رغم أن “المال السياسي” خدش “بياض” الانتخابات التشريعية الأردنية، للمجلس النيابي الثامن عشر، بعد أن أسدل الستار على عملية الاقتراع أمس، الثلاثاء، إلا أن المؤشرات الأولى للنتائج كشفت أن “كلمة العشيرة” هي العليا، وأن المستقلين اكتسحوا النتائج الأولية، مع تراجع ملحوظ للإسلاميين بمختلف فصائلهم، رغم ارتفاع منسوب الحديث عن انتشار عمليات شراء الأصوات والمال السياسي، في بعض الدوائر.
وأعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات، مع إغلاق جميع صناديق الاقتراع في دوائر المملكة المختل، مساء أمس، عن تصويت مليون و490 ألفا و44 ناخبا وناخبة بمختلف محافظات ودوائر المملكة، منهم 775543 من الذكور و716501 من الإناث، ومن أصل عدد من يحق لهم الانتخاب بمختلف دوائر المملكة والبالغ 4 ملايين و139 ألف ناخب وناخبة، ولم يصوت نحو مليون مغترب في الانتخابات، ما يشير إلى أن نسبة المشاركة كانت “متواضعة” وبلغت نحو 37% لاختيار نوابهم الـ130 من بين 1252 مرشحا، ضمتهم نحو 220 قائمة انتخابية.
وبحسب أرقام الهيئة المستقلة، فقد سجلت الدائرة الثالثة في العاصمة عمّان أدنى نسبة اقتراع، فيما سجلت دائرة بدو الجنوب أعلى نسبة، وقدر التحالف المدني لمراقبة الانتخابات “راصد” نسبة المشاركة في الانتخابات في جميع المحافظات بنحو 37.1 %، وأشرف على الانتخابات 80 ألف موظف، و10 آلاف متطوع، و676 مراقبا دوليا، منهم 66 من الاتحاد الأوروبي و14 ألف مراقب محلي، كما أشرف على أمن العملية الانتخابية 53 ألف رجل أمن.
تدني نسبة المشاركة في المدن الكبرى
كانت المدن الكبرى “عمان، الزرقاء، اربد”، شهدت تدنيا لافتا في نسب التصويت، ولم تتجاوز نسبة المقترعين فيها أكثر من 23%، وهي النسبة الأدنى على مستوى المملكة، فيما كانت الدائرة الثالثة في العاصمة عمان هي الأدنى من حيث نسب التصويت، ولم تتجاوز الـ18%، وهو الأمر الذي دفع الهيئة المستقلة للانتخاب لتمديد التصويت في عمان والزرقاء واربد لمدة ساعة.. وتدني نسبة المشاركة في تلك المدن الكبرى، دفع مراقبين إلى المطالبة بقراءة الأسباب والمسببات، التي تؤدي لذلك، وأسباب عزوف ناخبين فيها عن الخروج للادلاء بأصواتهم في انتخابات تعتبر مصيرية، وان كان هذا التقاعس يحمل في طياته أبعادا سياسية، أو ربما رفض للشكل الجديد للقانون، أو ان كان ذلك ظاهرة عامة في المدن الكبرى.
المستقلون يحصدون 90 مقعدا بنسبة 69%
وأظهرت نتائج أولية غير رسمية، أن المرشحين المستقلين حصدوا أكثر من 90 مقعدا في المجلس النيابي من أصل 130، فيما أظهرت النتائج الأولية فوز 16 مرشحا من مرشحي التحالف الوطني للانتخابات للإصلاح الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين ومتحالفون معها وضم 111 مترشحاً موزعين على 19 قائمة انتخابية حتى الآن، في حين ما تزال عملية جمع وفرز الأصوات جارية في عدد من دوائر المملكة، وتأتي مشاركة الإخوان بعد 10 أعوام من المقاطعة احتجاجاً على قانون الانتخاب المعمول به في الدورات السابقة المسمى بالصوت الواحد، وإقرار قانون انتخابي جديد يتيح للناخب التصويت لقائمة تضم عدداً من المرشحين، وهو ما دفع الإخوان للمشاركة بالانتخابات مجددا.
