مشهد مسرحي في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي يكشف أزمة السينما المصرية
رياض أبو عواد يكتب عن افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي
افتتحت مساء أمس الأربعاء، في المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية فعاليات الدورة الـ 41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي تحمل اسم مديره الفني الراحل الناقد يوسف رزق الله بمشهد مسرحي، قدمه الفنان خالد الصاوي، حيث تناول فيه أزمة السينما بشكل كوميدي انتزع إعجاب الجمهور الذي ملأ مقاعد القاعة.
قدم الفنان خالد الصاوي من خلال مشهد قدمه منفردا الأزمة التي يعاني منها الفنان والمخرج وكاتب السيناريو مع المنتجين وقلة المنتج وعدم وجود فرص للعمل، وهو ما يعكس البعد الحقيقي الذي تعاني منه السينما المصرية في السنوات الأخيرة، حيث كانت المهرجانات المصرية تواجه صعوبة حقيقية في إيجاد فيلم مصري يمثلها في المسابقة الرسمية أو مسابقة أفلام السينما العربية التي تنظمها عدة مهرجانات سينمائية مصرية.
أزمة قديمة
وهذه الكوميديا السوداء التي بدأت تعاني منها السينما المصرية تعود إلى فترة تصل إلى أكثر من 15 عاما وبدأت ملامحها تتضح الآن إثر قيام الشركة العربية للفنون بإقامة أكبر احتكار إنتاج سينمائي، وسيطرت على اكثر من نصف دور العرض وكذلك اشترت اكثر من 1500 نسخة سالبة للأفلام المصرية التي أنتجت في القطاع الخاص، مسيطرة بذلك على غالبية تراث السينما المصرية.
إلى جانب مشاركة عدة قنوات سعودية عملاقة في الإنتاج بعدة افلام سنويا مثل شبكات البث التلفزيوني منها راديو وتلفزيون العرب وشبكة روتانا لملكها الوليد بن طلال التي اشترت كل النسخ السالبة من الشركة العربية للفنون وحرمت المصريين من تراثهم السينمائي الكبير وكذلك شبكة الـ إم بي سي في المساهمة في الإنتاج وفرضت افكار محافظة بل رجعية على كتاب السيناريو والمخرجين وصعد مفهوم السينما النظيفة الذي هيمن خلال السنوات الماضية وما زالت آثاره قائمة الى حد كبير مما حد من الإبداع وحرية الاختيار.
كذلك قرر بعض رجال الأعمال المصريين مثل نجيب ساويرس وكامل أبو علي بالدخول في الإنتاج السينمائي إلى جانب المنتجين المصريين الأساسيين في الحياة السينمائية المصرية مثل العدل جروب واحمد ومحمد السبكي.
وسرعان ما تراجعت القنوات السعودية ورجال الأعمال المصريين عن المشاركة في الإنتاج وكأنها عملية مخططة مسبقا اثر ثورة 25 يناير التي شارك فيها عدد كبير من العاملين في صناعة السينما من فنانين ومخرجين وكتاب سيناريو إلى جانب قطاعات الشعب المختلفة.
واكتمل التراجع طوال السنوات الثماني الماضية، وأصبح التمثيل المصري في المهرجانات المصرية والعربية والعالمية بسمة عامة في الأفلام التي تنتجها السينما المستقلة لمخرجين جدد وفنانين جدد بالكاد يستطيعون إنهاء أفلامهم لعدم توفر فرص تمويل معقولة لإبداعاتهم.
انسحاب المنتجين
هذه المقدمة الطويلة كان لا بد منها لتوصيف ما آلت إليه أوضاع السينما المصرية التي وصف معاناتها في السنوات الأخيرة الفنان خالد الصاوي بسخريته السوداء، خصوصا العام الماضي والعام الحالي، حيث توقف المنتجون الأساسيون عن الإنتاج مثل العدل جروب والسبكي وغيرهم دون تقديم أسباب مقنعة لهذا التوقف، رغم أن الكثير من نقاد وصناع السينما يشيرون إلى قيام احتكار جديد يريد ان يسيطر على السوق السينمائي ضمن توجيهات فكرية وسياسية محددة.
ومن أبرز أفلام هذه المرحلة فيلم “الممر” و”الفيل الازرق الجزء الثاني” و”الكنز”.. الخ. وهذا الاتجاه في الهيمنة واحتكار الإنتاج بدأ بالتبلور في الدراما الرمضانية التي تقدم على شاشات المحطات التلفزيونية المصرية، والذي أظهر تراجعا كبيرا في مستوى هذه الدراما وتوجهاتها.
وهذا التوجه لا يبشر بخير لمستقبل السينما المصرية في السنوات المقبلة، لأن أي إبداع يحد من التنوع الفكري الفني الكبير يموت تدريجيا إلى جانب عدم وجود منتجين أو منع منتجين من الإنتاج استجابة لهذه التوجهات الاحتكارية وتخلي الدولة عن واجبها في دعم صناعة السينما التي يمكن لها أن تغذي الدخل القومي بملايين الدولارات لو فتحت الفرصة أمامها، بدلا من التضييق على هذه الصناعة والفنون والثقافة بسمة عامة.
يشار إلى أن الدورة الحالية لمهرجان القاهرة السينمائي تعرض 153 فيلما من 65 دولة، ويمثل مصر في مسابقتها الرسمية الفيلم التسجيلي “احكي لي” لماريان خوري، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المهرجان، فسابقا كانت المشاركة دائما أفلام روائية طويلة نافس بعضها على الجوائز الكبرى للمهرجان وحصل عليها.