تسابق حكومة الاحتلال الإسرائيلي الزمن في خلق وقائع جديدة على الأرض الفلسطينية، تقتل معها أي إمكانية في إقامة دولة فلسطينية تتمتع بتواصل جغرافي، وذلك من خلال الإعلان عن المزيد من مخططات الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين، مستغلة مواقف الإدارة الأمريكية، التي يرى فيها الاحتلال ضوءا أخضر لتمرير مخططاته التي لم يقوى على تنفيذها في عهد الإدارات التي سبقت.
وقبل أيام صادقت سلطات الاحتلال على مصادرة 291 دونم من آراضي مدينة دورا في مدينة الخليل الواقعة جنوب الضفة المحتلة وبناء 102 وحدة استيطانية على تلك الأراضي.
ربط المستوطنات
وفي حديث “للغد”، قال عبد الهادي حنتش، خبير الأراضي والاستيطان وعضو اللجنة العامة للدفاع عن الأراضي، “من الناحية العملية يسعى الاحتلال من خلال هذه المصادقة إلى توسيع مستوطنة “نيجهوت” لتصل إلى حدود مستوطنة “متس ميلاخيش” لخلق تواصل، وضم جميع الأراضي الواقعة بين هاتين المستعمرتين.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال أنشأت بؤرة استيطانية جديدة تدعى “متس بيه شاليم” إلى الجنوب الغربي من مستعمرة “ناحال نيجهوت”، ما يعني تشكيل مثلث استيطاني يعزل المنطقة ويلقي بظلال ثقيلة على تحركات المواطنين وتنقلاتهم في مدينة دورا.
وشدد في الوقت ذاته على أن الاحتلال صادر ما يزيد عن 40% من مساحة مدينة الخليل وضمها إلى الكيان.
وتابع حنتش، “الاحتلال يريد تفتيت الأرض الفلسطينية، ليس فقط في المنطقة المسماة “C”، وفقا لتصنيفات أوسلو، التي يطلق عليها مناطق فارغة وليس مناطق “C”، بمعنى أن الاحتلال يريد من هذه العبارة تحويل المنطقة “C” إلى بؤر استيطانية ومستعمرات وشوارع التفافية، وبالتالي ضمها إلى الكيان، وربط المستوطنات وتحويل البؤر الاستيطانية إلى كتل استيطانية كبيرة، شأنها كشأن الكتل الكبيرة في الضفة مثل “غوش عتصيون” و”ارئيل” و”معاليه ادوميم”.
مخططات هيكلية
وأوضح حنيش، أن سلطات الاحتلال أسقطت عمليا كافة تصنيفات الأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة (A,B,C) وفقا لاتفاقية أوسلو، وباتت ترى فيها مصطلحات مصطنعة، مضيفا أن الاحتلال صادر ما يقرب من 16800 دونم من المناطق المصنفة A, B، وأن جميع الأرض الفلسطينية مستباحة أمام التغول الاستيطان، الذي بات يتغذى على الأرض الفلسطينية، وهو يرى بأحقيته في الاستيلاء على أي أرض فلسطينية مهما كان موقعها.
وشدد الخبير في الأراضي والاستيطان على أن دولة الاحتلال عمدت إلى إنشاء مخططات هيكلية لجميع المستوطنات في الضفة الغربية، بما في ذلك المستوطنات المعزولة، التي كانت تقول إنها لا تحمل أي مدلول سياسي أو استراتيجي، لكن الملاحظ على الأرض أن هذه المستوطنات تحولت إلى مستوطنات كبيرة بعد أن رصدت مبالغ طائلة لتطويرها”.
دولة المستوطنين
وأظهر أحدث تقرير لمنظمة “السلام الآن” الإسرائيلية، أن العام 2017 شهد تحطيم الرقم القياسي في أعمال البناء في المستوطنات الإسرائيلية، خاصة المعزولة منها، حيث جرى البدء ببناء 3154 وحدة استيطانية، في حين تقرر خلال العام الماضي البدء ببناء 6742 وحدة استيطانية في 59 مستوطنة، بزيادة تصل إلى 17% مقارنة عن العام الـ2016 الذي سبقه.
وتعقيبا، أكد مدير معهد أريج للأبحاث التطبيقية، الدكتور جاد إسحاق “للغد”، أن المستوطنين يؤسسون دولة لهم في الضفة الغربية، من خلال عمليات الاستيطان المتسارعة.
