محمود علوش يكتب: العلاقات الخليجية الأمريكية على مفترق طرق

محمود علوش

عندما وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة قبل أكثر من عام، كان الإدراك السائد في منطقة الخليج أن فترة الازدهار التي شهدتها العلاقات الأمريكية الخليجية خلال فترة سلفه دونالد ترامب شارفت على الانتهاء. كان هذا الإدراك منطقياً ومنسجماً مع القرارات العديدة التي اتخذها بايدن كوقف الدعم الأمريكي لعمليات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حرب اليمن إلى جانب رفع جماعة الحوثي عن قائمة الإرهاب وغيرها من الخطوات الأخرى التي أجّجت التوتر مع الرياض على وجه التحديد. لكنّ السياق الجديد الذي تسعى إدارة بايدن لتكريسه في علاقتها مع السعودية والإمارات سُرعان ما اصطدم بالحاجة الأمريكية إلى هاتين الدولتين لكبح جماح ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الحرب الروسية على أوكرانيا.

قبل بضعة أسابيع، زعمت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد رفضا تلقي مكالمة هاتفية من الرئيس بايدن. رغم أن أيا من العواصم الثلاثة لم تؤكد مزاعم الصحيفة، إلاّ أنها أعطت صورة أوضح للتوتر الإضافي في العلاقات بين واشنطن وكل من الرياض وأبوظبي على خلفية الحرب الأوكرانية. لم تقاوم السعودية والإمارات الضغوط الأمريكية لزيادة إنتاج النفط فحسب، بل رفضتا المشاركة في الجهود الأمريكية لعزل روسيا. كان هذا الرفض واقعياً بالنظر إلى أن الدولتين الخليجيتين تسعيان إلى تقليل اعتمادهما على واشنطن في تلبية مصالحهما الأمنية والإقليمية. فعلى مدى العقد الماضي، كرست روسيا من حضورها في الشرق الأوسط على نحو كبير مقابل تراجع الدور الأمريكي. علاوة على ذلك، تسعى منطقة الخليج إلى التكيف مع التحولات العالمية وانعكاساتها على المنطقة من خلال تعزيز علاقاتها بكل من موسكو وبكين اللتين تسعيان إلى لعب دور أكبر في المنطقة والاستفادة من الفراغ الناجم عن تقلص الالتزامات الأمنية الأمريكية تجاه منطقة الخليج. يُضاف إلى ذلك أن الاتجاه الأمريكي لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران يزيد من المخاوف الخليجية تجاه الدور الإقليمي لطهران، لا سيما أن المفاوضات النووية الجارية منذ أشهر لم تتطرق في العلن إلى مسألة الدور الإقليمي الإيراني.

في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، عقد وزراء خارجية كل من إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر والمغرب اجتماعاً في النقب في مسعى لتشكيل تكتل إقليمي لإدارة الوضع الإقليمي في مرحلة ما بعد تراجع الدور الأمريكي. رغم أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن كان حاضراً في الاجتماع، إلاّ أن معظم الأطراف التي حضرته تبدو متوجسة من السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه إيران. دفعت الهجمات الأخيرة التي شنتها إيران ووكيلها الحوثي في اليمن ضد البنية التحتية السعودية وأهداف أخرى في الشرق الأوسط ، التحالف الإسرائيلي وعدد من الدول العربية في المنطقة إلى تطوير آلية مشتركة لكشف واعتراض الصواريخ والطائرات بدون طيار. يشمل هذا التعاون التنسيق العملياتي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية ذات الصلة حول التهديدات وزيارات الوفود والتدريب المشترك بين القوات الجوية الإسرائيلية والأجنبية. تُشير قمة النقب إلى أن حلفاء الولايات المتحدة العرب باتوا أكثر استعداداً للتعامل مع التحديات الجديدة التي تظهر في المنطقة بمعزل عن الولايات المتحدة أو باعتماد أقل عليها.

بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كتبت الكثير من الصحف الأمريكية المرموقة عن ضرورة إصلاح العلاقات بين واشنطن ودول الخليج. بالنّظر إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بقضايا المنطقة لحساب التركيز على تحديات أخرى تُمثلها روسيا والصين، فإنه من المستبعد أن تنجح أي جهود لترميم العلاقات في إعادتها إلى سابق عهدها. رغم محاولة المسؤولين الأمريكيين تبديد الاعتقاد السائد في الخليج بأن واشنطن تسعى لاسترضاء إيران وإبرام اتفاق نووي معها على حساب مصالح الخليج، فإن شكوك الدول الخليجية في سياسات الولايات المتحدة لا تزال تتقدم في العواصم الخليجية. ويبدو أن هذا القلق هو أحد الأسباب الرئيسية لتردد السعودية والإمارات في الاستجابة للدعوات الأمريكية لزيادة إنتاج النفط، وهو بند على رأس جدول أعمال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

إذا ما رغبت إدارة بايدن في استعادة العلاقات الأمريكية الخليجية إلى ما كانت عليه على مدى عقود طويلة، فإنه يتطلب عليها فعل أمور عديدة لإعادة ترميم ثقة الحلفاء الخليجيين بها. وهذه العملية تبدأ من القضية الرئيسية التي تسببت بزعزعة هذه الثقة وهي الملف الإيراني. في الوقت الراهن، تسعى السعودية والإمارات إلى الحصول على ضمانات أمنية أمريكية رسمية لمواجهة التهديدات الأمنية التي تُشكلها إيران على الخليج. وهذا يعني أنه سيتعين على واشنطن الاعتراف بالتهديدات الأمنية الحقيقية التي تواجه الخليج من قبل إيران ووكلائها في المنطقة. بالنظر إلى أن التواصل على مستوى القادة الفعليين بين واشنطن وكل من أبو ظبي والرياض يبدو ضعيفاً للغاية، فإن إطلاق حوار سياسي بين الجانبين يفرض على الرئيس بايدن التواصل المباشر مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على وجه التحديد. في الآونة الأخيرة، ذكرت تقارير إعلامية أمريكية أن الرياض تستعد لدعوة الرئيس الصيني لزيارتها ويُعتقد أن المسؤولين السعوديين سيُرتبون استقبالاً حافلا للزعيم الصيني على غرار الاستقبال الذي حظي به ترامب خلال زيارته للمملكة. ستكون الزيارة، إن حصلت بالفعل، مؤشراً على توجه الخليج لبناء شراكة وثيقة مع الصين كبديل عن التحالف المطلق مع واشنطن.

  • باحث في العلاقات الدولية

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]