الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة.. أزمة في الجزائر
قبل أن تعلن رئاسة الجمهورية في الجزائر، في بيان مقتضب أمس الأحد، لم يتجاوز 25 كلمة، أن الرئيس بوتفليقة توجه إلى مدينة جنيف السويسرية، في «زيارة خاصة» سيخضع خلالها لـ«فحوصات طبية دورية»، وقبل أن تبدأ موجة التساؤلات والتكهنات والشائعات التي ترافق بوتفليقة في رحلات العلاج الخارجية، بادر المسؤول الجزائري السابق، حليم بن عطا الله، كاتب الدولة الجزائرية لشؤون الجالية السابق، بالتحذير من «مرض الرئيس الذي أضعف الجزائر».
وأوضح عطا الله لصحيفة الخبر الجزائرية، الخميس الماضي، انحدار مكانة الجزائر في محيطها الإقليمي أفريقيا وعربيا وإسلاميا، وأن دول مثل فرنسا ودول الخليج ودول الساحل والصحراء، تستغل مرض الرئيس بوتفليقة لتعامل الجزائر كبلد ثانوي وغير مهم في التأثير على الأحداث في محيطه، ومعبرا عن خشيته من أن تتعرض الجزائر «في السياق الوطني الحالي»، أي في ظل مرض رئيس الدولة، إلى سلسلة من الانتكاسات الإضافية في الخارج.
من يحكم في الجزائر؟
تحذيرات بن عطاء الله عادت اليوم إلى واجهة الشارع السياسي في الجزائر، فقد تسببت رحلة العلاج إلى سويسرا، في إحياء الجدل المتعلق بصحة الرئيس وقدرته على الحكم ومدى إمكانية تطبيق المادة 102 من الدستور، التي تثبت المانع الصحي على الرئيس. وكان هذا النقاش قد خفت في الساحة السياسية بعد أن صار الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة أمرا واقعا، اضطرت المعارضة للتعامل معه لاعتقادها باستحالة تحرك مؤسسات الدولة المعنية في إعلان شغور منصب الرئيس الذي تنادي به.
وتتهم تنسيقة الانتقال الديمقراطي «ائتلاف لأحزاب علمانية وإسلامية» دائرة مقربة من بوتفليقة بأنها هي من تحكم، في إشارة إلى شقيقه السعيد بوتفليقة الذي يحرص على إبقاء وضعه الصحي طي الكتمان، وتشكك المعارضة في قدرة بوتفليقة على إدارة البلاد واتهمت محيطه باستغلال ضعفه للحكم باسمه، بينما هو مغيب عما يتخذ من قرارات، وترى «التنسيقية» أن الرئيس عاجز عن أداء مهامه، ما يستدعي تفعيل المادة 88 من الدستوري الجزائري قبل أن يعدله بوتفليقة.
وليس واضحا ما إذا كانت صحة بوتفليقة قد تدهورت فجأة، أم أن الأمر يتعلق فعلا بفحوصات دورية، لكن الصورة التي نشرها رئيس وزراء فرنسا، مانويل فالس، في لقاء بوتفليقة خلال زيارته الجزائر في العاشر من أبريل/نيسان، وظهر فيها بوضع صحي متدهور، أثارت جدلا صاخبا في الجزائر، عززت قراءات تذهب في اتجاه أن نقل بوتفليقة لجنيف ربما يكون بسبب تدهور في صحته.
لماذا تم تغيير مكان علاج الرئيس؟
ويواجه بوتفليقة «79 عاما» صعوبات في الكلام والحركة، منذ إصابته بجلطة دماغية في 2013، فيما يثير وضعه الصحي جدلا صاخبا في الساحة الجزائرية، وقد تشكلت مجموعة من شخصيات معارضة ومستقلة تحت مسمى مجموعة الـ19، وتسعى منذ 2015 لمقابلة بوتفليقة، وتتهم الدائرة المقربة منه بمصادرة أختام رئاسة الجمهورية، وأن الرئيس ربما يكون مغيبا أصلا عن القرارات التي يتم اتخاذها بسبب وضعه الصحي.
