«هناك محاولة لشل المجتمع المدني في مصر، بما لا يدع مجالا للشك في أن الحكومة عازمة على قمع الحريات والتجمع»، كلمات وجهتها منظمة العفو الدولي منذ أيام في بيان شديد اللهجة، لتشارك بهذا التصريح تعقيباً على ما اعتبره البعض صراعاً ما بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني.
بعد أن دخلت قضية التمويل الأجنبي طي النسيان، منذ صدور الحكم في القضية الأشهر التي تحمل اسم «173»، إلى أن عادت القضية للأضواء مرة أخرى مع نشر الصحف لتأكيدات بإعادة فتح القضية مرة أخرى.
وبالفعل منع 4 متهمين وأسرهم من التصرف في أموالهم، على خلفية التحقيقات التي تجرى بشأنهم في قضية تلقيهم تمويلا أجنبيا، بمبلغ يزيد عن مليون ونصف المليون دولار أمريكي.
بداية القصة
بداية القضية كانت عام 2011، عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتحديدا في مايو/ آيار من نفس العام، عندما أعلنت آن باترسون السفيرة الأمريكية للولايات المتحدة آنذاك، أن بلادها قدمت في الفترة من فبراير/ شباط 2011 وحتى مايو/ آيار من نفس العام مبالغ تزيد على 40 مليون دولار لدعم الديمقراطية في مصر، مشيرة إلى أن 600 منظمة مصرية تقدموا بطلبات للحصول على منح أمريكية.
وفي كلمة لها أمام لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب، أشارت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي فايزة أبو النجا إلى أن الفترة من مارس/ آذار حتى يونيو/ حزيران 2011 شهدت تمويلا أمريكيا لمنظمات المجتمع المدني، بلغ 175 مليون دولار، بينما لم يتجاوز هذا التمويل في 4 سنوات (من 2006 حتى 2010) مبلغ 60 مليون دولار فقط.
بناء على هذه التصريحات تشكلت لجنة لتقصي الحقائق في يوليو/تموز 2011، للكشف عن حقيقة هذه التصريحات، لتنتهي التحقيقات بإحالة 43 متهما لمحكمة جنايات القاهرة من بينهم 19 أمريكيا بعد أن ثبت أن حجم التمويل قد بلغ 60 مليون دولار، فيما يقدر بنحو 360 مليون جنيه مصري.
واستمرت المحاكمة إلى أن توقف التحقيق فيها حينما تم السماح لـ17 متهمًا أجنبيًا في أول مارس/ آذار عام 2012 مغادرة القاهرة على متن طائرة أمريكية، وذلك بعد قرار النائب العام السابق المستشار عبد المجيد محمود، برفع أسمائهم من قوائم الممنوعين من السفر.
ليحكم في القضية في يونيو/حزيران 2013، بحبس 27 متهمًا بالسجن 5 أعوام ومعاقبة 5 متهمين بالحبس عامين مع الشغل ووقف عمل جميع منظمات التمويل الأجنبي.
التمويل الأجنبي
عند قيام ثورة 25 يناير طالب عدد من السياسيين بإنشاء مجلس وطني لتمويل منظمات المجتمع المدني ليكون بديلاً عن التمويل الأجنبي، وزاد الحديث وتبادل اتهامات خيانة وعمالة منظمات المجتمع المدني.
لكن التمويل الأجنبي هو شكل قانوني منذ عام 2002، أقره قانون 84 المنظم لإنشاء الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، فقبل هذا التوقيت كانت الدولة تغض الطرف عن التمويل الأجنبي، الذي كانت تتلقاه المنظمات منذ أن نشأت عام 1985.
ومؤخرا قامت غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، بتفعيل وحدة لمتابعة ورقابة وتقييم عمل المؤسسات الأجنبية والدولية في مصر لمساعدة الوزارة والمنظمات في العمل في مصر بشكل فعال.
بيان عاجل لمجلس النواب
لم يقف الأمر على إعادة التحقيق في القضية «173»، بل أثير الأمر لدي نواب البرلمان المصري، فتقدم النائب أحمد مصطفي عبد الواحد نائب المجلس عن حزب حماة الوطن بطلب عاجل، لفتح ملف التمويل الأجنبي لجميع المنظمات الحقوقية والجمعيات الأهلية حتى يتم محاسبة كل من حصل على أي تمويل أجنبي من الخارج.
وقال مصطفى، خلال البيان العاجل الذي تقدم به إلى الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب لتوجيهه إلى المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، إنه يجب الكشف عما يسمون أنفسهم بالنشطاء والحقوقيين ومعرفة مصادر تمويلهم وحجم التمويل الذى حصلوا عليه من الخارج.