وكان استطلاع التحالف المدني لمراقبة الانتخابات الأردنية (راصد)، قد كشف عن أن عدد الأحزاب التي ترشحت وانتخبت بلغ 39 حزبا، بنسبة 78% من إجمالي الأحزاب، فيما شارك 11 حزبا من خلال الانتخاب فقط، بينما وصلت نسبة المرشحين المستقلين وغير المنتمين لأحزاب إلى 82%.
وأظهرت نتائج استطلاع الخارطة الحزبية في المشهد الانتخابي، أن المترشحين من ذوي الانتماءات الحزبية شكلوا نحو 18% فقط من إجمالي عدد المترشحين، بما مجموعه 234 مترشحا ومترشحة، بلغت نسبة الذكور منهم 81.7 %، مقابل 18.3% للاناث، وتوزع المترشحون من ذوي الانتماءات الحزبية على 99 قائمة انتخابية في مختلف الدوائر الانتخابية.
“المال الأسود” يخدش بياض الانتخابات
ورغم تعهدات الهيئة المستقلة للانتخاب بمكافحة تفاقم ظاهرة المال السياسي أو ما يطلق عليه تجارة “المال الأسود”، إلا أن مواطنين ومرشحين أبلغوا عن عدد كبير من حالات شراء الأصوات، سواء العلنية أو تلك التي تجرى في المنازل، وما يعزز انتشار المال الأسود، هو استغلال حاجة المواطنين مع تردي أوضاعهم المعيشية، حيث وصل سعر الصوت الواحد الى 35 دينارا، 10 منها تدفع مقدما، و25 دينارا بعد الإدلاء بصوته.
ويؤكد سياسيون أردنيون، أن المرشحين يلجأون إلى المال السياسي لافتقادهم رؤية برامجية وسياسية واضحة، يمكن البناء عليها والدفاع عنها، وبالتالي يكون أقصر الطرق بالنسبة إليهم سلوك هذا الطريق للتأثير على إرادة الناخبين، ورغم أن مواد قانون الانتخاب تضمنت عقوبات مشددة، للحد من حضور المال السياسي في الانتخابات.
وكانت دائرة الإفتاء العام حرمت شراء الأصوات بالانتخابات، في فتوى نصت على أنه “يحرم على المرشح أن يدفع المال للناس مقابل انتخابه وحشد الأصوات لصالحه، سواء أكان نقدا، أم هدايا، ومن يفعل ذلك فكيف يؤتمن على مصالح وطنه ومقدراته”.
العملية نجحت ماذا عن المولود؟
وقال الكاتب والمحلل السياسي الأردني، فهد الخيطان، لـ«الغد»، إن الدولة اتخذت قرارا حاسما بعدم التدخل في العملية الانتخابية أو التلاعب بنتائجها، كما حصل في انتخابات سابقة، وإن نجاح العملية الانتخابية يرجع إلى سببين، الأول الإجراءات غير المسبوقة التي اتخذتها الهيئة المستقلة للانتخاب، وفتح العملية بكل مراحلها أمام الرأي العام، واستخدام وسائل تقنية وفنية إضافية، تحول دون التدخل في الانتخابات أو التلاعب فيها، والعامل الثاني، توفر شبكة واسعة من المراقبين الأردنيين والأجانب، عددهم تجاوز خمسة آلاف مراقب، إلى جانب مئات الإعلاميين المحليين والدوليين.
وأضاف الخيطان، أن اهتمام المواطنين اليوم سيركز على النتائج، والتي قد تكون متاحة لجميع الدوائر مع ساعات الصباح، لكن مجريات اليوم الانتخابي الطويل، لن تكون خلف ظهورنا، وستخضع للتدقيق والمراجعة، لما لها من تأثير على النتائج النهائية، بمعنى آخر، فإن وقائع “الثلاثاء الكبير” هي التي تحدد بقدر كبير صورة المجلس النيابي الجديد، وشرعيته في عيون جمهور عريض من الأردنيين، يتمنى أن يرى برلمانا بحجم التحديات والطموحات، ويمكن القول إن العملية نجحت، وهذا ما تشير إليه الوقائع، لكن ماذا عن المولود؟
