لا مركزية في الحكم، مصطلح سياسي ظهر في العراق الجديد بعد 2003، لمنع تمكين نظام سلطوي مرة أخرى مع بناء توازن داخلي لمنظومة السلطة.
وجاء دستور 2005 ليكرس “اللامركزية” من خلال فيدرالية ومجالس محافظات منتخبة، تتمتع بصلاحيات تنفيذية كبيرة، كما حدد الدستور معايير تشكيل المزيد من الأقاليم ومهد لتشريعات تنظم العلاقة بين الأقاليم والحكومة الاتحادية في بغداد.
لكن على أرض الواقع، مالت توجهات من آلت إليهم السلطة إلى إعادة ترسيخ “مركزية السلطة” وبات النفوذ بيد الحكومة الاتحادية.
فمثلا، رغم تقديم مقترحات لتشكيل أقاليم جديدة، ظل “كردستان” الإقليم الاتحادي الوحيد في البلاد.
كما أن العراق أجري مرتين فقط انتخابات لمجالس المحافظات في عامي 2013 و2014، قبل أن يقوم البرلمان بحل تلك المجالس في 2019.
ويرى محللون أنه بذلك، فقدت اللامركزية الجغرافية والإدارية بريقها السياسي لصالح دولة قوية ذات سلطة مركزية، وذلك في مقابل صعود وتمدد للمحسوبية العرقية والطائفية، حيث تقوم الكتل السياسية التي تصل إلى البرلمان بتقاسم مؤسسات الدولة وأصولها.
وبشكل أكثر وضوحًا، فإن نظام الحكم في العراق الآن يركز السلطة والثروة في بغداد بعيداً عن الأقاليم والمحافظات، لكن بغداد نفسها مقسمة بشكل لامركزي بين الأحزاب التي تشكل الحكومة.. فهل تخلى العراق بالفعل عن “اللامركزية” لصالح “مركزية” هشة للغاية؟.
مشاكل على أرض الواقع
ومن بغداد، قال الدكتور خالد عبد الإله، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية، إنه بعد عام 2003، دستور 2005، بات العراق نظام فدرالي اتحادي.
وأضاف عبد الإله، خلال مشاركته في برنامج”مدار الغد” أن العراق دولة “لامركزية” في إطار المنحى العام، لكن ما زالت هناك اختلافات في الصلاحيات.
وأوضح عبد الإله أن الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني تحدثت عن إجراء انتخابات محلية عام 2023، لإبعاد شبح المحليات عن البلاد.
خيار سياسي لا شعبي
من جانبه، قال الدكتور طارق الزبيدي، أستاذ العلوم السياسية، إنه كان هناك رغبة سياسية لمنع وجود أي أقاليم، وبقي الوضع كما هو عليه، عدا بعض الخصوصية لإقليم كردستان.
ويرى الزبيدي أن “اللامركزية” في العراق خيارا سياسيا لا شعبيا، إلا أن التحوّل بات واجبا دستوريا.
ولفت الزبيدي إلى أنه يجب على الحكومات تسيير في فكرة “اللامركزية” بسبب الأقاليم، ولكن القوى السياسية رفضت ذلك، على اعتبار أنها ستثير التخوفات.
وأكد الزبيدي أن مسألة تعديل الدستور العراقي باتت عملية صعبة للغاية لأن ذلك يتطلب موافقة ثلثي أعضاء النواب وهو أمر صعب تحقيقه.
بنود الدستور العراقي
ومن واشنطن، قال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، إن هناك فرق بين ما كتب في الدستور وما نفذ على الأرض.
وأضاف مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أنه إذا لم يكن هناك إرادة سياسية فلن يتم تنفيذ ما جاء في الدستور، وهو سببا رئيسيا لتفشي الفساد في العراق.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، أن العراق بات مثقلا بسبب الفساد، وهناك معوقات لتنفيذ بنود الدستور، ولا توجد خدمات للشعب العراقي.