مصر في طريقها لـ«التعويم المدار» للجنيه

تأتي محادثات قرض صندوق النقد الدولي في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من حالة «خانقة»، خاصة مع ارتقاع سعر الصرف مقابل الدولار منذ بداية العام الجاري ليصل إلى أعلى مستوياته في السوق الموازية خلال الشهر الجاري، ويحاول البنك المركزي المصري في الحفاظ على ثبات الأسواق عبر إمدادات وطروحات مستمرة دون إهدار كبير للاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية.

وأفاد تقرير تلقته أمس، الأربعاء، اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب من البنك المركزي المصري، بتدني الثقة في تعاملات النقد الأجنبي من خلال الجهاز المصرفي، نتيجة للقيود التي فرضت على البنوك والقطاع الخاص.

ويهدف هذا التقرير إلى توضيح حقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد، وشرح أزمة سعر الصرف لمجلس النواب.

ورصد التقرير أسباب الضغط على سوق الصرف الأجنبي، وهي: تفاقم واستمرار عجز الموازنة العامة ليصل إلى 279.4 مليار جنيه مصري للسنة المالية 2015/2014 مقابل 255.8 مليار جنيه مصري للسنة المالية 2013/2014، بالإضافة إلى ارتفاع عجز الميزان التجاري، وتدني موارد النقد الأجنبي من السياحة نتيجة الأحداث الأمنية الأخيرة، وانفلات المنافذ الجمركية، وعدم السيطرة على عمليات تهريب العملة إلى الخارج.

وأشار التقرير إلى أن إجمالي المساعدات المالية، التي حصلت عليها مصر منذ عام 2011 بلغ 29 مليار دولار، مشيرا إلى أن كبرى الدول المانحة لمصر هي السعودية، بمبلغ 8 مليارات دولار، في حين قدمت قطر في أثناء حكم جماعة الإخوان المسلمين مساعدات مالية تساوت مع إجمالي ما منحته السعودية، وجاءت الإمارات في المرتبة التالية بمبلغ 6 مليارات دولار، تليها الكويت بمبلغ 5 مليارات دولار.

في الوقت نفسه، عرض أمس البنك المركزي المصري على بعثة صندوق النقد الدولى الموجودة بمصر حاليا لبحث إقراضها نحو 12 مليار دولار، خطته لتحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، على 3 مراحل، وفق جدول زمني محدد، على أن تبدأ المرحلة الأولى من التحرير بداية من الأسبوع المقبل، على أن يبلغ الدولار بعد تحرير السعر  12 جنيها على الأقل كسعر رسمي، وفقا لما أكده مصدر حكومى مسؤول.

وظهر مصطلح تعويم الجنيه لأول مرة في 29 يناير 2003، عندما أعلن عاطف عبيد، رئيس الوزراء حينها تعويم الجنيه المصري، بعدها ارتفع سعر الدولار بنسبة اقتربت من 50%، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من 3.70 جنيه إلى 5.35 جنيه.

حول تعريف التعويم والفرق بين التعويم الحر والمدار، صرح الدكتور عبد الرحمن عليان، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، لموقع الغد، أن «المقصود بالتعويم هو ترك القوى الأساسية في السوق أو ما يعرف بالعرض والطلب، تقوم بتحديد سعر صرف العملة المحلية، وفك ارتباطها بأي عملة أخرى أو بالذهب».

وأضاف عليان، «أما عن الفرق بين التعويم الحر والتعويم المدار أن التعويم الحر يعتمد على فكرة أن السوق هو المتحكم الوحيد في سعر صرف العملات دون تدخل من سلطة النقد «البنك المركزي»، حيث يتحكم العرض والطلب في سعر الصرف، ومن ثم كلما زاد الطلب وقل المعروض ارتفع سعر الصرف والعكس بالعكس.

أما بالنسبة للتعويم المدار، أوضح عليان، أنه يعتمد على فكرة قيام البنك المركزي بالتدخل في السو،ق وفق آلية معينة، لتخفيض العملة المحلية على عدة مراحل بشكل يحافظ على التوازن في السوق، وهو ما يلجأ إليه المركزي المصري في الوقت الحالي، حيث من المفترض أن يضع البنك المركزي السعر المركزي للدولار، ثم يقوم بتحديد حد أقصى لمعدل صرف الدولار، وحد أدنى لمعدل صرف الدولار، على أن يترك الدولار معومًا بين هذين الحدين الأقصى والأدنى للتقلب، حتى إذا ما اقترب معدل الصرف السوقي للدولار من الحد الأقصى أو تجاوزه، فإن البنك المركزي يبدأ في التدخل في سوق النقد الأجنبي، إما من خلال بيع الدولار، أو من خلال رفع معدل الفائدة على الجنيه، فيزيد الطلب عليه من قبل الأجانب ويزيد بالتالي عرض الدولار».

