاعتراف بالحريات والحقوق الأساسية.

الإشكالية الثانية، وتتعلق بمستوى التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في العالم العربي، وهو عموما مستوى متدن وضاغط، ويحول دون تمكين الأغلبية من حيازة وعي سياسي واجتماعي لائق، ويحد من قدرتها على الوصول إلى مصادر المعلومات، ويضعف إمكانية معرفتها لحقوقها ومصالحها، وبالتالي ممارستها حرياتها، بعيدا عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. صحيح أن ثمة دول ذات مستوى اقتصادي واجتماعي متدن تمارس عملية الديمقراطية وعملية تداول السلطة (مثلا باكستان والهند)، إلا أن وجود مستوى لائق من التنمية يبقى على غاية الأهمية بالنسبة لضمان مشاركة سياسية حقيقية، وإرساء ديمقراطية فاعلة، بعيدا عن سلطة أو هيمنة المال والضغوطات المالية. ولا شك هنا بأن الفرد الأكثر تعليما، والذي يحظى بحد مناسب من العيش بحرية وكرامة، هو أكثر قدرة على معرفة مصالحه والذود عن حرياته وعن حقوقه؛ في حين أن الفرد العربي، على الأغلب، يعيش في غربة عن مجتمعه وعن دولته، وهو بالكاد يدرك حقوقه ومعنى مواطنيته، فيما هو غارق في هموم تحصيل لقمة العيش، وتأمين مستلزمات المأكل والملبس والمسكن، فضلا عن تكاليف التعليم والطبابة وغيرها.

الإشكالية الثالثة، وتتعلق بطبيعة البنية الاجتماعية والثقافية السائدة في البلدان العربية، وهي بنية قبلية، عشائرية وعائلية وطائفية ومذهبية وإثنية، وتنتمي لمرجعيات دينية، ومذهبية. وبديهي أن هكذا خلفيات تعيق الاندماج المجتمعي في البلدان العربية، وتحد من الانتقال إلى مسار الحداثة (مسار المواطنة والدولة والعقل)، وتساهم في إبقاء المجتمعات في حال من التفكك والاستنفار، وتحول دون تبلور المجتمع المدني.

الإشكالية الرابعة، وهي تتعلق بالاحتلالات والتدخلات والضغوط الخارجية، فلا شك أن قضية فلسطين والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وتزايد مخاطر النفوذ الإيراني في المشرق العربي واليمن، كلها تسهم في إعاقة الديمقراطية، وتثير الشبهات بشأن ضرورتها أو أولويتها.

هكذا تتمثل محنة الديمقراطية عندنا بعدم اكتمال دورة التطور باتجاه الحداثة، أي باتجاه العقلانية والتمدين والدولة والمواطنة والحريات الأساسية (بما فيها حرية الرأي والمعتقد)، فضلا عن التشوهات التي باتت تحيط بهذه الدورة.

 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]