محمد حجازي يكتب: الجنايات الدولية في مواجهة إسرائيل
أصدرت المدعية العامة باتسو بنسودا للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، قرارا يعزز إمكانية إجراء تحقيق في جرائم حرب مورست ضد الفلسطينيين وضد الإسرائيليين، حيث أعلنت عن نتائج التحقيق التي أجريت بشأن احتمال ارتكاب جرائم حرب، وقالت بنسودا إن هناك أساسا منطقيا بأن كلا الطرفين مسؤولان عن جرائم محظورة حسب القانون الدولي، وأن المحكمة لم تبدأ بعد بإجراء تحقيق رسمي، ودعت المحكمة لتحديد إن كان لها صلاحيات قضائية في إسرائيل، ويشار إلى أن المحكمة كانت قد بدأت منذ يناير 2015 على خلفية عملية الجرف الصامد التي ارتكبتها اسرائيل ضد قطاع غزة عام 2014.
خلال الخمس سنوات الماضية يسجل للديبلوماسية الفلسطينية أنها عملت بشكل دؤوب ونشط، فهذا القرار يعتبر من أهم القرارات التي استطاعت السلطة الفلسطينية الحصول عليها، لاعتبارات متعددة أهمها أن هذا القرار فعلا سيفتح المجال لمقارعة قادة إسرائيل لمحكة الجنايات الدولية، وأن إسرائيل منذ الآن ستبدأ في حساب كل اجراءاتها ضد الفلسطينيين، لاحظ ماذا قال أحد قيادات إسرائيل بشأن عملية إجلاء الخان الأحمر بأنه تم التأجيل على خلفية قرار المحكمة الدولية، معركة الفلسطينيين بدأت بتجميع الملفات التي ارتكبتها أسرائيل بشأن الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم المنازل في الضفة الغربية ومدينة القدس اضافي الى جرائم إسرائيل في قطاع غزة “الحروب الثلاثة المدمرة وجرائم ضد مسيرة العودة” إذن كل مجالات الانتهاكات ستكون من ضمن صلاحيات المحكمة الجائية الدولية، وهذا الملف الذي فتح سيشكل نقلة هامة في ملف صراع الفلسطينيين ضد العدو الإسرائيلي، ومن شأن قرارات المحكمة فيما لو استكمل رفع قضايا بشأن جرائم إسرائيل أن يشكل رادعا مهما لها.
يجب على الفلسطينيين توخي الحذر والمهنية، وأن يتم استدعاء خبراء القانون الدولي الفلسطينيين للعمل بهذا الملف، وبحسب معرفتي بأنه تم تشكيل لجنة متابعات من خبراء خلال السنوات الخمس الماضية، ولكن علينا أن ندرك أن هناك الكثير من التحركات الأمريكية والإسرائيلية لمحاولة طي والتأثير على قرارات المحكمة، حيث حاولت إسرائيل اللعب على قضية ان المحكمة ليست ذات اختصاص من خلال وسطاء لها خلال الخمس سنوات الماضية، وستحاول إسرائيل اللعب على مسألة الحيز الجغرافي الذي تنطبق عليه نصوص القرار، أيضا يجب أن نكون منتبهين لمحاولة إسرائيل جر المحكمة إلى مربع أن كل نشاطاتها التي تقوم بها في المناطق هي ضد “الإرهاب الفلسطيني”.
الموقف الأمريكي ليس غائبا عن محاولات الضغط على المحكمة، إما بموضوع الضغط على دول العالم بوقف تمويلها للمحكمة أو بالتأثير على القضاة من خلال عدم منح تأشيرات للدخول إلى بعض الدول. وزير خارجية الإدارة الأمريكية قال في تصريح صدر عقب قرار المحكمة، إن هذا القرار يستهدف إسرائيل ظلما وعدوانا، وأن من شأن هذا القرار أن يضر بعملية السلام، وأن الطريق إلى السلام الدائم يمر عبر مفاوضات مباشرة. ويشار في هذا المجال الى أن إسرائيل وحتى الإدارة الأمريكية، وهما الأكثر ارتكابا لجرائم الحرب، غير عضوين في المحكمة الجنائية الدولية، وهنا اسرائيل تدرس معضلة الدفاع عن نفسها أمام المحكمة، خلال الخمس سنوات كانت تتدخل وتدافع عن نفسها من خلال وسطاء، ولكن هذه المرة الصورة تختلف ماذا لو أن ادعاء المحكمة طلب نتياهو للشهادة والاستجواب أو أحد أركان حربه أو قيادات إسرائيلية، عندها إسرائيل ستضطر للتعاطي مع المحكمة وعندها ستكون أمام معضلة الاعتراف بالمحكمة.
ولكن في الجهة المقابلة على الفلسطينيين التحلي بالصبر، لأن المحكمة من هذا النوع طويلة جدا زمنيا، إذا المحكمة أخذت خمس سنوات من العمل والتحقيق لدراسة ملفات القضية، فما بالنا إذا رفع الفلسطينيون عشرات القضايا ضد الاحتلال الإسرائيلي “بحسب قرار المحكمة يحق لكل فلسطيني أو مؤسسة فلسطينية أو السلطة الفلسطينية رفع قضايا تعتبر جرائم حرب ضد اسرائيل”، إن البت بهذه القضايا يحتاج وقتا كبيرا، وان اسرائيل ستلعب على شراء الوقت قدر الإمكان.
إذا كانت هذه المعركة القضائية هي الأهم بالنسبة للفلسطينيين، وجب الانتباه والحرص على الأداء الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، لأن من حق اسرائيل وعبر وسطائها “لأنها ليست عضوا في المحكمة” أن ترفع قضايا تعتبرها هي “زورا” جرائم حرب مورست ضدها وخاصة في قطاع غزة، ولكن يبقى هذا الشكل النضالي مهما جدا في هذه المرحلة، ويجب ألاَ نخضعه للمساومات هنا وهناك، فهو ملك لكل الفلسطينيين وللأجيال اللاحقة، ولكن يبقى أن نخوض هذه المعركة القضائية ونحن موحدين حتى نستطيع أن نحضر ملفاتنا بشكل أفضل ووفق الأولويات، ولكن علينا ألاَ ننسى أن ساحة النضال الرئيسية بالنسبة للفلسطينيين هي في القدس والضفة الغربية، حيث مصادرة الأراضي والاستيطان وهدم البيوت وترحيل السكان الفلسطينيين، الى جانب جرائم الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، ما كان للفلسطينيين تحقيق هذا المنجز إلا بعد حصول فلسطين على عضوية مراقب في الأمم المتحدة كدولة، وبالطبع الانضمام لكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.