في إطار سعي فرنسا إلى استعادة دورها المحوري في الشرق الأوسط، فإنها انطلقت إلى الانخراط في عدد من الملفات لمحاولة حلحلة العديد من الأزمات في منطقة تموج بصراعات مختلفة.
مصالح فرنسية
تتمثل مصالح فرنسا بالشرق الأوسط في حجم التبادل التجاري مع الدول العربية، والذي يتجاوز 60 مليار دولار سنويا، فيما تبلغ الاستثمارات العربية في فرنسا ما يقرب من 300 مليار دولار.
في حين تستحوذ دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على ما يقرب من نصف مبيعات السلاح الفرنسية.
ورغم أن الشرق الأوسط يعد مقبرة للعديد من المبادرات الدبلوماسية إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول إثبات زعامته من خلال طرحه حلولا لمعالجة ملفات المنطقة.
ويرى مراقبون أن العودة الفرنسية السريعة للشرق الأوسط جاءت عبر بوابة لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، حيث زار ماكرون لبنان مرتين، وطرح مبادرة لحل أزمته، بالإضافة إلى محاولته حشد الجهود الدولية لإغاثة لبنان.
السياسة الفرنسية في لبنان
في هذا السياق، يقول الدكتور علي مراد أستاذ العلاقات الدولية، إن السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط، وفيما يخص لبنان تحديدا تتحرك في سياق لا يتعارض مع السياسة الأمريكية.
وقال في حديثه لقناة الغد، إن فرنسا الطرف الدولي الوحيد المعني بالملف اللبناني إلى جانب مصر، مشيرا إلى لقاء جمعه في قصر الصنوبر مع وزير الخارجية الفرنسية، ودار الحوار حول السياسة الفرنسية، لافتا إلى أن حديث المسؤول الفرنسي كان يتلخص في أن لبنان منسي، ولا أحد يكترث به إلا فرنسا.
وأرجع عدم نجاح المبادرة الفرنسية في لبنان إلى الصمت الأمريكي بشأن هذه الأزمة.
وأشار إلى أن الصمت الأمريكي يعد جزءا من موقف الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن فرنسا لم تستطع فرض ميزان قوى لمساعدة لبنان على الوصول لحل.
التحركات الفرنسية نحو العراق
لم تكن العراق هي الأخرى بمنأى عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث حرص على زيارتها مرتين، مع التأكيد على بقاء القوات الفرنسية لمساعدة العراقيين في مكافحة الإرهاب، حتى بعد انسحاب الولايات المتحدة.
وعزز ماكرون الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة من خلال نشر وحدات عسكرية بحرية شرقي البحر المتوسط لدعم قبرص واليونان في نزاعهما مع تركيا، ومن أجل حماية الشركات الفرنسية للتنقيب عن الغاز قبالة قبرص.
ومن جانبه يؤكد الدكتور حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء العراقي، إن العلاقات العراقية الفرنسية متينة وقديمة وتعود منذ تأسيس الدولة العراقية الجديدة لعام 1925، وبدأ هذا التصاعد في العلاقات حتى الوصول لمرحلة التغيير.
وقال في حديثه لقناة الغد، إن فرنسا كانت داعمة للنظام الديمقراطي في العراق وتجاربه في إجراء الانتخابات، ولذلك دعمت حكومة الكاظمي.
وأضاف “هناك شراكة اقتصادية كبيرة بين قرنسا والعراق، فضلا عن الشراكة الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب، والشراكات في مجال الطاقة النظيفة.
وأشار إلى أن ما حدث في قمة بغداد ينذر بوجود أمل كبير في أن تتغير صورة المنطقة.
الوجود الفرنسي
تقول خبيرة العلاقات الدولية آن غودتشيلي، إن فرنسا تبنت العديد من المحاولات والمبادرات لاتخاذ موقف من أجل تأكيد استراتيجية مميزة جدا في المنطقة، ونجحت بالفعل في إقامة العديد من العلاقات.
وأضافت في حديثها لقناة الغد، أنها تحاول تقديم رسالة حضارية وبذل جهود كبيرة في العراق، من أجل مكافحة تنظيم داعش ووضع رؤية، والمشاركة في إعادة الإعمار.
وأشارت إلى أن هناك إرادة واضحة لتوطيد العلاقات الاقتصادية في الشرق الأوسط، وفرنسا تريد بذل المزيد من الجهود وإقامة علاقات استراتيجية، كما قامت بالعديد من المحادثات مع طالبان لتأمين الأفغان المعرضين للخطر هناك.
وتابعت: “فرنسا تريد تقديم دعم سياسي ودبلوماسي وعسكري في المنطقة”.
الحضور الفرنسي في ليبيا
تحاول فرنسا الدفع لإثبات حضورها في الملف الليبي، وتقديم مبادرات لحل الأزمة في سبيل حماية مصالح شركة توتال التي تعمل في البلاد منذ سبعة عقود.
وهناك وساطة فرنسية في الملف النووي الإيراني بين واشنطن وطهران سعى ماكرون للترويج لها، ليضمن نصيبا لبلاده في المستقبل من مكاسب عقود البنية التحتية و الصناعية الإيرانية.
ومن المتوقع أن يستمر ماكرون في محاولة الاضطلاع بدور أكبر على الساحة الشرق أوسطية.