وتابع عليان، «يعد أول تعويم حقيقي للجنيه، هو ما قام به الرئيس محمد أنور السادات، عندما سمح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء حقبة الاقتراض من الغرب، التي تحولت بعد ذلك لما يسمى بـ«ديون نادي باريس»، لكن مع عدم قدرة السادات على تحرير الموازنة العامة في عام 1977، وعدم استمرار تدفق استثمارات الخليج، وتراجع الاقتصاد العالمي في الثمانينات حدثت أزمات الدولار مرة أخرى، وتحرك الدولار رسميا من 1.25 جنيه إلى حوالي 2.5، وهو الأمر الذي أدى لإفلاس الكثيرين، حيث كان القطاع الخاص المصري في هذا الوقت يقترض بالدولار من البنوك ويعمل بالجنيه».

من جانبه، توقع الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق بصندوق النقد الدولي، في حواره مع موقع الغد، أن «أن يلزم صندوق النقد الدولي الحكومة المصرية بتثبيت سعر صرف الدولار عند 10 جنيهات، وأن يصل احتياطي البنك المركزي إلى 30 مليار دولار، وهو ما ستسعى الحكومة المصرية إلى توفيره من خلال إيرادات السياحة والتصدير والسندات والودائع الدولارية».

وأضاف الفقي، «كذلك سيشترط الصندوق على الحكومة المصرية من أجل الموافقة على منح مصر قرض البنك الدولي، توحيد سعر الصرف في السوق، ومن ثم القضاء على السوق السوداء، ويسعى بالفعل المركزي المصري لتحقيق ذلك من خلال خطته لتعويم الجنيه واتخاذه إجراءات مشددة تجاه شركات الصرافة المتلاعبة، فضلا عن اتخاذ آلية صرف أكثر مرونة من خلال تحريك سقف الإيداع والسحب للعملة الخضراء».

وأكد الفقي، أن «وكالات تصنيف الائتمان تترقب حصول مصر على شهادة الثقة من صندوق النقد الدولي لضخ الاستثمارات في السوق المصري»، لافتا إلى أن «تعثر مفاوضات الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي سيعود بالسلب علي الاقتصاد المصري، لذلك لا بد من سرعة الوصول إلى اتفاق مشترك خلال الأسبوع المقبل على أقصى تقدير».

وأشار الفقي إلى أن «أخطر ما يمكن أن يواجه المركزي المصري خلال الأيام المقبلة هو اتجاه البعض إلى الحصول على الدولار من البنوك، التي يستقر فيها سعر صرف الدولار عند 8.88 جنيه أو حتى من السوق السوداء، حيث يتجاوز سعره الآن 12 جنيها، بغرض اكتنازها وإعادة بيعها بعد تحرير السعر الذي من المتوقع أن يبدأ من 12 جنيها على الأقل».

حول الآثار المتوقعة للتعويم، صرح محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، لموقع الغد، «بأن التعويم الحر لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، سيضر بمحدودي الدخل، كما سيؤدي إلى رفع أسعار السلع والخدمات في السوق المصري، كما سيتسبب في حدوث موجة تضخمية هائلة، فمن المتوقع أن يصل معدل التضخم عقب قرار تعويم الجنيه إلى 11%، ثم 11.5% قبل نهاية العام الحالي، لذلك من المرجح أن يتبع المركزي نظام التعويم المدار للتحكم في آليات السوق».

وأضاف عادل، «نأمل أن يؤدى الحصول على الشريحة الأولى من القرض وتطبيق حزمة الإجراءات الإصلاحية إلى تدفقات استثمارية سريعة ترفع مؤشرات الاقتصاد وبالتالى ترتفع قيمة الجنيه ولو بدرجة بسيطة».

يذكر أن الجنيه المصري فقد نحو 1.8% من قيمته أو ما يوازي 12 قرشا، في يوليو 2013، بعد أن فقد نحو 15% من قيمته منذ ثورة يناير وحتى 2013.

فضلا عن فقدان الجنيه لأكثر من 6.7% من قيمته أو ما يوازي 48 قرشا كاملة، عقب تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في يونيو 2014، وكان سعر صرف الدولار يساوي 7.15 جنيه، ووصل حاليا السعر الرسمي إلى 8.88 جنيه.

وكانت الحكومة أعلنت منتصف الأسبوع الماضى، رسميا، عن بدء مفاوضات مع الصندوق للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات بواقع 4 مليارات دولار سنويا، ووصلت بعثة الصندوق القاهرة يوم الجمعة الماضي، وبدأت المفاوضات مع مسؤولى المجموعة الاقتصادية، وعلى رأسها وزير المالية يوم السبت الماضي.