حالة المواجهة السياسية بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة أخرى، تجعل الجميع يتساءل.. هل نحن أمام محاولة لتغيير النظام العالمي، والعودة لعالم ثنائي القطبية لا عالم القطب الواحد؟.
وعود بوتين لبايدن
ويؤكد مراقبون أن هذا هو هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فثمة مكاسب قد يوفرها بوتين لبايدن لإثبات قوة روسيا، أبرزها اقناع إيران بالتصديق على اتفاق نووي جديد، وقبولها ببنود صاغتها الولايات المتحدة، وهو ما سيمنح بايدن أول انتصار دبلوماسي له.
كما يشكك مراقبون آخرون في قدرة بوتين على تنفيذ ذلك، ويرون أن بوتين يبالغ في تقدير نفوذه على قادة إيران، لكنهم واثقون بقدرة الروس في خفض سلوك طهران على الأقل.
كما يمكن للطرفين أن يزيدا معا التعاون العسكري في سوريا، حيث يستطيع بوتين عرض ذلك كجزء من خطة أوسع لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، ومن بين هذه المكاسب تخفيف حدة التوترات في أوكرانيا وهي الأزمة التي تجرى حاليا في بروكسل بين روسيا والغرب.
ونتساءل في برنامج (مدار الغد) من خلال الحديث مع محللين سياسيين وخبراء في الشؤون السياسية.. هل يستطيع بوتين أن يعيد روسيا كقوة عالمية عظمى أم سيكون للولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيين راي آخر؟.
الخيار النووي
ومن موسكو، قال ديميتري بابيتش الخبير في الشؤون الروسية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يبحث لروسيا عن مكانة عظمى أو قطبية، لأن العالم بالفعل به تعددية للأقطاب.
وأضاف بابيتش، أن الأمر يتعلق بـ(أمن روسيا) لأن حلف شمال الأطلسي (الناتو) إذا ما واصل تمدده شرقا، وكان هناك أسلحة هجومية بالقرب من الحدود الأوكرانية فسيكون له تداعيات خطيرة، مؤكدا أن الخبراء الروس يرون أن موسكو ستلجأ إلى “الخيار النووي” إذا ما حدث أي هجوم من قبل أي طرف.
كما أوضح بابيتش أن روسيا ستدافع عن نفسها بأسلحة الدمار الشامل إذا ما حدثت مواجهة فعلية مع حلف (الناتو)، مشيرا إلى أن هذه الأسلحة لن تستخدم ضد أوكرانيا القريبة من روسيا بل مع الدول التي تدعم كييف وتقف بجانبها.
واستكمل: “لا يجب على حلف (الناتو) أن يضم أوكرانيا، وأن يجعلها أرضا للاختبارات للأسلحة المتطورة”.
وجدد بابيتش التأكيد على أن روسيا لا تحلم بأن قطبا أوحد، وعلينا أن ننظر إلى روسيا على أنها عدائية في التعامل مع الغرب، قائلا”لنراجع الخرائط ونرى من الذي يتوسع في الأراضي الأوكرانية ويقترب من العاصمة الروسية”.
أحلام روسيا السلطوية
ومن واشنطن، قال دونالد جينسن، الدبلوماسي الأمريكي السابق، ومدير شؤون روسيا في معهد الولايات المتحدة للسلام، إن تواجد قوات من حلف (الناتو) على الأراضي الأوكرانية لا يهدد روسيا.
وأضاف جينسن أن حلف (الناتو) ينظر إلى روسيا على أنها تمثل تهديد على أوكرانيا، وليس من حقها الاعتراض على ضم أوكرانيا للحلف، موضحا أن المحادثات قد تعطي أملا لعد نشوب حرب.
كما أكد جينسن، أن حلف الناتو حلف مستقل ويضم دولا كثيرة، وليس من حق روسيا أي تفرض على أوكرانيا عدم الانضمام للحلف، لافتا إلى أن موسكو لديها أحلام سلطوية غير موائمة للقرن الحادي والعشرين.
ويرى جينسن أن أمريكا والدول الأوروبية لا يريدون شيئا من روسيا سوى استقرار السلام في العالم، ونتفهم أن الرئيس بوتين يشارك في حروب متعددة في عدد من الدول لكن أوكرانيا لا لا تمثل تهديدا لها.
كما أوضح جينسن أن الناتو والدول الأعضاء لديهم قيم مشتركة والهدف هو الحفاظ على الأمن وليس العداء ضد روسيا أو أي دولة أخرى، مشيرا إلى أن لغة روسيا التهديدية زادت كثيرا عن فترة التسعينات.
أحلام بوتين
ومن برلين، قال إيفالد كونيج، الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحلم ويريد التأثير والسيطرة على دول الاتحاد السوفياتي السابقة، وليس فقط أوكرانيا، وهذا ليس مقبولا.
كما أكد كونيج أن ألمانيا ترى أن المفاوضات ستحسم هذه الأزمة، ويبدو أن الأمر ثنائي بين واشنطن وموسكو، ولكن من سوء الحظ أن الدول الأوروبية ضعيفة، والاتحاد الأوروبي ليس لاعبا أساسيا في هذه المعادلة.
كما أشار كونيج إلى أن روسيا انتهكت الحدود الأوكرانية وستكون هناك ردود عسكرية من قبل (الناتو)، وربما تكون روسيا في طريقها لأن تكون قطبية رغم ضعف الميزانية العسكرية مقارنة بأمريكا والغرب.
ماذا يعني تعدد جبهات التوتر؟
وتعددت جبهات التوتر الروسية على حدود أوروبا فهل ذلك دليل على قوة روسيا؟ أم أن ذلك يؤشر إلى رؤية أوروبية لإنهاك روسيا في أزمات متعددة على الأبواب الشرقية لقارتها العجوز؟.
وفي هذا السياق، قال الدكتور نضال شقير، أستاذ التواصل الاستراتيجي والعلاقات الحكومية إنه لا يمكن اعتبار تعدد جبهات التوتر أمام روسيا بأنه فخ أوروبي.
وأكد شقير أن ما يحدث اليوم في مناطق النزاع كأوكرانيا ما هي إلا تراكمات من الحقبة السوفياتية.
وأوضح أن عقيدة حلف شمال الأطلسي في الأصل هي مواجهة روسيا، وأن أجندة حلف (الناتو) مختلفة تماما عن أجندة الأوروبية، والدليل على ذلك أن فرنسا مع الحوار والمحادثات مع موسكو.
من جانبه، قال ديميتري بابيتش الخبير في الشؤون الروسية، إن الروس يعتبرون الشعب الكازاخي والبيلاروسي وغيرهم من دول الاتحاد السوفيتي السابقة أنهم من نفس الأمة، ومسألة التوتر في كازاخستان ليست عبئًا على الجيش الروسي.
وأكد ديميتري بابيتش أن الجنود الروس سيعودون بعد 10 أيام فقط، لأن الهدف هو إعادة الأمن في كازاخستان، لكن الأمر المرهق هو المواجهة مع الغرب والنزاع حول أوكرانيا.
وأوضح بابيتش أن الغرب يكذب حول التدخل الروسي في كازاخستان وبيلاروسيا، مؤكدا أن روسيا لم تغزو كازاخستان ولا بيلاروسيا، ولكن الحقيقة هي أنهم طالبوا روسيا بحماية المنشآت العامة في بلادهم خشية خطر الاحتجاجات.
