محمود علوش يكتب: ثغرات العقوبات الغربية على روسيا

محمود علوش

منذ فترة التحشيد العسكري الروسي الذي سبق الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير شباط الماضي، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تُجري مباحثات مكثّفة مع الحلفاء للاتفاق على حزمة عقوبات واسعة النطاق على موسكو. كان التوافق على قائمة العقوبات الكاسحة تحدياً للدول الغربية لا سيما الأوروبية، حيث أن الكثير منها بدت مترددة في تلك الفترة في فرض عقوبات واسعة على موسكو خشية من ارتداداتها عليها لاسيما في مجال الطاقة، حيث أن الدول الأوربية تستورد نحو 40% من احتياجات الطاقة من روسيا. مع ذلك، نجحت واشنطن والأوروبيون بعد اندلاع الحرب في التوافق على قائمة عقوبات تستثني قطاع الطاقة، أملاً في دفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى إنهاء الحرب. مع مرور نحو شهرين على الغزو، لا يبدو أن هذه العقوبات حققت النتائج الغربية المرجوة منها على الرغم من أنّها فرضت حتى الآن ضغوطاً هائلة على الاقتصاد الروسي. يقر المسؤولون الروس بأن أكثر من مئتي ألف شخص معرضون لخطر فقدان وظائفهم جراء العقوبات، كما أن قرار أوروبا والولايات المتحدة تقييد تصدير الرقائق الدقيقة إلى موسكو أثر عليها بشكل فعال.

وضعت العقوبات الغربية روسيا على قائمة أكثر الدول معاقبة في العالم. وكانت أكبر تأثيراتها هي فصل موسكو جزئياً عن النظام المالي الدولي من خلال تجميد أصول بمليارات الدولارات في الخارج وإخراج بعض البنوك الروسية الرئيسة من نظام سويفت للمعاملات المالية. حتى روسيا لم تكن تتوقع على ما يبدو أن تصل حدود الرد الغربي عليها إلى هذا المستوى. عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم في 2014، فرض الغربيون مجموعة من العقوبات عليها، لكنّها لم تكن ذات تأثير فعال في تلك الفترة. بالنسبة للغرب، فإن العقوبات هي سلاح فعال وأقل تكلفة عليه في هذه الحرب. فمن جهة، يُفترض بهذه العقوبات أن تجعل بوتين يجد صعوبة على المدى الطويل ليس فقط في تمويل الحرب بل تقييد قدرته في المستقبل على شن حروب أخرى على جيرانه. ومن جهة أخرى، تمنح العقوبات الغربيين دوراً مؤثراً في الضغط على روسيا وضمان مصالحهم في أي اتفاق سلام من دون أن تجرهم إلى صدام عسكري مباشر مع موسكو.

حقيقة أن العقوبات الغربية لا تزال تستثني قطاع الطاقة الروسي تشير إلى أن بوتين لا يزال قادراً على احتواء تداعيات العقوبات في المستقبل القريب. فروسيا تواصل جني ما لا يقل عن مليار دولار أمريكي يومياً من بيع النفط والغاز فيما أوروبا لها نصيب الأسد من ذلك. علاوة على ذلك، فإن صادرات روسيا من النفط سجلت ارتفاعاً بعد الحرب، حيث وصلت إلى 3.6 مليون برميل يوميًا في أبريل مقارنة بـ 3.3 مليون برميل يوميًا في الشهر السابق. كما دفعت هذه الإيرادات فائض الحساب الجاري لروسيا إلى مستويات قياسية جديدة. في الربع الأول من العام الجاري، بلغ الفائض نحو ستين مليار دولار مقابل مئة وعشرين خلال العام الماضي بأكمله. لكنّ المعضلة بالنسبة للغرب لا تكمن فقط باستثناء قطاع الطاقة الروسي من العقوبات. ففي ظل أن العقوبات المفروضة لا تشمل جميع البنوك الروسية، فإن ذلك يُتيح لروسيا مواصلة تصدير الطاقة، مما يحافظ على فائض الحساب الجاري وتراكم الأصول الأجنبية لديها. يقول تقرير لمعهد التمويل الدولي إن العقوبات الحالية تُعيد ضبط تراكم الأصول الأجنبية الروسية وليس وقفها، ما يعني أن بوتين لا يزال قادراً على استيعاب صدمة العقوبات طالما أنها تستثني الحظر على قطاع الطاقة ولا تشمل جميع البنوك الروسية.

