كغيره من موروثات الشعب الفلسطيني، لم يسلم «عنب» محافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية، من الاستيطان وآثاره السلبية، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي استهدف الإنسان، وطال الشجر والحجر.
«عنب الخليل»، الذي تغنّى بحلاوته الشعراء قديماً وقالوا «الشهد في عنب الخليل»، بات يئن في موسم جني ثماره، من مرارة الاستيطان، بعد أن كان سبباً في جعل المحافظة محطة أنظار الفلسطينيين عامة والتجار خاصة، في هذا التوقيت من كل عام، بفضل شهرته الواسعة.
ففي تقرير لوكالة أنباء الأناضول، رصد شكاوي مزارعين العنب الذي بات مهددًا من منافسه الإسرائيلي الذي يزرع في المستوطنات، ويزرع بالأسمدة والمواد الكيماوية، ثم تغرق به إسرائيل الأسواق.
يوسف أبو ماريا، مزارع فلسطيني وناشط في قضايا مناهضة الاستيطان، يملك كرم (مزرعة) عنب، في بلدة «بيت أمر» شمالي الخليل، يقول، إن العنب رمز لبلدته التي تزرع نحو 6 آلاف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع).
ويضيف: «زراعة العنب مورث ثقافي لأهالي بلدتي خاصة، ولأهالي محافظة الخليل عامة، ففي كل بيت يوجد مزارعين للعنب، وكافة الحقول تقريباً تزرع به».
ويوضّح أبو ماريا وهو يجني محصول العنب من مزرعته الخاصة، أنه يزرع في الخليل أنواع عديدة من العنب، أشهرها “الزوين البلدي”، و”البيروتي”، و”الحلواني”، و”الشامي الدابوقي الجندلي”، مبيناً أن كل نزع منها له لون وطعم خاص.
يقول المزارع الفلسطيني، بينما يتذوق حبات العنب وهو يبتسم: «الشهد في عنب الخليل، تذوق هذه الحبات.. سكر، هنا محصول العنب بلدي دون ري، أو سماد ومواد كيماوية، هذا ما يميّزه».
أبو ماريا يسوق منتجاته في السوق المحلي الفلسطيني، متذمراً من عدم قدرته على التصدير للخارج، قائلاً: «كان عنب الخليل يصدر للسوق الأردني ولعدد من الدول العربية، اليوم يسوّق هنا في الضفة الغربية والقليل منه يسوق إلى الأردن، مما أدى إلى تدني سعره، وتكبيد المزارع خسائر كبيرة».
ويشتكي المزارع الفلسطيني من منافسة المنتج الإسرائيلي من العنب لمنتج الخليل قائلاً: «بات السوق المحلي الفلسطيني ممتلئ بالعنب الإسرائيلي، الذي يمتاز بمنظره الجيد، لكونه يروى بالمياه ويُسمّد ويستخدم مواد كيميائية في معالجته من الأمراض، بعكس منتجاتنا، الخالية من المواد الكيمائية».
بجوار مزرعة أبو ماريا، مزارع فلسطينية عديدة منها المهملة، يقول عنها المزارع الفلسطيني ذاته: «بات العنب لا يشكل دخلاً رئيسياً للمزارع، نتيجة عدم وجود سوق في الخارج، توجه العديد من المزارعين للعمل في أسواق (مجالات) أخري».
وقديماً كان يشكل العنب دخلاً رئيسياً للمزارع، يكفيه طوال السنة.
ويبدأ قطف ثمار العنب مطلع أغسطس/ آب من كل عام، ويستمر عدة شهور، ومنه ما يقطف منتصف ديسمبر/ كانون الأول.
في التلال القريبة من تلك المزارع تنتشر مزارع عنب لمستوطنين يهود، يسكنون مستوطنات «غوش عتصيون» القريبة من البلدة، يقول أبو ماريا عنها: «هذه أراض فلسطينية، استولوا عليها وحولوها لمزارع».
أما الشيخ الثمانيني عبد الحميد أبو ماريا، فيقول، بينما يقطف ثمار العنب في مزرعته ببلدة بيت أمر: «العنب يمثل رزقي، ورغم أنه بات لا يمثل دخلاً رئيسياً للمزارع، لكن نبقى محافظين على هذا التراث».
ويضيف: «في السابق كنا نبدّل محصول العنب ومنتجاته الأخرى مثل الدبس (مربى) والزبيب والملبن، بالقمح والشعير مع بلدات أخرى، كنا نصدر العنب للأردن، اليوم لا يوجد سوق له».
ويواصل أبو ماريا حديثه: «تزوجت وأنجبت أبنائي وربيتهم من العمل في كرم العنب، لا شغل (عمل) لي غيره ، نعمل به طوال العام، في الخليل لا تنبيت (زراعة) سوى أشجار العنب والتفاح والخوخ، بسبب برودة الجو».
ووفق أبو ماريا، فإن 78% من إنتاج العنب الفلسطيني يتم تسويقه، ويصنع 12% منه، وهدايا وفاقد 10%، مشيرا إلى أن 75% من الإنتاج المسوّق يباع في السوق المحلي الفلسطيني، و24% في السوق الإسرائيلي، و1% في السوق الأردني.
ولفت إلى أنه تم السماح بالتصدير إلى الأردن هذا العام منذ بداية الموسم (يبدأ في أغسطس/آب)، بعد أن كان يسمح بذلك بعد منتصف أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام، متوقعاً زيادة كبيرة هذا العام في التصدير.
ويعرف عنب الخليل بشهرة كبيرة في فلسطين وكذلك في الأردن، والزائر لمحافظة الخليل يمر على عشرات باعة العنب المنتشرين على قارعة الطرق.
وبحسب «فتحي أبو عياش» رئيس جمعية مزارعي العنب والفواكه (غير حكومية)، يزرع في فلسطين (بالضفة الغربية والقدس وغزة) نحو 63 ألف و640 دونماً، 75% منها في محافظات بيت لحم والخليل جنوبي الضفة الغربية.
وينتج العنب الفلسطيني نحو 55 ألف و450 طن (الطن ألف كيلو غرام) سنوياً، ويعمل نحو 10 آلاف مزارع في العنب.
وبحسب «أبو عياش» يدخل السوق الفلسطيني في موسم العنب نحو 27 ألف طن من العنب الإسرائيلي المنافس، الذي يمتاز بجذب النظر له، نظراً لاستخدام أسمدة وري ومبيدات، تسرّع في نضوجه، وتشكل حجم حبات متناسق.
ويمتاز العنب الفلسطيني بحلاوته لعدم استخدام الري والأسمدة والمبيدات، وفق أبو عياش.
ويباع الكيلو غرام من العنب الفلسطيني بين 2-5 شيكل (نحو نصف دولار إلى دولار ونصف)، بينما يباع الكيلو من العنب الإسرائيلي بين 10-12شيكل (نحو دولارين ونصف إلى ما يزيد عن 3 دولار)، وسنويا ينظم الفلسطينيون مهرجاناً لتسويق العنب نهاية سبتمبر/أيلول.
