ينتظر الشعب الأمريكي الرئيس الجديد، ويستعد البيت الأبيض لاستقبال المرشح الرابح في الانتخابات الأمريكية التى ستنهي ولاية “عصيبة” للرئيس باراك أوباما الذي وضع خلالها المنطقة العربية في أوزارا لا يعلم منتهاها، وقبيل تلك المرحلة الحساسة، كانت هناك ضرورة للتعرف على الداخل الأمريكي نظرًا لما تحمله التطورات، بها من أمور قد تلقى بعواقبها على المنطقة.
ويكشف لنا خالد خيري، مدير مكتب قناة “الغد” الإخبارية في واشنطن، وهو أحد المنخرطين في الشئون الأمريكية- العربية منذ 14 عاما، كيف ينظر الأمريكيون رسميًا وشعبيًا إلى مصر حاليًا؟
يجيب خيري أنه على المستوى الشعبي، الأمريكيون عاشقون لمِصر، ودائمًا ما يُتابعون أخبار القاهرة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وبداخل كل أمريكي زيارة مصر التي عرفها من خلال ما درسه عن تاريخها أثناء الدراسة المدرسية، حيث يتم تدريس الحضارة الفرعونية المصرية في كافة المدارس الأمريكية، والمعروف أنّ السائح الأمريكي الأكثر إنفاقًا أثناء زيارته للقاهرة، وهناك العديد من صغار السن يدخرون من مصروفاتهم الشخصية أملاً في زيارة المعالم التاريخية المصرية. وأشار إلى أن أعداد السياحة الأمريكية كانت تصل إلى مصر قبل ثورة 25 يناير المليون سائح، وحاليًا لا يتجاوز الـ 20 ألف، بسبب ما يُشاع عن مصر في بعض وسائل الإعلام المُغرضة، والمحرضة ضد مصر، ولكن بشكل عام، مصر في قلوب الأمريكيين قيمة، وقامة.
ويضيف خيري أما على الصعيد الرسمي، فــ يُنظر إلى مصر على أنّها قوة إقليمية لا يُمكن الاستغناء عنها، واستقرارها يعني استقرار الشرق الأوسط، ويعتبرها السياسيون الأمريكيون قلب الوطن العربي، وكانت هناك نظرة غير مستقرة لمصر أثناء عهد الإخوان المسلمين، واعتقد الأمريكيون أنّ مصر دخلت في نفقٍ مظلم، في الوقت الذي كانت فيه انتقادات كثيرة داخل الكونجرس للإدارة الأمريكية لعدم تقديرها لخطورة وصول الإخوان لسدة الحكم، وما يترتب عنه من آثار في المنطقة بأكملها، الأمر الذي فطنت إليه الإدارة الأمريكية بعد ثورة شعبية صححت الأوضاع، وأعادت الدولة المصرية إلى هيبتها المعهدوة تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أحدث بسياسته المتوازنة والمتعقلة انفراجة كبيرة في علاقات مصر الخارجية التي تم تجميدها تقريبًا في أعقاب ثورة 25 يناير. وبذلت الدبلوماسية المصرية جهودًا مضنية لتوضيح الأسباب التي قامت من أجلها ثورة 30 يونيو الشعبية، وكان في هذه الأثناء جدل داخل أروقة السياسة المصرية حولَ قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، وزاد الحديث عن قضية المعونات الأمريكية، وربطها بتلك القضايا، إلا أنّ تطورات الأوضاع في مصر حاليًا والحرب على الإرهاب في سيناء ساهما في تغيير رؤية هؤلاء تجاه مصر، وأصبح الصوت الداعم لمصر داخل الكونجرس المُسيطر حاليًا، ما أسفر عن الإفراج عن المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر بدون شروط مسبقة، واعتبر أعضاء الكونجرس أنّ مصر والولايات المتحدة تخوضان حربًا شرسة للقضاء على الإرهابيين والمتطرفين.
