معركة سينمائية وسط الصراع بين روسيا وأوكرانيا

بمهارة صوتية ملفتة ولغة أوكرانية حديثة العهد في عالم الدوبلاج، كان باستطاعة الفنان الكوميدي فولوديمير زيلينسكي أن يؤثر في الوجدان الشعبي الأوكراني وأن يعلق صوته في الأذهان.

ثمة أصوات في عالم الدوبلاج تتحول إلى أبطال في فيلم ما دون ظهور… فالصوت والإحساس ينفذان إلى الأسماع فيستقران في الذاكرة الشعبية.

صوت الدب

فيلم الدب الكوميدي من بين أبرز الخطوات السينمائية التي استخدمتها أوكرانيا للخروج من تأثير الثقافة السينمائية الروسية المهيمنة على كييف بنسبة تزيد على 70%.

وجسّد زيلينسكي صوت الدب بنسخته الأوكرانية، حين يبدو تائها، بينما يعلق في رقبته عبارة تقول “الرجاء الاعتناء بهذا الدب وشكراً فتجده عائلة إنجليزية ويصبح فرداً منها”.

رسالة سينمائية سياسية تشير إلى رغبة أوكرانيا بالاندماج بالعائلة الأوروبية ورغبتها الدخول إلى الاتحاد الأوروبي.

صوت زيلينسكي بلغة أوكرانية سينمائية سيجعله بطلاً شعبياً يحيي اللغة الأوكرانية ويبعثها من مرقدها الثقافي عن طريق الدب.

أما الآن.. ماذا لو تحول التمثيل إلى أمر واقع و الخيال إلى حقيقة ملموسة، مرة أخرى زيلينسكي سيؤدي دور البطولة في المسلسل الكوميدي خادم الشعب.

خادم الشعب

ويجسد دور أستاذ التاريخ المناهض للفساد ثم يتحول إلى رجل سياسي ليصبح في المسلسل الكوميدي رئيساً للبلاد بأغلبية ساحقة.

الملفت أن زيلينسكي أسس حزب خادم الشعب الذي يحاكي مسلسلة الكوميدي و انتقل فعلياً إلى عالم السياسة سنة 2018 واستفاد من دعاية الموسم الجديد للمسلسل بإبراز حزبه الجديد ليفوز بطل خادم الشعب بانتخابات 2019 بنسبة 73% فيصبح الرئيس في المسلسل رئيساً حقيقياً لأوكرانيا.

إنه الانتقال إلى موسم دراماتيكي واقعي جديد بعد موسم كوميدي ساخر، وعلى هذا النحو بات الخيال القصصي يتفاعل مع الأحداث الواقعية ضمن كوميديا سوداء لم يعد الخوض فيها محرما.

ستحاول أوكرانيا «أكرنة» اللغة السينمائية ضمن رؤية تجسد الصراع بين كييف وموسكو.

زمن الحرب

السينما جزء من البروباجندا التي ظهرت في الحرب العالمية الأولى لتكريس الشعور القومي.

هذا هو فيلم أتلانتس الأوكراني المنتج سنة 2019 استشرف المستقبل ويعرض زمن حرب تدور أحداثها شرق أوكرانيا سنة 2025.

صدقت نبؤة الفيلم لكن زمن الحرب كان أسرع بثلاث سنوات، وذاك فيلم انعكاس الأوكراني برؤية بانورامية يصور مدى الرعب و الدمار و دراما الصدام الإنساني، لقد أدرك السياسيون ضرورة اقحام السينما لتبرير الحرب أو توظيفها للدعاية.

وعلى الجيل الجديد الصغير في روسيا أن يتابع هذه الرسوم المتحركة ليتفهم وجهة نظر موسكو في شن هجومها على أوكرانيا.

طفلان أوكراني وروسي لا ينفصلان عن بعضهما ثم يذهب الطفل الأوكراني للتسكع حسب لغة الفيلم فيقيم علاقات مع طفل أمريكي و هي دلالة انفصال أوكرانيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ثم مشهد آخر.

الطفل الأوكراني يضرب طفلين في لوجانسك ودونيتسك لقمع السكان الروس فتتدخل روسيا لحمايتهم.

إنها البروباجندا بقالب دعائي وحرب السينما، إنها الدعاية المبنية على إقناع الناس بالتصرف على نحو يرضي السلطة، أو قل إنها السينما التبريرية التي ابتدأتها واشنطن و البطل الذي لا يموت في الأفلام الأمريكية.

وحكايات الأبطال الذين لا يموتون كثيرة في سينما الحروب يكاد التقرير لا يتسع لذكرهم، وهكذا سيكون للسينما حالة دعائية بمؤثرات بصرية موسيقية على وقع صراع إنساني دموي قد حدث فعلاً.

ولم تعد أوكرانيا كما كانت منذ الفيلم الوثائقي شتاء مشتعل و ثورة الميدان التي أطاحت بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا.

أما زيلينسكي الذي أدى دور الرئيس في مسلسله الكوميدي و أطلق النار غاضباً في هذا المشهد فما يزال يحمل المسدس في مسلسل حربي تراجيدي واقعي لا مكان للكوميديا فيه فإلى من يسند دور البطولة بعد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية.