في مفاجاة وصفت بأنها من «العيار الثقيل» أوصل الناخبون العراقيون، الذين أنهكهم الفساد وعجز الطبقة السياسية، تحالف «سائرون» الذي يجمع الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر والحزب الشيوعي، إلى صدارة نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت السبت الماضي في العراق.
وتحالف الصدر والشيوعيين ـ في سابقة عراقية غير معهودة ـ الذي تأسس في إطار برنامج إصلاحي لمحاربة الفساد تحت اسم «سائرون»، تصدر النتائج في ست محافظات، بينها بغداد، من أصل 18 محافظة، وحل ثانيا في أربع أخرى.
- مقتدى الصدر المتحدر من سلالة دينية شيعية تحظى باحترام واسع، غير مدعوم لا من الولايات المتحدة ولا من إيران، ويدعو إلى تحرر القرار السياسي العراقي من التبعية.> وقد قاتل القوات الأمريكية بعد غزو العراقي في العام 2003، ويطالب اليوم برحيلها بعد هزيمة تنظيم «داعش»، ويدعو إلى سيادة العراق في السياسة الخارجي، أي التحرر من النفوذين (الإيراني والأمريكي).. والواضح أن الانتخابات العراقية تعكس فى صورتها الأخيرة الفشل المزدوج للنفوذين، كما تعكس عزوف العراقيين الشديد عن المشاركة، مع تدنى نسبة الحضور إلى أقل من 45 فى المائة ، وهى أعلى نسبة عزوف عن التصويت منذ أول انتخابات متعددة الأحزاب جرت فى العراق عام 2005.
مفاجأة «الصدر» سوف تعيد تشكيل المشهد السياسي العراقي، مدعوما من نتائج الانتخابات التي عكست غضب العراقيين من أداء الطبقة السياسية خلال السنوات الـ15 الماضية، وانعدام الثقة فى نواب البرلمان المنتهية ولايتهم، وحجم الاستياء الشعبى البالغ من الفساد الذى طال الطبقة السياسية، وعبر عن نفسه فى خسارة أسماء سياسية بارزة فقدت مقاعدها البرلمانية.. وتزداد التكهنات حول شكل الحكومة المقبلة، مع تقارب المقاعد بين خمس كتل متناقضة، مما يُعقّد تشكيل الكتلة الأكبر قبل دعوة البرلمان للانعقاد. ويتوقع مراقبون أن يستمر ماراثون المفاوضات شهوراً..بينما كشف «الصدر» عن تحالفاته المقبلة، مستبعداً أي تحالف مع قوائم «الفتح» التابعة لقوات الحشد الشعبي، و«دولة القانون» التي يترأسها المالكي، والاتحاد الوطني الكردستاني التابع إلى الرئيس الراحل جلال طالباني.. موضحا توجهه لتبني جيل جديد يشهد التغييرنحو الإصلاح، ليكون «القرار» عراقياً، وتأسيس حكومة أبوية من «كوادر» تكنوقراط لا تحزب فيها.
وكشف عن نيته التحالف مع «تيار الحكمة» الذي يرأسه عمار الحكيم، و«ائتلاف الوطنية» برئاسة إياد علاوي، و«كتلة إرادة» التي ترأسها حنان الفتلاوي، و«حراك جيل الجديد» الذي يترأسه الرجل الأعمال الكردي الشاب شاسوار عبد الواحد، إضافة إلى كتلة «التغيير الكردية»، ومع «تحالف القرار العراقي» الذي يرأسه رئيس مجلس النواب السابق أسامة النجيفي، و«قائمة بيارق الخير» التي يتزعمها وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، و«تحالف النصر» الذي يرأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي.
- «التيار الصدري» يرغب في تتشكيل حكومة تختلف عن الحكومات السابقة التي اعتمدت في طريقتها على المحاصصة بين الكتل السياسية، ويسعى لتشكيل حكومة وفقا لبرنامج ذو أطر أساسية عامة مبنية على إبعاد المحاصصة، ومعتمدة على التكنوقراط.
مفاجأة «الصدر» المعروف بتصديه للنفوذين الإيراني والأمريكي، والانفتاح على الساحة العربية.. دفع كل من إيران والولايات المتحدة للتحرك مبكرا، لمناقشة شكل الحكومة الجديدة، وفيما حض مبعوث الرئيس الأميركي «بريت ماكغورك» في أربيل الأحزاب الكردية على التوحد استعداداً لماراثون تشكيل الحكومة، أفادت أنباء بوصول قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، إلى بغداد في مسعى لتوحيد الأحزاب الشيعية الفائزة، في مهمة هي الأصعب على مدى الأعوام الـ15 الماضية.
- نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، كرست زعامة الصدر الذى يقود إحدى الميليشيات المهمة التى حاربت القوات الأمريكية خلال فترة احتلالها العراق، ويعارض الصدر هيمنة إيران على العراق، ويعلن دون موارية رفضه فساد الطبقة السياسة، ويستطيع أن يحشد ملايين المتظاهرين من أنصاره الفقراء فى شوارع بغداد، وبرغم أنه ينتمى لطائفة الشيعة فإنه الأقل تعصباً، وقد ضم تحالفه فى الانتخابات الأخيرة الشيوعيين والعلمانيين والمُستقلين وكل من يُعارض هيمنة أمريكا وإيران على العراق، وهو صديق لكل من السعودية ومصر.
- في المقابل، يسعى زعيم «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، الذي يعتبر الخاسر الأكبر في الانتخابات بعد فقدانه ثلثي مقاعده النيابية، إلى حشد قوائم انتخابية مقربة من إيران كورقة ضغط أمام بقية الكتل، عبر مقاعده الحالية الـ25 إضافة إلى مقاعد «الفتح» (47)، فيما يراهن على إقناع العبادي بالانضمام إليه ليضاف 42 مقعداً، و «الحكمة» 19 مقعداً. ولكن مجموعها لا يصل إلى الغالبية المطلوبة لتشكيل الكتلة الأكبر المؤهلة وفق الدستور لتشكيل الحكومة، والبالغة 164 مقعداً.
وتترقب الدوائر السياسية في بغداد، إن كان حيدر العبادى ومقتدى الصدر يستطيعان تشكيل تحالف حاكم، خاصة أن الأمريكيين لا يغفرون للصدر أنه قاد انتفاضتين ضد الوجود الأمريكى فى العراق.
- يذكر أن المادة 76 في دستور العراق، تنص، أن على رئيس الجمهورية، يكلف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا في مجلس النواب تشكيل حكومة مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية في البرلمان،ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته، خلال مدة أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف.
