«نزاع سياسي يتسم بقدر كبير من الخمول على مدار تاريخه».. هكذا يمكن وصف النزاع الحدودي بين مصر وجارتها الجنوبية السودان بشأن مثلث حلايب، وهو النزاع الذي شهد تلويحا عسكريا مستمرا لم يرتق إلى استخدام فعلي للحل العسكري، وتلويحا آخر بالتوجه للتحكيم الدولي لم يجد طريقا له حتى الآن.
الأزمة التي تتصاعد بين الحين والآخر، تردد صداها مرة أخرى في أعقاب إعلان مصر مؤخرا عن ترسيم حدودي بينها وبين المملكة العربية السعودية، قضى بأحقية سيادة الأخيرة على جزيرتي تيران وصنافير بعد سيادة مصرية دامت أكثر من 100 عام جاءت على أثر معاهدة ترسيم حدود بين مصر والدولة العثمانية عام 1906، أكدت تبعية الجزيرتين لمصر.
وأصدرت وزارة الخارجية السودانية مجددا، بيانا رسميا، أمس الأحد، أكدت فيه متابعتها لاتفاق ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، مطالبة بتفاوض مماثل بشأن مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد، ومهددة باللجوء للتحكيم الدولي بعد تأكيدها على السيادة السودانية على الجزيرتين.
وزارة الخارجية المصرية كلفت سفيرها في السودان، أسامة شلتوت، بالتواصل مع السلطات السودانية للوقوف على ملابسات تلك التصريحات دون نتيجة، على ما يبدو، ما دفع وزارة الخارجية المصرية إلى إصدار بيان مقتضب قالت فيه أن «حلايب أرض مصرية وليس لدينا تعليق آخر».
نزاع حدودي
ومرت القضية الحدودية لمثلث حلايب بسلسلة من الأحداث، بدأت بترسيم حدود حددت من خلاله اتفاقية الحكم الثنائي بين مصر الحدود المصرية بدءا من دائرة عرض 22 شمالا ما يعني وقوع حلايب داخل الحدود المصرية، وهو ما أعلن الاحتلال البريطاني عن تعديله عام 1902، لتدخل ضمن الحدود السودانية باعتبارها أقرب للخرطوم.
وأرسل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1958 قوات إلى المنطقة وسحبها بعد فترة قصيرة إثر اعتراض الخرطوم، وظلت المنطقة تابعة للسودان منذ 1902، إلا أن النزاع تصاعد مرة أخرى عندما اعترضت مصر على منح الحكومة السودانية حقوق التنقيب عن البترول في المياه المقابلة لمثلث حلايب لشركة كندية، ثم تصاعد مرة أخرى بإرسال السودان مذكرة للأمم المتحدة عام 1994 تشكو فيها مصر بشن غارات على الحدود السودانية رافضة المشاركة في مؤتمر بأديس أبابا لحل النزاع الحدودي.
وعلى أثر محاولة اغتيال تعرض لها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في أديس أبابا واتهمت بها الحكومة السودانية، حاصرت مصر القوات السودانية وطردتها من حلايب التي فرضت مصر سيطرتها عليها منذ ذلك الحين وسط تصريحات سودانية مستمرة بسيادة السودان على المثلث المتنازع عليه.
حجج مصر والسودان
تستند الحجج السودانية إلى القرار الصادر عام 1902 بضم حلايب للسودان، واستمرار السيادة السودانية وفق هذا القرار حتى عام 1958، كما يعتمد السودان على حدوده الموروثة منذ عهد الاستعمار والتي من بينها الحدود الشمالية له التي تتضمن مثلث حلايب، والتي لم تعترض عليها مصر لأكثر من نصف قرن.
كما تستند السودان إلى امتداد قبائل البشاريين السودانية فى هذه المنطقة، وهي قبائل سودانية، عكفت على انتقاد حكومة السودان لتفريطها في المنطقة.
أما مصر فتستند لاتفاقية ترسيم الحدود الموقعة عام 1899، والتي حددت الحدود المصرية عند دائرة عرض 22 شمالا، وتبرر مصر على عدم اعتراضها على السيادة السودانية على حلايب حتى عام 1958 بأنه لا يمكن اعتباره إدارة من جانب دولة ذات شخصية قانونية معتبرة، حيث كان السودان إقليما لا يتمتع بالسيادة الكاملة.
كما سارعت مصر عقب سيطرتها على حلايب بضمها إلى الدوائر الانتخابية المصرية، وهو ما تعتبره مصر دليلا على سيادتها، وهو ما قامت به السودان أيضا، وظلت المنطقة حائرة بين الدوائر الانتخابية المصرية والسودانية.