علاوة على ذلك، تظهر نقطة ضعف أخرى في العقوبات وهي أنها لا تشمل حتى الآن العقوبات الثانوية التي تُعد أداة قوية لإجبار الدول الأخرى على الامتثال للعقوبات. مثل هذه العقوبات تنطوي على مخاطر بالنسبة لواشنطن، حيث أنها قد تُثير إستياء الحلفاء الذين تربطهم علاقات تجارية واسعة مع روسيا ولا يُريدون أن يتضرروا بشكل كبير. في الوقت الراهن، يبدو أن الغربيين مقتنعون بأن شكل العقوبات الذي فرضوه لا يبدو كافياً للضغط على بوتين. تعمل الكثير من الدول الغربية على تسريع عملية إرسال الأسلحة لأوكرانيا بما في ذلك أسلحة أكثر فتكاً لمساعدتها على مقاومة الهجوم الروسي على دونباس. إدارة بايدن على سبيل المثال أعلنت مؤخراً عن دعم عسكري إضافي لكييف بقيمة 800 مليون دولار بالإضافة إلى 500 مليون دولار من التمويل الطارئ. ومع تحول التركيز العسكري الروسي إلى شرق وجنوب أوكرانيا وما تحمله من طبيعة جديدة للحرب، فإن مواصلة الدعم العسكري الغربي لكييف إلى جانب الحفاظ على زخم العقوبات المفروضة سيُحددان على نحو كبير ما إذا كان الغرب قادراً على دفع بوتين إلى تحمل تكاليف أكبر من مواصلة هذه الحرب.

هناك تجارب كثيرة في العقوبات التي فرضها الأمريكيون على دول عديدة، لكنّها لا تبدو مشجعة على نحو كبير. فكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية لم تخضع مطلقاً للمطالب الأمريكية. كما أن العقوبات طويلة الأمد التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران لم تدفعها إلى الاستسلام على الرغم من أنها دفعتها إلى الجلوس على طاولة المفاوضات حول برنامجها النووي. تكمن المعضلة الرئيسية في استراتيجية العقوبات الغربية في أمرين رئيسيين، أوّلهما أن الدول المعاقبة وجدت سبيلاً للتحايل على هذه العقوبات وهو الأمر الذي يُمكن لروسيا أن تسكله على المدى الطويل. وثانيهما أن الغاية من وراء العقوبات الحالية على روسيا تأتي ببعض النتائج العكسية. ففي وقت يأمل فيه الغرب أن تؤدي هذه العقوبات إلى دفع الرئيس فلاديمير بوتين إلى الاقتناع بضرورة البحث عن تسوية سياسية للصراع مع كييف، فإن ترك منافذ اقتصادية مربحة له كتجارة الطاقة على وجه التحديد تدفعه إلى فعل العكس. فعلى الرغم من تأثيرات العقوبات المفروضة حالياً على الاقتصاد الروسي والإخفاق العسكري الذي واجهته روسيا في الأسابيع الماضية من الحرب، فإن تركيز بوتين لا يزال ينصب على تحقيق نصر عسكري في شرق وجنوب أوكرانيا. من دون أن تشمل العقوبات الغربية قطاع الطاقة الروسي وجميع البنوك الروسية، فإنه سيكون من الصعب تصور أن يرفع بوتين الراية البيضاء في وقت قريب.

* باحث في العلاقات الدولية 

[covid19-ultimate-card region=”EG” region-name=”مصر” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”AE” region-name=”الإمارات العربية المتحدة” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region=”PS” region-name=”فلسطين” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]

[covid19-ultimate-card region-name=”العالم” confirmed-label=”اجمالي الحالات” confirmed-24h=”true” confirmed-24h-label=”الحالات الجديدة” deaths-label=”اجمالي الوفيات” deaths-24h=”true” deaths-24h-label=”الوفيات الجديدة” deaths-rate=”true” deaths-rate-label=”نسبة الوفيات” recovered-label=”المتعافون” active-label=”حالات تحت العلاج” font-color=”#ffffff” bg-color=”#0c3278″ bg-position=”right” rtl=”true” last-update=”Y-m-d H:i” last-update-label=”تم تحديث البيانات في :”]