وأضاف إسحاق، “أن المستوطنات الإسرائيلية باتت تسيطر على ما مساحته 45% من الضفة، وأن هذه المساحة ستكون بمثابة النواة لدولة المستوطنين، التي تتسع يوميا بفعل تسارع وتيرة الاستيطان بشكل غير مسبوق”.
مليون مستوطن
وشدد إسحاق على أن حكومة الاحتلال أقرت في عام 2017 حوالي 63 ألف وحدة استيطانية، منها ما يقارب من 8200 وحدة استيطانية في مستوطنات الضفة، وأن هناك ما يزيد عن 55 ألف وحدة تنتظر التنفيذ في القدس الشرقية، بعد أن أنهت كل الاعتراضات والمخططات والمصادقات على إقامتها، ما يعني أن أعداد المستوطنين في الضفة والقدس الشرقية ستتجاوز في العام 2020 المليون مستوطن.
وأضاف إسحاق، أن دولة الاحتلال استطاعت من خلال التوافق مع إدارة ترامب في إخراج القدس والاستيطان من المفاوضات، وأن الأخير لم يعد يشكل عقبة أمام السلام من وجهة نظر واشنطن، كما أراد الاحتلال.
كتل استيطانية
واعتبر إسحاق، أن المستوطنات سيتم التعامل معها ككتل استيطانية، والاحتفاظ بها في جسد الضفة الغربية، ما يعني السيطرة على حوالي 45% من مساحة الضفة ويبقى للفلسطينيين 55%، لإقامة ما تسمى بالدولة الفلسطينية، أو كما يسوقونها دولة في حدود مؤقتة يتم البحث في مستقبلها بعد 10 سنوات وحينها قد يتحول المؤقت إلى دائم.
ولفت إلى أن رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أكد في ذكرى مرور 50 سنة على إقامة الاحتلال، أنه لن يتم إزالة أي مستوطنة من أرض إسرائيل واستخدم هذا المصطلح.
الأغوار ونار الاستيطان
وكشف إسحاق النقاب عن أن دولة الاحتلال قامت الشهر الماضي بربط 4 بؤر استيطانية هي (ميخولا، شديموت ميخولا، روتم، سلعيت) مع بعضها البعض في منطقة الأغوار، لتصبح مستوطنة كبيرة جديدة في الضفة الغربية.
وأصدرت أوامر إخلاء لعدد كبير من التجمعات البدوية في منطقة الأغوار، وهي تسعى حاليا لتثبيت اكبر عدد من المستوطنين في الأغوار، باعتبارها من المناطق المعزولة.
وأضاف أن هناك 50 ألف فلسطيني موجودون في منطقة تتجاوز 10% من مساحة الأغوار البالغة 27% من مساحة الضفة الغربية، في حين يسيطر المستوطنين الذين لا يتجاوز عددهم 13 ألف على الجزء المتبقي.
منطقة الألغام
وشدد إسحاق على أن دولة الاحتلال تستهدف المناطق المعزولة في الأغوار، لتصبح كتلة استيطانية كاملة، يسهل السيطرة عليها، وهو ما أكده نتنياهو في تصريحه الأخير قبل شهر، عندما قال، لن ننسحب من غور الأردن وسنستوطن وسنبني بنى تحتية.
ولفت إسحاق النظر إلى أن حكومة الاحتلال قامت في أعقاب توقيع اتفاقية السلام مع الأردن، بإزالة كل الألغام في المنطقة الأمنية التي يسميها منطقة الألغام والواقعة ما بين شارع 90 ونهر الأردن، وحولتها إلى آراضي زراعية لصالح المستوطنات.
وتابع إسحاق، أن مساحة الآراضي المخصصة للزراعة المروية المتبقية للفلسطينيين في الاغور هي 35 ألف دونم،فيما بلغت تلك الأراضي التي استولى عليها المستوطنين أكثر من 67 ألف دونم أي ضعف ما حصل عليه الفلسطينيون.
هذه المعطيات أكد عليها وزير جيش الاحتلال أفيجدور ليبرمان، الذي تحدث خلال وضع حجر الأساس لمستوطنة “نتيف هأفوت” في مجمع عتصيون جنوب الضفة، وقال في عام 2017، وافقنا على بناء حوالي 11500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، بعضها عبارة عن بناء فوري، وبعضها ضمن عمليات التخطيط، وفي عام 2018 وافقنا على بناء 2،700 وحدة استيطانية، وآمل أن يستمر هذا الزخم الاستيطاني.