وأوضح عبد الواحد، في تصريحات خاصة للغد، أن السر في إثاره هذا الملف حاليا هو أنه مسكوت عنه ومغلق منذ سنوات، مشددا على أن هناك 3 مليارات دولار جاءت من الولايات المتحدة وقطر، ووزعت للمنظمات والجمعيات داخل مصر، وعلينا أن نعرف من أخذها وفيما صرفت.
وشدد على أن القضية ليست محاولة منع أو وقف التمويلات الخارجية، بالعكس هو مع وجودها، فهي تسهم في مشروعات تستفيد منها الدولة، فالموضوع متوقف على مدى استفادة الدولة.
وأضاف أن الطلب، الذي تقدم به سيناقش بعد 27 مارس/ آذار عقب بيان الحكومة أمام مجلس النواب، مؤكدا على فتح هذا الملف عقب ذلك.
رغم أن اسمه ضمن قائمة المنظمات «المتهمة» بالتمويل الأجنبي، التي نشرتها الصحف المصرية، إلا أن سعيد عبد الحافظ، رئيس ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، يؤكد أنه لا أزمة، وأن الموضوع «بسيط وعادي جدا».
ووصف القوائم الصحيفة بأنها «كلام فارغ»، وأنه ليس مطلوبا ضمن القضية بعكس ما ذكرت الصحف.
وقال إنه حتى لو كان مطلوبا قلا يوجد انتهاك من الدولة، فمن حق جهات التحقيق التحري والتأكد من الموقف المالي والقانوني للمؤسسات، فمثلا من تم التحفظ على أموالهم كان رصيدهم نحو مليون ونصف المليون دولار.
وشدد على أن الأمر ليس سياسيا ولا له علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية، موضحاً أنه فقد تحري وتأكد من المواقف القانونية والمالية لمنظمات المجتمع المدني.
ويشير، في تصريحات خاصة للغد، إلى أن الأزمة سببها 12 منظمة ترفض رفضا تاما وباتا الخضوع لقانون الجمعيات، ورغم ذلك تمارس دورها في الحصول على تمويلات خارجية من جهات معلومة وغير معلومة تحت وجهة نظر لهم بأن الحقوقيين خارج سيطرة الدولة.
وقال إن الأزمة حاليا تطال 3 فئات وهم، نحو 45 منظمة ذكرت أسماؤهم بلجنة تقصي الحقائق في 2011 وتأكد تلقيهم تمويلات أمريكية قبل وبعد 6 شهور من الثورة، والفئة الأخرى جمعيات قانونية حصلت على أموال بعد ثورة ولم تحصل على موافقة وزير التضامن نظرا للفوضى، التي كانت موجوده وقتها، الفئة الأخيرة هي متهربة من الضرائب ولم تسدد أموال للدولة.
أين المشكلة؟
يرى أيمن عقيل، رئيس منظمة ماعت للسلام، أن من وجهة نظره فالمشكلة ليست مع منظمات المجتمع المدني المشهرة طبقا لقانون 84، فهذه المنظمات تسيطر عليها الدولة من حيث المشروعات والأنشطة، تحت بصيرة الأجهزة الأمنية والإدارية المتمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي.
ويضيف، في تصريحات للغد، أن المشكلة مع المنظمات التي تخضع للضرائب، لكنها مشهرة كشركات أو مكاتب محاماة أو مكاتب استثمارية، ومع ذلك تصدر بيانات عن انتهاكات حقوق الإنسان تزعج الحكومة.
الحل من وجهة نظر عقيل، هو أن تخضع هذه المنظمات لرقابة الدولة، وتتعامل كمنظمات مجتمع مدني، موضحا أنه مع الرقابة على المنظمات من تمويل وأنشطة، لكنه ضد تقييدها وتقيد عملها، فالفارق بينهما كبير.
ويرى أن التخوفات من حق الدولة، لذا عليها أن تحقق وتعلن نتائج عادلة وشفافة إذا ثبت ارتكاب أي خطأ من أي منظمة مالي أو إداري، أو أنها تتعامل مع منظمات غير مشروعة فتمتع من العمل، أم غير ذلك فتترك تعمل خصوصا أن كل دول العالم تدرك أن المنظمات شريك أساسي في عمليات التنمية.
ورغم أن ماعت اسمه من ضمن الأسماء التي نشرتها الصحف في قوائم تدعي أن هذه المنظمات متورطة في القضية «173»، التي أعيد فتحها، إلا أن عقيل يؤكد أنه حتى الآن لم يصدر قرار بمنع أو تحفظ على أموال المؤسسة أو القائمين عليها.