وبسؤاله عما إذا كانت هناك وجود للإخوان في أمريكا.. وهل لهم تأثير على مراكز صنع القرار؟
أكد مدير قناة الغد في واشنطن أن هناك معلومات مغلوطة وتضخيما مبالغا فيه عن وضع الإخوان داخل أمريكا، فليس معنى أنّ هناك بعض الأساتذة في الجامعات الأمريكية، أو المراكز البحثية الأمريكية، أو رجال أعمال ينتمون لهذا التنظيم الإخواني، أنّ يكون لهم تأثير داخل الأوساط الشعبية والسياسية الأمريكية، الأمر كله لا يتعدى سوى أصوات قليلة “لا تسمن ولا تغني من جوع”، وهذه الأصوات تحاول تصوير الأوضاع في مصر على أنّها مضطربة، وغير مستقرة، إلا أنّ هذه الدعوات أسقطت بسبب أنها لا تعبر عن الواقع الحقيقي المستقر في مصر حاليًا. وحاول أعداد منهم بعد ثورة 30 يونيو استمالة الأمريكيين بغطاء ديمقراطي إلا أنّ العمليات الإرهابية التي باركها الإخوان أجهضت هذه المحاولات التي اختفت تقريبًا بعدما صدر مشروع قانون في اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي باعتبار جماعة الإخوان إرهابية، وكان ذلك بمثابة الصدمة التي تلقاها أتباع هذه الجماعة في أمريكا، والتي كشفت زيف إدعاءاتهم أمام الرأي العام الأمريكي.
وأشار خيري، المتخصص في العلاقات العربية الأمريكية، إلى أنه قد لا يتفق الأمريكيون جميعًا على أنّ مصر حاليًا تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن الكثير منهم يُؤمن بأن المواطن المصري قرر واختار الاستقرار والتنمية.
وحدد خيري موقف العرب من السباق الانتخابي الأمريكي الجاري بقوله العرب حائرون في الاختيار، فهم كـ “المستجير من الرمضاء بالنار”، وهم بين الخوف من المرشح الرئاسي الجمهوري الأوفر حظًا دونالد ترامب، بعد تصريحاته العنصرية تجاه المسلمين، والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والضعف في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية في الملفات العربية، والسياسة الموالية المعلنة لإسرائيل، وحتى الآن لم تقرر الجالية العربية تحديد وجهتها التصويتية، حيث تعد أصواتها مهمة ومؤثرة في ولايات ميتشغان، نيويورك، كالفورنيا، إلينوي، وفيرجينيا، نظرًا لوجودهم بكثافة في هذه الولايات، ومن القضايا التي تؤثر في اختيار مرشح دون الآخر بالنسبة للجالية العربية الاقتصاد، والتأمين الصحي، والوظائف على الصعيد الداخي، والقضية الفلسطينية على الصعيد الخارجي.
وعن الدور الذي تقوم به السفارة المصرية في واشنطن؟ أجاب: السفارة المصرية بكامل أعضائها تقوم بجهد واضح لتبصير الأمريكيين بحقيقة الأوضاع في مصر، إلا أنّ هذا الجهد ينقصه الاستعانة بالخبرات المصرية المقيمة في أمريكا، وإشراكها في بلورة الرؤية المصرية في مرحلة ما بعد ثورة 30 من يونيو، حيث أنّ التنسيق بين السفارة والمصريين المقيمين في أمريكا بحاجة إلى إعادة النظر في الكيفية التي ينظر بها أعضاء البعثة الدبلوماسية للمصريين، فلا توجد مثلا أيام محددة لعقد لقاء للجالية مع أعضاء السفارة للبحث، والتشاور في قضايا مصر.
وأوضح أن الدور المنوط بمصر حاليًا للحفاظ على مكانتها داخل أمريكا التحدث بلغة يفهمها الأمريكيون التي تتلخص في لغة المصالح، الولايات المتحدة قوة عظمى، ومصر قوة إقليمية، وانطلاقًا من هذا المفهوم تبنى المصالح بين الطرفين، ولا بد من وجود صوت مصري مستقل يشرح حقائق الأوضاع في مصر بتجرد لنيل مصداقية الأمريكيين في خضام الأخبار المغلوطة التي تنشر في بعض وسائل الإعلام الأمريكية ولا تجد من يصححها إلا بجهود فردية من وطنيين مخلصين، ومصر بحاجة إلى الوجود داخل المراكز البحثية، والفكرية، والسياسية الأمريكية، وتقديم معلومات بشكل مستمر عن مجريات الأحداث فيها، وإرسال وفود إعلامية وسياسية مستقلة بشكل دائم لعقد لقاءات مفتوحة مع مختلف الشرائح الأمريكية، وتزويدهم بأوراق عمل وحقائق مدعومة بالإثباتات عن مختلف القضايا المصرية محل الجدل على رأسها علاقة المواطن بالدولة، وأجهزتها.