لم يمر انهيار الاتحاد السوفيتي بسلام على العالم عموما ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا، والذي أدى إلى تفرد قوة عالمية واحدة تمثلت في الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد.
بوريس يلتسن
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في ديسمبر عام 1991 تسلم الرئيس الروسي بوريس يلتسن كل السلطات بما فيها السلطة النووية من آخر رئيس للسوفيت ميخائيل غورباتشوف الذي أعلن تفكك الاتحاد.
وركز يلتسن في حقبة رئاسته لموسكو على الشأن الداخلي وتوثيق العلاقات مع الغرب، وظهور ميول روسيا للتحول إلى الليبرالية والانسحاب من الشرق الأوسط.
ورغم الانسحاب من المنطقة حافظت موسكو على العلاقات الإقليمية مع تركيا وإيران باعتبارها ركيزة مهمة، كما احتفظت أيضا باتصالات مع عملاء تقليديين مثل العراق وسوريا، كما حسنت العلاقات مع إسرائيل.
وفي عام 1996 أعاد وزير الخارجية الروسي يفجيني بريماكوف فرضية رؤية لعالم متعدد الأقطاب وعودة روسيا كقوة عظمى من خلال شراكتها مع الهند والصين، وكذلك العودة للشرق الأوسط.
فلاديمير بوتين
وكان تولي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا في مارس 2000 نقطة فارقة لعودة الاهتمام الروسي بالنفوذ في الشرق الأوسط، حيث سعى إلى إقامة علاقات مع القوى الرئيسية الفاعلة في المنطقة والأهم المناهضة للغرب، وبدا ذلك في معارضة موسكو للغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
واستفادت روسيا أيضا من أحداث الربيع العربي لتستغل فشل حملة الناتو في ليبيا، وتتدخل بشكل صريح في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد.
ويرى مراقبون أن التدخل الروسي ليس لغرض دعم الأسد فحسب، بل للتصدي للنفوذ الأمريكي وفرض الوجود كقوة عظمى.
فبعد 30 عامًا من سقوط الاتحاد السوفيتي عادت روسيا إلى الشرق الأوسط لتبقى وتحافظ على مكاسبها وزيادة نفوذها مع استمرار الولايات المتحدة في تغيير أولوياتها.
خيانة
وفي السياق، قال آندرية أنتيكوف، الباحث في العلاقات الدولية، إن حديث وزير الخارجية لدى بوريس يلتسن حينذاك أغلبه معلومات خاطئة لأن انهيار الاتحاد السوفيتي حدث بسبب الخيانة.
وأضاف أنتيكوف في برنامج “مدار الغد” عبر شاشتنا أن روسيا ليست لديها أي مصالح في الخارج، وأن موسكو لا تريد التدخل في الشرق الأوسط.
كما أوضح أنتيكوف أن المواطن الروسي يشعر بالعار نتيجة ما حدث خلال تلك الفترة.
قوة الاتحاد السوفيتي
من جانبه، قال لورانس كورب، مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، إن الولايات المتحدة الأمريكية استفادت من انهيار الاتحاد السوفيتي بسبب قوتها حينذاك.
كما أكد لورانس كورب أن روسيا في عهد بوتين تدخلت في كل أنحاء العالم ونحن نعلم أنه قام بغزو أوكرانيا واحتل شبه جزيرة القرم.
كما أوضح أن بوتين استغل سوريا، وقام ببيع الأسلحة لتركيا، وذلك نتيجة ترك الولايات المتحدة الأمريكية الشرق الأوسط، موضحا أنه يريد لعب دور أكبر في هذه المنطقة.
العلاقات السوفيتية العربية
ومن الرياض أكد المستشار سالم اليامي، الباحث في العلاقات الدولية، أن الاتحاد السوفيتي كان يتقاسم النفوذ حول العالم في فترة من الفترات قبل 30 عاما، مشيرا إلى أنه كان يبحث عن نفوذ خارج أراضيه.