وتعود آخر زيارة لبوتفليقة لإجراء فحوص طبية في الخارج قبل جنيف إلى الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2015، عندما أدخل مستشفى في غرونوبل بفرنسا، وقبلها ظل لأشهر في المستشفى العسكري «فال دوغراس» بباريس، وهذه هي المرة الأولى التي يتنقل فيها بوتفليقة إلى سويسرا، فيما يعتقد محللون أن تغيير مكان علاجه وفحوصاته الدورية من باريس إلى جنيف يأتي ردّا على نشر فالس صورة لبوتفليقة، ظهر فيها شاردا وضعيفا وبعينين شاحبتين، ما اعتبرته المعارضة دليلا على صحة طروحاتها عن شغور منصب الرئاسة.
صحة الرئيس تسببت في انتكاسات سياسية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الجزائري، سعد بوعقبة، أن مستقبل الجزائر أصبح رهنا لـ«صحة الرئيس» التي تسببت في انتكاسات تمثل علامات تآكل في قدرتنا على الردع أو رد الفعل، لأنه إلى وقت مضى، كانت الجزائر أقوى في توقع وإحباط كل المحاولات التي تتجاوز معها أيا كان مصدرها، ومرض الرئيس وضعفه، أضعف الجزائر، منذ انسحاب الرئيس بوتفليقة من الساحة الدولية لأسباب صحية، حتى أن العديد من الدول تستغل حاليا هذه الوضعية.
وقال بو عقبة لصحيفة الخبر الجزائرية، عندما جاء الرئيس بوتفليقة إلى الحكم، قبل 16 سنة، أطلق تعبيرا مؤثرا في الجزائريين «ارفع رأسك يا أبّا» كان الجزائري وقتها مطأطأ الرأس، وتكاد رقبته تنكسر لشدة انحناء الرأس، كانت البلاد غارقة في الدماء، والعالم بأكمله بعضه يضحك علينا وبعضه يبكي معنا، شفقة وحزنا على ما آلت إليه بلاد الشهداء، كانت عبارة «ارفع رأسك يا أبّا» لها وقع سحري في الرأي العام، لكن ها هو بوتفليقة يحضّر نفسه لمغادرة الحكم في الجزائر، وحال هذا البلد أسوأ من حاله سنة 1999.
مؤسسة الرئاسة تتكتم على الحالة الصحية
وتتحدث بعض المصادر في الجزائر، عن تواجد الرئيس بوتفليقة في جنيف منذ مساء الأربعاء الماضي، وأن بيان رئاسة الجمهورية يحمل فكرتين، بحسب وسائل الإعلام الجزائرية: الفكرة الأولى أن الرئيس بوتفليقة اختار هذه المرة سويسرا لإجراء فحوصاته الطبية، وأن السياق الحالي للعلاقات الجزائرية الفرنسية قد يجعل هذا الخيار مقصودا لتفادي التأويلات التي تظهر عقب كل سفر علاجي يقوم به الرئيس بوتفليقة إلى فرنسا، كما أن وجود بوتفليقة في فرنسا، في ظل العلاقة السيئة بين السلطات الجزائرية والصحافة الفرنسية، سيكون مغامرة كبيرة تحسبت لها على ما يبدو مصالح الرئاسة، فنزوله في مستشفى فرنسي سيساهم في تسليط الضوء أكثر على مرض بوتفليقة واستغلال ذلك، ربما، في إحراج السلطات الجزائرية من جديد حول حقيقة وضعه الصحي الذي تتكتم عليه.
أما الفكرة الثانية التي حرصت رئاسة الجمهورية على تمريرها، هي أن هذه الفحوصات دورية، أي أنها لا تتعلق بوضع خطير استدعى نقله إلى الخارج، وإنما متابعة عادية لوضعه الصحي، دأب الرئيس على القيام بها عدة مرات، وتريد الرئاسة من وراء ذلك قطع دابر الشائعات التي ترافق في كل مرة رحلات بوتفليقة العلاجية، ويصبح هذا التوضيح أكثر إلحاحا اليوم، بعد الصور والفيديوهات التي نشرت للرئيس بوتفليقة في استقبال الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس، والتي بدا فيها في حالة صحية صعبة للغاية، شاردا غائر العينين، بالكاد يستطيع التمتمة بكلمات قليلة، وهو ما تسبب في ما يشبه الصدمة للكثير من الجزائريين، ظهرت في تفاعلهم الواسع مع الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي.