ماجد كيالي يكتب: نقاش في هبوط مكانة الولايات المتحدة.. ما الذي يحدث فعلا؟

ماجد كيالي

عاد الحديث عن صراع الأقطاب إلى صدارة الاهتمامات والمناقشات مجددا، على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا، فثمة من يرى أننا إزاء مرحلة ستفضي إلى عالم متعدد الأقطاب، وثمة من يرى أن الولايات المتحدة تفقد مكانتها كقطب أوحد، وثمة من لا يرى أيا من ذلك.

الجدير ذكره أن هكذا كلام عن حتمية انهيار الإمبراطورية الأميركية، والعالم الرأسمالي، كان أكثر حيوية وحضورا إبان الحرب الباردة، أو أيام عالم القطبين، بوجود الاتحاد السوفييتي حينه، إذ كان كثر يستطيبون الحديث عن الانتصار المؤكّد لما كان يسمى «قوى الثورة العالمية»، التي تضمّ منظومة الدول الاشتراكية والأحزاب العمالية في البلدان الرأسمالية وحركات التحرر الوطني. وكانت مشكلة أصحاب هكذا كلام تكمن في يقينيّاتهم، ونظرتهم الأيديولوجية، وعقليتهم الإيمانية، ونزعتهم الرغبوية، التي لا تستند إلى حقائق وإحصائيات، فضلاً عن تعريفهم لأحوالهم بدلالة الآخر، باستغراقهم في بحث أزمات الرأسمالية، من دون إدراك الأزمات العضوية التي تعشش في منظوماتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

في المحصلة، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ انهار الاتحاد السوفييتي، ومعه المنظومة الاشتراكية، وانتهت علاقات الحرب الباردة وأحزابها وترسانتها الأيديولوجية، من دون حرب، ومن دون أي رصاصة، إذ لعبت «القوة الناعمة» وجاذبية النموذج ووسائل الإعلام دورها.

بعد ذلك حملت إيران راية التبشير بانهيار الولايات المتحدة، وتحدّيها، باعتبارها زعيمة “الاستكبار”، و”الشيطان الأكبر”، لكن إيران، رغم ادعاءاتها، كانت تتعامل بطريقة عملية، تخدم مصالحها، ما تكشّف في تواطؤها مع الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، ثم في تسهيلها صفقة تدمير «الكيماوي» السوري، وإبرامها الصفقة المتعلقة ببرنامجها النووي، التي تتفاوض هذه الأيام لاستئنافها، ورفع العقوبات عنها.

في الغضون ثمة الصين، التي لم تقل شيئا لكنها فعلت الكثير، فالصين لم تهتم بمكانتها كقطب بالإنشاءات والشعارات، ولا بتوسيع نفوذها الإقليمي بواسطة تصدير الثورة، أو بواسطة القوة العسكرية، وإنما هي فعلت ذلك من خلال التركيز على التنمية الداخلية، أي تنمية الاقتصاد وتطوير العلوم والتكنولوجيا، ومع إدارة رشيدة للموارد البشرية، وبناء علاقات تجارية في كل مكان، بحيث نقلت مع التجارة نموذجها ونفوذها كقوة ناعمة، وهاهي الصين تعتبر قطبا اقتصاديا، مع قوة عسكرية.

على ذلك فإن مشكلة البعض في الحديث عن صراع الأقطاب تكمن في التشبّث بمفاهيم تجاوزها الزمن، عن معنى الربح والخسارة، أو النصر والهزيمة، وعدم تفهمّ التغيّر في عوامل القوّة في العلاقات الدولية، والتعامل مع الدول الكبرى وفق نظرة متخيّلة، وثابتة. هكذا، ثمة استمراء لاعتبار الولايات المتحدة أميل لاستخدام القوة لفرض إرادتها، علماً أنها واجهت الكثير من الأحداث الدولية بالديبلوماسية والضغط الاقتصادي، وعلما إنها توسع نفوذها السياسي والحيوي بواقع أنها المولد الأساسي للتطورات التكنولوجية والعلمية في العالم، وبما يطلق عليه جوزيف ناي «القوة الناعمة»، المتأتيّة من قوة النموذج والإقناع وتأثير وسائل الإعلام، ونمط الثقافة والتعليم، والشرعية.

المشكلة الأخرى في هذه التصورات النمطية تجاهلها أن الدول الديموقراطية، رغم كل ثغراتها وملاحظاتنا عليها، تشتغل في الأغلب وفق مبادئ المصلحة والعقلانية، وعلى أساس التقاطع بدل القطع، والاعتماد المتبادل بدل الصراع المتبادل، في العلاقات الدولية، وهذا ما يفسر التشابك الاقتصادي، وعلاقات الاعتمادية الهائلة بين الصين والولايات المتحدة، رغم التنافر بينهما.

على ذلك فإن ما قد يعدّ تراجعاً في سياسة الولايات المتحدة، وفق معايير معينة، يقع من منظورها في إطار مراجعتها لذاتها ولدورها وللعالم، وما نظنه خسارة قد تراه بمثابة ربح لها، وضمن ذلك تقليل أكلاف أعبائها الخارجية، وحثّ الآخرين (والدول الأوروبية وباقي حلفائها) على تحمل مسؤولياتهم، وفي هذا يأتي شرط الرئيس السابق دونالد ترامب على دول الناتو أن تخصص 2 بالمئة من دخلها القومي للإنفاق العسكري، وهو ما فعلته المانيا مؤخرا، بتخصيصها مئة مليار لتعزيز جيشها وتسلحها (دخلها 5 تريليون دولار سنويا)، لكن ذلك أتى سريعا بسبب زيادة مخاوفها من الخطوة الروسية في أوكرانيا.

المعنى أن القصة تتعلق غالباً بترتيب أولويات، ففي منطقتنا ظلّت سياسة الولايات المتحدة، لعقود، ترتكز على أربعة أسس: أمن النفط، وضمان أمن اسرائيل وتفوقها، وحماية الأنظمة «الصديقة»، وعدم السماح لقوة أخرى بالسيطرة على المنطقة، لكنها مؤخّراً أخضعت لتعديلات، تتمثل بالتخفّف من بعض النظم «الصديقة»، والسعي لإشراك آخرين في تحمل أكلاف القلاقل في الشرق الأوسط. ولعلّ هذه التعديلات دليل اطمئنان الولايات المتحدة لمكانتها كقوة عظمى، توزّع الأدوار على الآخرين، وتكيّفهم مع سياساتها ومصالحها.

فيما يخص تراجع مكانة الولايات المتحدة كان بول كندي خصص كتابا عنوانه: «صعود وهبوط القوى العظمى»، تنبأ فيه بهبوط مكانة الولايات المتحدة، بسبب أعبائها الخارجية وإنفاقها العسكري، قبل عقود، لكنها لم تنهر بعد. والمغزى أن ذكر الثغرات لتلافي سلبياتها، وهو أمر لا نقوم فيه في بلداننا، وفي بلدان كثيرة سيما التي توجد فيها سلطة طاغية.

في المقابل كان ثمة وجهات نظر أخرى، فصموئيل هنتنغتون اعتقد أن الأمر يتعلق بعالم «أحادي لكن متعدّد الأقطاب»، أما فريد زكريا فيعتقد أن الولايات المتحدة حافظت على مكانتها كقوة عظمى طوال العقود الماضية، وإن القصة لا تتعلق بهبوط مكانتها وإنما بـ «صعود البقية»، بعد التعافي من الحرب الثانية، كاليابان وألمانيا، وبعدها الصين.

ويستمد هذا الكلام وجاهته ليس من الجبروت العسكري للولايات المتحدة، فحسب، والتي تبلغ موازنتها العسكرية نصف إنفاق العالم تقريبا، ولا من قوتها الاقتصادية، فقط، مع 23 تريليون دولار، وهي تعادل ما يقرب من ربع الاقتصاد العالمي، مقابل الصين التي يبلغ ناتجها السنوي 14 تريليون دولار (مع فارق أن سكانها أربعة اضعاف سكان الولايات المتحدة)، في حين يبلغ الناتج السنوي لروسيا 1.7 تريليون دولار (مع العلم أنها أكبر دولة في العالم من حيث المساحة وأكثر دولة فيها ثروات باطنية)، أي أن قوة روسيا الاقتصادية أقل من إيطاليا وكذلك أقل من كوريا الجنوبية.

باختصار ثمة في الولايات المتحدة ألف مشكلة ومشكلة، فهي ليست «الجمهورية الفاضلة»، ولنا معها أيضا مئة مشكلة ومشكلة، لكن ثمة مئات المشكلات في البلدان الأخرى، لذا فهي، وبغض النظر عن رأينا فيها، ستبقى، أقله في المدى المنظور، بمثابة قوة عظمى وحيدة في عالم متعدد الأقطاب، بسبب ميّزاتها وحيويتها، وبالضبط بسبب استثمارها في قوتها الناعمة، وكمولد لمعظم التطورات التكنولوجية والعلمية في العالم.

هذا هو الوضع أعجبتنا الولايات المتحدة أم لم تعجبنا، ورغم كل ما لنا عليها، فالرغبات غير الوقائع.

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]