محمد حجازي يكتب: قطاع غزة في معادلة الدويلة
عقدت مؤسسة المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية “مسارات”، ورشة عمل بين غزة ورام الله بعنوان تطورات الأوضاع الفلسطينية، بحضور نخب سياسية وازنة.
ما لفت انتباهي في هذه الورشة خروج البعض عن السياق العام في التفكير، أو ما يصطلح على تسميته التفكير خارج الصندوق، بالحديث عن رؤية جديدة للحل ناتجة عن استعصاء إنجاز إنهاء الانقسام ووحدة البنية السياسية الفلسطينية. وتتلخص وجهة نظرهم في البحث عن صيغة مختلفة في الحل، من خلال تركيز البنية السياسية الفلسطينية في قطاع غزة، وأن تكون الضفة الغربية ساحة نضال ومواجهة، وبشكل آخر ترحيل الحكومة بما لها لقطاع غزة كما اصطلح أحد الأصدقاء على تسميتها.
كان الإطار العام للنقاش يركز على ضرورة تفعيل مفاعيل الضغط الجماهيري والحزبي لدفع الأطراف لإنهاء الانقسام، لأن لا خيار أمام الفلسطينيين إلا بوحدتهم السياسية لمواجهة التحديات الكبيرة التي تعصف بالقضية الفلسطينية، ولكن أن يتحدث ثلاثة من الأصدقاء الوطنيين المعروفين بمواقفهم الواضحة من الانقسام وهم من خارج أصحاب الانقسام “فتح وحماس” شيء يدعو للتفكير والحوار، لأن هذا الطرح وإن كانت نواياه صادقة لكنه في جوهره يشكل مصيدة كبيرة للحركة الوطنية في رقعة أرض خالية من الموارد ومحاصرة من الاحتلال.
هناك الكثير من المخاطر إزاء هذا الطرح تمس وحدة شعبنا الاجتماعية والسياسية، لأن في جوهر هذا الطرح تكمن فكرة حل السلطة في الضفة وبقائها في قطاع غزة، بهذا الشكل ستكون الأمور فيما لو قمنا بترحيل الحكومة والبنية السياسية المرافقة لها، حل السلطة يشكل خسارة مضاعفة للفلسطينيين في هذه المرحلة التي يجب أن نحافظ فيها على مؤسساتنا الوطنية وعلى وحدتها، ترحيل الحكومة إلى غزة وحتى وإن بقيت الوزارات والمؤسسات، بالتأكيد ستكون وصفة جاهزة للانهيار وهناك تجارب واضحة في الحالة الفلسطينية، سواء عندما تم نقل مركز القرار الفلسطيني من قطاع غزة إلى مدينة رام الله همش القطاع، وعندما حوصر ياسر عرفات في مقره في مدينة رام الله رفض الذهاب إلى قطاع غزة، لأنه يعلم أن الصراع في الضفة ومدينة القدس، وهنا تطرح معادلة أو مفاضلة، ما هو الشكل المناسب للفلسطينيين لتدعيم صمودهم وتعزيز مؤسساتهم في الضفة؟.. قيادة الناس والمؤسسات بالتليفون أو عبر تقنية الفيديو كونفرنس في حل قمنا بترحيل الحكومة إلى قطاع غزة، أم تعزيز القيادة المركزية، وهي الحكومة في الحلقة المركزية للنضال الفلسطيني أي النضال ضد المستعمرات الاستيطانية في مدينة القدس والضفة الغربية، أعتقد الشكل الثاني هو الأنسب لأن الزج بكل إمكانيات الفلسطينيين النضالية في الضفة والقدس هو الأساس، لأن قطاع غزة أينما ذهب سيبقى خارج الحسابات الإسرائيلية من جهة الأطماع والاستيطان، مشكلة إسرائيل مع قطاع غزة هي الكتلة البشرية التي تقترب من 2 مليون نسمه تعيش في شريط ضيق وبدون موارد.
تبرز مشكلة حقيقية أخرى لأصحاب هذا الطرح وهي المس بوحدة شعبنا السياسية والاجتماعية، خاصة وأن هناك الكثير يقال عن هذا الجانب حيث نجح الاحتلال وأخطاؤنا في خدش هذا الهدف السامي وهو وحدة الشعب من خلال بنية سياسية واحدة، والأمثلة كثيرة في مقدمتها الانقسام وصراع الأجندات، لأن نقل البنية السياسية من الضفة للقطاع سيولد شعورا لدى شعبنا في الضفة والقدس أنهم تركوا لوحدهم يواجهون مصيرهم منفردين في مواجهة تغول الاحتلال والاستيطان .
وفي الجانب الاقتصادي هل من الحكمة التخلي عن موازنة السلطة الفلسطينية أو الجزء الهام منها، وهي أموال المقاصة الفلسطينية التي بحوزة الاحتلال، لأن من الطبيعي أن تخرج المخططات الإسرائيلية الجاهزة من الأدراج، وفي مقدمة ذلك مشروع الإمارات السبع، تحويل الضفة إلى كانتونات ومعازل حقيقية وإدارة هذه المعازل من خلال إدارات محلية تتحكم بالضرائب والتجارة العامة مع ملاحظة أن ذلك سيكون تحت هيمنة الاحتلال، وهنا يبرز سؤال من جهة أخرى: كيف من الممكن أن يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة بدون أن يكون القطاع جزءا من الموازنة العامة للسلطة ؟، فما بالنا أن يقوم الاحتلال بتوزيع أموال المقاصة ” الضرائب الفلسطينية التي يجبيها الاحتلال وفق بروتوكول باريس الاقتصادي ” على الادارات المحلية بالضفة ويحرم منه الكيان المعادي في قطاع غزة.
والسؤال الأهم: إذا كان الانقسام بلغ مراحل خطيرة فهل من الممكن أن نتوقع أن تقبل حركة حماس بأن يشاركها أحد في حكم قطاع غزة “درة التاج الإخواني”، وأن تتخلى عن الأموال التي تجنيها من القطاع لصالح حركتها السياسية؟.. الجباية الضريبية هي أحد معوقات المصالحة، لأن حركة حماس لا تستطيع الاستمرار كحركة وفصيل، بدون الاستئثار بأموال الضرائب التي تجنيها من القطاع.
وفي النهاية لابديل عن الحوار والنقاش ولكن التفكير خارج الصندوق له محدداته الخاصة. وأعتقد أن الحلقة المركزية في نضال الفلسطينيين على الصعيد الداخلي هو بإنهاء الانقسام، وهذا لا يتم إلا إذا قال الشارع كلمته، وهذا بحاجة للتفكير خارج الصندوق لتوحيد الجهود لوأد وإسقاط الانقسام.