وأضاف اليامي أن الاتحاد السوفيتي كان صديقا لأكثر من بلد عربي تاريخيا، لافتا إلى أن هذه الدول كانت تؤمن بالعقيدة السوفيتية.
وتابع: “لم تكن العلاقات السوفييتية العربية علاقة ندية أو استحواذ بل كان من المهم على الاتحاد السوفيتي تكوين شراكات وصداقات، وبعد ذلك جاءت فترة بوتين التي أعاد فيها النفوذ والسيطرة”.
ورأى آخر زعيم للاتحاد السوفيتي، ميخائيل جورباتشوف، أمس الجمعة، أن الأزمة الحالية بين روسيا والغرب نابعة من “الغطرسة” الأمريكية، عشية الذكرى الثلاثين لاستقالته، التي شكلت النهاية الرسمية للكتلة قبل 30 عاما.
وقال جورباتشوف (90 عاما)، إنهم “فقدوا صوابهم، الغطرسة، إرضاء النفس، أعلنوا أنفسهم منتصرين في الحرب الباردة، بينما أنقذنا معا العالم من المواجهة”.
وأضاف جورباتشوف، لوكالة الأنباء الروسية نوفوستي، “كيف يمكننا أن نأمل في علاقات ندية مع الولايات المتحدة، مع الغرب في هذا الوضع؟”، مدينا نزعة واشنطن إلى إعلان “الانتصار”.
ورأى أن المعسكر الغربي أراد “بناء إمبراطورية جديدة، ومن هنا ولدت فكرة توسيع حلف شمال الأطلسي (الناتو)”.
ويرى فلاديمير بوتين أن توسيع الحلف الأطلسي ليشمل دولا من الكتلة الشرقية السابقة هو السبب العميق للأزمة الروسية الغربية، لأن الحلف في نظر الكرملين هو التهديد الرئيسي لأمنه الإستراتيجي.
واقترح بوتين هذا الشهر على الولايات المتحدة وحلفائها توقيع معاهدتين تنصان خصوصا أي منع أي توسيع مستقبلي للحلف، وكذلك أي تعاون عسكري في ما تعتبره روسيا منطقة نفوذها.
ووافقت واشنطن على إجراء محادثات في ديسمبر/كانون الثاني مع أنها تعتبر أن العديد من هذه المطالب غير مقبولة، بهدف إتاحة خفض للتصعيد، بينما يخشى الغرب أن تشن موسكو هجوما على أوكرانيا، الجمهورية السوفيتية السابقة، التي تطمح للانضمام إلى الناتو.
ورأى بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي الخميس، أن ردود الفعل الأمريكية الأولى على المطالب الروسية “إيجابية”، لكنه قال أيضا إنه يستعد لاتخاذ إجراءات “عسكرية وتقنية” للرد على التهديد الغربي.
وأشاد جورباتشوف بالمحادثات المقرر إجراؤها في يناير، وقال “أدعمهم وآمل أن تكون هناك نتيجة تسمح لجميع الدول الأوروبية بالشعور بالأمان”.
وتتهم واشنطن والاتحاد الأوروبي موسكو بحشد قوات على حدود أوكرانيا تحضيرا لغزو هذا البلد، وتهددها بعقوبات اقتصادية غير مسبوقة حال وقوع عدوان.
واستقال ميخائيل جورباتشوف من منصبه كرئيس لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية في 25 يناير1991 في ما شكل النهاية الرسمية للإمبراطورية الشيوعية.
وقبل أيام، كان قادة بيلاروسيا وروسيا قد أعلنوا من جانب واحد نهاية الاتحاد السوفيتي، ووصف بوتين سقوط الاتحاد السوفيتي بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”.
ويرى عدد كبير من الروس، أن زوال الاتحاد السوفيتي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي عصفت بالمجتمع بعد ذلك ما زالا يشكلان صدمة، وهم يعتبرون بوتين القائد الذي أعاد شرف البلاد وقوتها على الساحة الدولية.
